شَـــرَّح … مَــلَّـــح « السلطان طْـبيب و الممرض مَـضْــرُورْ »
اتفق ربابنة وزارة الصحة على إبداع صِباغاتٍ استراتيجيات خاصة بكل واحد منهم؛ حاولوا تعميمها و إنجاحها على مدار فصول ولايتهم الحكومية، بحيث أنصفت هذه الإستراتيجيات الجميع باستثناء دينامو المنظومة الصحية و جنديها المجهول المسمى « العنصر البشري » العامل بتفانٍ داخل الزنزانات الصحية… متى سنعاين مثلا سياسة وزارية صريحة تضع كأفق لولايتها التكفل الكامل و الفعال بجميع حاملي الأمراض المهنية، أو القطع نهائيا مع نقص الموارد البشرية الأبدي، أو سن أسس متينة و منطقية لارتجالات التكوين الخاص بالأطر الصحية، أو ملء الفراغ القانوني المهول الطاغي على بعض الفئات كالممرضين، أو محاولة تحقيق العيش الكريم و المستوى الفكري؛ الاجتماعي و الاقتصادي اللائق بالمهنيين المغلوبين على أمرهم، أو توفير الاكتفاء اللوجستيكي لما يصطلح عليه بالمستشفيات و المراكز الصحية التي هي في حقيقة الأمر جدرانٌ مغشوشةٌ صامدةٌ بألطاف إلهية تَـمَّ طِـلاؤها بلونين أزرق و أبيض لا تنقصها سوى نجمة سداسية لتغدو رمزا للكيان الغاشم المعلوم….؟؟؟
لكي نكون مُنصِفين فالحراك المحمود الذي تعيشه آنيا المنظومة الصحية لاسيما في شقها التكويني هو إشارة إيجابية على استشعار الوزارة أخيرا للدور الاستراتيجي الذي يضطلع به العنصر البشري للنهوض بقطاع صحي سقيم مُثقل بإرهاصاتِ سياساتٍ و حساباتٍ و مناهج سابقة استنزفته ماديا؛ تقنيا و تنظيميا و خدشت صورته مجتمعيا.
لكن و من منطلق أنه في بلدنا الكريم « حتى ذيبْ ما يعْـوي لله » فإن الإكراهات الدولية، الإقليمية و الداخلية فرضت بلا شك على وزارة الصحة المغربية محاولة اعتماد منظومة تكوينية خاصة بالممرضين تتماشى و الإملاءات الخارجية المطبوعة بدءً بإعلاني السوربون و بولون سنوات 1998 و 1999 حول ضرورة العمل بنظام إجازة ماستر دكتوراه، مرورا بتوصيات المنظمة العالمية للصحة في مختلف تقاريرها و ملتقياتها، وصولا عند إصدارات المنظمات العالمية الغير حكومية من قبيل الدراسة التحليلية للسكرتارية العالمية لممرضات و ممرضي الفضاء الفرانكفوني سنة 2011 بخصوص وضعية تكوين الممرضين ببعض الدول و التي ظهر خلالها المغرب جد متأخر مقارنة ببلدان أخرى كساحل العاج، لبنان و تونس… لذا أعطى أجمل بلد في العالم انطلاقة تحضيراته لذات النظام عام 2002 في إطار اتفاقية لوزارة الصحة بمعية بعض الجمعيات التمريضية مع جامعة « موريال »- كلية علوم التمريض – استفادت بموجبها دفعة من الممرضين المغاربة من دبلوم في الماجستير معترف به من طرف نفس الجامعة الرائدة عالميا في علوم التمريض…
