– الشوهه – و الحصار
״ الشوهه ״ و الحصار
لقد ذكرني حلول بوش بالأرض المقدسة مؤخرا٬ بكتاب دافيد كوسوف تحت عنوان
The voices of masadah
أي أصوات المسادا٬ و هو جبل توجد به قلعة تاريخية٬ كان أن اعتصم بداخلها اليهود بعدما اكتسح دولتهم الروم٬ فاخذوا يفكرون في حل ليخلصوا في الأخير إلى أن يقتل الواحد منهم الآخر ضربا بالسكين٬ و بالتالي ينتهون أمواتا رجالا و نساء و أطفالا معتصمين بالقلعة التي أصبحت فيما بعد رمزا تاريخيا يتوجه إليه التلاميذ و الطلبة اليهود لزيارتها و الوقوف على معاني الصمود و التضحية-
و خلص المفكرون إلى أن اليهود إنما يؤسسون لنظرياتهم من خلال هذه الوقائع التاريخية٬ و إن كان البعض يرى في ذلك تضخيما و مغالطات٬ كما فعل المفكر روجي كارودي الذي شن عليه اليهود حملة شرسة بعد صدور كتابه ״الأساطير المؤسسة —״
إلا انه يلاحظ أن شذرات هذه الحملة كانت كثيرة و متنوعة٬ حيث قبل أن يتابع في محاكم فرنسا بالمعاداة للسامية٬ شككت الصحافة النفطية في إسلامه٬ ليحقق الدكتور القرضاوي انتمائه للإسلام بعد محاورته- و بيت القصيد الذي أرومه هنا هو أن الأصوات قد تختلف و لكن المسادا واحدة-
و لذلك قلت إن القلم الحر يكون بتارا إذا ما هو لبى دعوة الدكتور منير شفيق٬ في كتابه ״النظام الدولي الجديد״ للتخندق في خيار المواجهة٬ و توظيفه لتحليل النكبة و النكسة٬ و ليس لمعالجة ظاهرة حزب الله أو إيران-
و على ذكر هذه الأخيرة كان التعليق الذي تناقلته الإذاعة و التلفزة الفرنسية عند عودة بوش٬ قوله إن إيران عدو إرهابي يهدد العالم كله- و لكن كما قلت في 30 دجنبر في نعي صدام ما مفاده : لا التشيع و لا حسين نفسه اخطر من الأمركة٬ أمركة منصات و أيام الإعدام- فبوش بدا هو الآخر يبحث عن شرعية لقضيته و لو في ارض الأنبياء-
و سالت نفسي بنفسي أيعلم الصغار كبارهم النقش على الحجر؟ أم أنها كرامات القرن العشرين!!
نعم كيف يدخل أطفال الحجارة باب التاريخ٬ ليخرج منه حسين؟، إن ارض الأنبياء طاهرة لا تقبل إلا طاهرا، و لأنها قضية شرعية ستسجل في سجل التاريخ الأبناء الشرعيين فقء لهذه الأمة-
امة لو أن رسولها الكريم لم يقل ״الخير في أمتي إلى يوم القيامة״٬ لصح قول الشاعر عن شعوبها إذ يقول
شعب إذا ضرب الحذاء برأسه *** قال الحذاء بأي ذنب اضرب؟
لقد قرن الله تعالى الخروج من الوطن بالقتل، فقال : ״ و ما لنا ألا نقاتل و قد أخرجنا من ديارنا״٬ و فهمت حينئذ كيف يجود المهاجرون المسلمون في أوربا بمساعدة إخوانهم في فلسطين٬ و لقد شهدت في الجمعة كيف كان احد كوادر هيئة مناصرة الشعب الفلسطيني يدعو الناس لفعل خير أو للدعاء٬ وهو يعدد بعض الأرقام عن عدد الأيتام المكفولين في فلسطين و الذي بلغ 4600 ٬ و هكذا تأملت طويلا في مقولة احمد مطر״ و اليتامى من يتامى يولدون״ إلى أن يقول ״عائدون!، و لقد عاد الأسى للمرة الألفين، فلا عدنا و لا هم يحزنون״-
و ما عسى للإخوان إلا مساعدة الإخوان، فالشتات في أوربا ذاق مرارة افتقاد الوطن، و هو يساعد ليس لان في أوربا مال كما يظن الكثيرون، و لكن لأنهم بالإضافة ربما يسمعون في مساجد أوربا، خطبا بلا و بدون جنسية!، فهناك الكثير من الأجناس و لأنه ربما لا يشعر و لا يفهم الشتات إلا الشتات-
