الخطاب الغزوي بين التعبير الببغاوي والإرتجال الفكري
الخطاب الغزَّوي
بين
التعبير الببغاوي والإجترار الفكري
لوقرأنا قراءة تأمُّلية وتدبرية الخطاب العربي الغزَّوي – السمعي البصري – لتبين لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أنه يعتمد في بنائه على التعبير الببغاوي ، والإجترار الفكري ، يتوسَّل باللغة لإحداث الإغراء والتأثير ، ويرتكز على الفذلكة الكلامية ، والحذاقة اللفظية ليكبل فكر المتلقِّي ويزج به في بؤرة خانقة ، ليسيطر عليه شعور بصوابية ما يتلقى ، بل يعتبره هو الحق المطلق ومن تم تتعسر عليه المراجعة ، فيرزأ تحت ضغط الإعلام المجترِّ ، فلا يرى إلا ما يتقاطع معه فيدخل في غيبوبة تفضي به إلى إفتقار وإفتقاد الرؤية الموضوعية النافذة ، ويكتفي بالرؤيا المحدودة المحصورة في لغة الخطاب ، وما يحيط بها من ضباب كثيف.
والخطاب الغزَّوي المأزوم ﻻ ينبثق من فراغ بقدر ما هو أثر حتميّ أفرزته بواعث نكسة الفكر العربي المصاب بالذّهان والإنفصام ، وفي كل حالاته الإنقضاضية يسعى إلى كشط طبقة سطح الواقع الرقيقة والشفافة ، ومعاودة إستبدالها بالبدايات الببغاوية ، فيفشل في إيجاد مساحة الإبتكار والتجديد الإيجابي لوقائع التاريخ .
إن التعبير الببغاوي يعاكس بشدة التفكير الحر ، فيتفشى الحقن السياسوي، ويغرق الخطاب الغزَّوي في مستنقع الإجترار الفكري المتسلسل بسبب هشاشة الوعي السياسي ، ومحدودية القدرة
على الصراع الفكري ، فتصبح البنية الذهنية أرضاً خصبة مهيّئة لإستقطاب المعاني المزيفة باعتبارها أفقاً للوعي المشوش والمعرَّض للتجاذبات.
كيف يمكن أن يملك الخطاب العربي في في ظل هذا الواقع الإرتجاجي يقين المتلقي وثقته ، وهو يتوسَّل إليه بالببغاوية والإجترار الفكري لإحداث الإغراء والتأثير ، فالمصداقية لا تتم إلا بدَحْر الببغاوية في عقولنا ، ونبذ الإجترار وترسيخ التفكير الحر السليم ، والإيمان بأن رحلة البحث عن الحقيقة تبدأ من دواخلنا ، وتمتد تحفيزاً لما حولنا ، ﻷن الجلاّد يتخذ من ببغاويتنا وإجترارنا الفكري أداة تحصين لطمس فظاعة همجيته ووحشيته .
إن العدو الصهيوني يمتلك كفاءة ديماغوجية بارعة في تمرير مشروعه الفكري ، ضد مشروعنا اللغوي الإنفعالي ، الشأن الذي يهدينا إلى تبيُّن السر الكامن خلف دعم خطابه ، الذي يعتمد على أساليب الطرح الماكرة ، القادرة على التسلل بسهولة إلى التركيبة الذهنية للمتلقِّي ونحن ﻻ نملك القدرة بعد على سبر أغوار خطابه ، وتفكيك البنية الشاملة التي ينهض عليها لدحضده وتفنيده بسبب قصور إستعداداتنا المعرفية والغُثَاء التراكمي ، ولا ريب أن هذا يبرهن بجلاء أن الحقيقة التي يجب تبَنِّيها لمواجهة الخطاب الصهيوني هي توسيع مدى الأبعاد الدلالية للخطاب الغزَّوي ، وإبتكار الآليات الفعّالة لعولمته ، وتكثيف الدعاية له والإعلاء من قيمته في النَّسَق الأخلاقي العام ، ودفعه نحو نقلة إرتقائية ليحتلَّ موقعاً أعلى في درجات السُّلم الإنساني النضالي
Aucun commentaire