تلكم كانت نقطة الضوء الوحيدة في المسلسل الانتقالي لإصلاح مسلك التكوين التمريضي الذي أنهت بَـثّـهُ وزارة الصحة بفرض نظام مباراة ولوج الوظيفة سنة 2007 على الخريجين من الممرضين رغم التعارض القانوني لكونهم يُكَوَّنون لصالح الإدارة، و بعدم تكليف نفسها عناء توحيد و تقييم المشهد التكويني الحالي للممرضين، الذي وُلد و ترعرع بقُـدرة قـادرٍ منذ سنة 1993 فـتُـركت لكل معهد الحرية الكاملة في التعاطي مع هذا المولود بوأدِهِ أو تشويهِه، و بما أن التحضير « لِــوْزيعَـة مْـضَـخْـمة » من قبيل نظام إجازة ماستر دكتوراه يستلزم تجمهر أكبر عدد ممكن من « صْحاب الشكارة » و « لَـمْـرايْـقِــيَـة »، فقد تم رسميا دعوة المؤسسات الخاصة لتقنيي التمريض التابعة للتكوين المهني سنة 2012 قصد الالتحاق بوفد « مْـسامـر المِيدة » و بالتالي ولوج الوظيفة « العمومية/الخصوصية » و الاستفادة من السلم العاشر كما ينص على ذلك مشروع المرسوم المُقترح من طرف وزارة الصحة المُعدِّل و « المُشَرْمِـلْ » للنظام الأساسي للممرضين. فعِـوض دمج التقنيين الخواص في هيئة التقنيين المشتركة بين الوزارات تَـمَّ إلحاقهم بهيئة الممرضين الوهمية إذ رغم عدم وجودها على أرض الواقع تجعل منها وزارة الصحة « أوطيل مُولانا »؛ فبعدما أخرجت منها « مُـساعدي الصحة » ها هي تكتريها حاليا لمؤسسات التكوين المهني الخصوصي… و الأمر ذاته يحدث لكليات الطب العمومية التي يُعتَزَم معادلتها بنظيرتها الخاصة برسم سنة 2014… مما يفتح باب المنظومة الصحية على مصراعيه أمام خوصصة القطاع…؟؟ « الرِّباخا؛ غير اللّي ما بغاش يْوَلِّي ممرض ولاَّ طبيب… »
حتى أن الوزارة الوصية لم تكلف نفسها عناء صياغة تعريف قانوني بسيط لإطار ممرضي القطاع العام يَهِبُهم « هُويةً »؛ إذ تنعتهم في كتيباتها و استراتيجياتها بأشباه الطبيين أي أنهم بالنسبة إليها مجرد « أشباح »، مع العلم أن التكلفة المالية اللازمة لصياغة ترسانة قانونية حديثة تؤسس لقانون مزاولة مهنة التمريض، لهيئةٍ وطنيةٍ و لقانون أساسي جامعٍ؛ كافٍ و شافٍ، ليست بالباهظة مقارنة بالملايير التي ذهبت بها كرامات أنفلونزا الخنازير المُـباركة؛ و صفقات اللقاحات المُفَبركَـة…؟؟ و هنا وجب الوقوف عند خطاب جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله حين أكد سنة 1970 على إلزامية اجتماع الممرضين و الممرضات في هيئة وطنية على منوال القضاة و الأطباء، لعله خير دليل على وجود إرادة سياسية عليا منذ زمنٍ ليس بالحديث قصد الرقي بمكانة الممرض، فمن إذن يتحدى هذه الإرادة و يقف حجرة عثرة في وجه تقنين هذه المهنة !!