اجل، لقد باع من باع و اشترى من اشترى كما يقال، لكي لا يبقى للمسلمين و لا للمسيحيين في الهلال الخصيب نصيب، و كتب على الفلسطينيين أن يشردوا على مرأى من الأمم المتحدة علينا، و لكن
لا زلنا بخير ما دام يتعجب من العجب، فحفيظة أوربا تثور علي كتاب ״الأساطير״، لكي لا ترد بالا لكتاب سلمان رشدي، كما قال الدكتور الفلسطيني المسيحي سامي الديب أبو ساحليه أستاذ القانون بجنيف-
Les musulmans face aux droits de l’homme في كتابه
إن دورنا هنا لا يكمن في عد و سرد المفارقات، لأننا إذا بدأنا في ذلك سنحتاج إلى مجلد من المقالات، و الحمد لله مدراء أبحاثنا أصبحوا يعترفون بان فرنسا مثلا و إن كانت ديموقراطية مع مواطنيها، فهي ليست كذلك مع الأجانب!- و لكن الأهم والمختصر المفيد كما يقول سامي الديب : ״يجب على العرب الانسحاب من الأمم المتحدة״[1]–
إنني لا أتصور بلادة و عته المتشددين أو المتصهينين، أصحاب ״عقدة البقرة״، كيف يلهيهم الأمل بالمعنى الواسع- أي أمل البقاء و أمل التعويل على الحركات و الرموز الفاشية، الفاشلة، التي تسقط و تموت تباعا- أولا يعلمون أن الكتاب محفوظ في الصدور، و مما فيه ״أن مسخناهم قردة و خنازير״ – و لسنا ههنا نقدح في احد إنما يكفي ما قال القائد الشاب في سوريا : اخرجوا من أرضنا و انتهى الأمر، ثم أضاف : إنا لنا في إسلامنا بعدا إنسانيا- و قد يقول قائل كيف لمقارنة هؤلاء و أولئك، لنكن واقعيين!!
نعم ما يسمى بإسرائيل أوجده على الأرض العربية التواطؤ الصهيوني الانكليزي، و و فر له الحماية الحلفاء، لكي يرعاه التخاذل و ندبة العروب، و كل ذلك تم في نصف قرن من الزمان، بينما بعث الله حزبا واحدا انبثق من الحرب الأهلية، في ظرف عشرين سنة، و بستة آلاف شهيد، كسر آلة حربية كان يقول عنها المتخاذلون ״الجيش الذي—״
صحيح أن الأزمة تلد الهمة٬ كما قال جمال الدين الأفغاني-
و لكن، هل فلسطين كانت دائما هكذا؟ و هل ستبقى في صراع كما يوهمنا القدريون أو الحتميون؟-
إن ما يسمى بإسرائيل هو حاصل في الخريطة، و المواثيق أبرمت، و المسلسلات ستعقبها أفلام ربما—
نعم كل هذا حاصل علميا فهي واقع، و لكن بمعايير أخرى هي واقع مكبوت، و سيزول و يرتفع، لماذا ؟؟
لأن فلسطين ارض الأنبياء و قبلة المسلمين الأولى و ثالث الحرمين الشريفين- و قيام هذا الواقع المكبوت كان في أجواء محلية و عالمية معينة، أصبحت تنكشف٬ ثم إن العالم بذلك يستفيق و يتغير- ولان دستور الصحوة و الحركة الإسلامية هو القران الذي لا يتغير- أضف إلى ذلك ما رواه لي أستاذي الشيخ الدكتور أمير شيشي و هو يتحدث لي عن الأمن في مصر على أن القادة في مدارس العسكر، و هم يكونون طلبتهم يعلمونهم عدم إعارة أي اهتمام لما كتبه المتواثقون بين مصر و الكيان، و سبب ذلك هو العداء العقدي و التاريخي-
ربما يخطر على بال متفحص، أن الدين سبب العداء، و حتى لا يقول قائل بترك الدين و الدعوة للفصل أي العلمانية- نقول راجع كتاب الأستاذ احمد أمحزون عن ״العلاقة بين الحركة الصهيونية و الماركسية״ فأقطاب الكيان كلهم ملحدون ولذلك أظن سبب الصراع الجوهري هو المعاداة لأمة سيدنا محمد-
و لنأتي تباعا نتفحص بدورنا جس نبض هذه الأمة !
فعندما هاجر المصطفى عليه الصلاة و السلام إلى المدينة، وجد اليهود يصومون يوم عاشوراه، فقال ما هذا؟ قالوا انه يوم نجى فيه الله تعالى سيدنا موسى من الغرق، فقال نحن أولى بموسى منكم، و أمر صلى الله عليه و سلم بصيام ذلك اليوم، و كان واجبا إلى أن فرض شهر رمضان، فنسخ ذلك اليوم-
طيب فرسولنا الكريم واحد، و وقفة عرفة واحدة، و حتى سيدنا موسى لا خلاف بيننا و بين اليهود فيه، و لكن مع ذلك فضل المسلمون في القرن الواحد و العشرون، أن يصوم كل واحد عاشوراه لوحده كل في رمضان يهلل بهلاله، و كل يسيح في مريع واليه، و لا حول و لا قوة إلا برب محمد و موسى-
قلت حينها هذه هي المعضلة و هذا هو الإشكال، فإذا كانت الآية الكريمة ״ما هي و ما لونها״ تصويرا لعقدة البقرة، فانا مثلي مثل المغاربة يقولون في دارجتهم إنها ״الشوهه [2]״ !!!
كلمة عبرية معناها نقيض العدالة- أي الفساد- نعم فساد العقول المنظرة للاختلاف بل للكساد، و هي لا تدري!! فساد الأمل الكاذب و الضمير المنهزم – و لكن التاريخ لا يرحم-
ذلك التاريخ الذي اخرج الحجاج و من بعده صدام من الحفرة، هم أولاء حاصروا عقل الأمة قبل أن يحاصرها أبناء العمومة-
إنما لله ذرنا اذ يقول هرفي بلوشو في عنوان ״الهرطقات الكبرى في العالم الإسلامي״ ما مؤداه
״حقيقة ما يلحق بالأقلية ينتهي دائما بإصابة الأغلبية [3]״ – و إلى أن تنكشف تداعيات الشوهه ٬ حينها فقط سيفك الحصار و تعود بنو قريضة إلى رشدها٬ و ينجو أبناء العمومة كما نجى الله موسى ٬ فنصوم بذلك سويا تاسوعاه و عاشوراه واحدة٬ في امن و سلام٬
سمير عزو
رسالة فرنسا
[1] Abu Zohrâ Mohamed, Le crime et la peine dans le figh; « Al jarima wal okouba fi al fiqh al islami », 2 Volumes, editions Al Madani, Dar Al fikr al arabi, Caire 1998.
[2] La Shoh’ad : A propos du fonctionnement de la justice dans le judaïsme, il apparaît que l’équivalent du mot « corruption » en hébreu « la Shoh’ad », c’est dire : l’interdiction du Shoh’ad
1 Comment
Exuse; Une faute au niveau du bas de page, la première note normalement c’est ( Abu Sahileih, les musulmans face aux droits de l’homme, édit. 1994.