تمخضت وزارة الصحة لمدة عشر سنوات لتلد مرسوما تنظيميا وحيدا؛ مُعاقاً ذهنياً؛ خاصا بنظام إجازة ماستر دكتوراه دون نصوص تطبيقية تحت رقم 13-658-2 اختارت له من الأسماء الملغومة لقب « المعاهد العليا للمهن التمريضية و تقنيات الصحة »، و الذي يُمهد للشتات الأعظم داخل هيئة الممرضين الورقية باختزال إطار الممرض في متعددي الاختصاصات، المبنجين و المروضين، ومن تَمَّ إلحاق الباقي بهيئة التقنيين المشتركة بين الوزارات في انتظار عزل هيئة خاصة بالقابلات بعيدا عن الجميع…
سأعرج على المادة 24 من المرسوم « الساندويتش » السالف الذكر الذي صيغ و صودق عليه في ظرف قياسي « كمعاهدة الحماية »، حيث لم تأتي هذه المادة على ذكر الأساتذة الدائمين خريجي السلك الثاني لمعاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي؛ و لا الأساتذة العاملين في كنف النظام السابق، ضمن مكونات الموظفين القائمين على هذه المؤسسات في صيغتها المُسْتَنسَخة الجديدة التي انكشفت عوراتها مع بداية الموسم الجامعي 2013-2014 كمؤسسات للتعليم العالي الغير تابعة للجامعات، حيث تم إدراجهم تحت مُسمى « موظفون يؤدون مهام التدريس » و ليس كأساتذة دائمين قضوا سنتين من التكوين بالسلك الثاني المتخصص في طرق التدريس، أو كأساتذة مارسوا لسنواتٍ التدريسَ داخل مَخافِر تكوين الممرضين. هنا تلزم الإشارة إلى أن هذا الإقصاء ليس وليد المرسوم الجديد، فحتى القانون الداخلي للمعاهد لسنة 1995 لم يكن يعترف صراحةً بهؤلاء الأساتذة الكِرام من خلال مادته رقم 48 التي ضمت آنذاك الأساتذة الباحثين رغم انعدامهم و أعدمت الموجودين رغم كينونتهم…؟؟؟ كذلك الأمر بالنسبة لحراس المصالح الصحية خريجي السلك الثاني المُنعدمين بين طيات القانون الداخلي للمستشفيات، الذي نظم حتى ولوج المجرمين المعتقَلين إلى المستشفى في حين سَكَتَ عن هذه الفئة من الموظفين الساهرين على كل صغيرة أو كبيرة من الأمور التسييرية، التأطيرية و التنظيمية داخل المؤسسات الصحية!!!
كل ما سلف ذكره في واد و العمل النقابي الصحي بالمغرب في وادٍ آخر فهو بين سندان المخزن و مطرقة المصالح الشخصية الضيقة… بين المساهمة المادية للدولة و طموح « فُلان » و « عِلان » لتسلُّـق السُّـلم النقابي الذي تختزل كل درجةٍ من درجاته دماء طبقةٍ من الطبقات الشغيلة… بين ساحة الدفاع و النضال؛ و ساحة المُبارَكَة في الغرفة الثانية… بين طموح الكاتب الوطني لدخول عالم البِدَل الرسمية؛ و دعوات العشاء السّخِية؛ و أخذ كل الأخذ لصالح فئة مُعينة ثم تكريس مطالب الممرضين و باقي الفئات الصحية؛ و ترقيمها في طابورات الانتظار الحكومية… عندما يتحول النضال النقابي إلى عمل وصولي يتوهج في مناسبات نعرفها جميعا (كانتخابات اللجان الثنائية المقبلة 2015) و يدخل في سبات ندرك كذلك زمانه، عندما يأتمر النقابي بأمر الحزبي و يخوض بالنيابة عنه معاركه السياسية الخاصة…فاعلموا أن الحالَ يتعلق بقطاع الصحة.
سأختم هاته « الشَّخَدات » المهنية التي تؤرق بالنا جميعا و التي خصصتها لفئة الممرضين لا لشيء إلا لأنني ممرض و أفتخر بهذا الانتماء؛ و لأن الممرضين يمثلون أكثر من 60% من مجموع موظفي وزارة الصحة؛ و نظرا للحيف المجتمعي و الإعلامي الذي يُثقل كاهلهم، سأختمها بالتأكيد على أنه رغم النقائص التي تشوب الجسم التمريضي و كذا باقي الفئات الصحية، فإنهم لا يتنكرون لمعنى وُجودِهم المهني ذاك « المواطن العليل » الذي لا يعلم معاناتهم، لكنهم يعلمون جيدا طرق العلاج و التخفيف من أسقامه لأنه مفتاح نجاحاتهم المهنية و سر لمعان صورتهم المجتمعية…
و اعذروا زلات و هفوات أخيكم و رفيقكم محمد عبد الله موساوي.
Aucun commentaire