دلالة عيد الأضحى
يوم عيد الأضحى هو يوم أكبر عيد في حياة المسلمين . ويسمى اليوم أضحى بجمع الأضحاة و هي الشاة ؛ التي تذبح ضحوة. وتسمى أضحية وإضحية وتجمع على أضاحي ؛ وتسمى أيضا ضحية وتجمع على ضحايا ؛ كما تسمى أضحاة وتجمع على أضحى . والقرآن الكريم أشار إلى هذه الأضحية في قوله تعالى : ( وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين ) والذبح اسم ما ذبح ؛ وتعظيمه في الآية لقدسيته فلن يكون الكبش الذي افتدي به نبي الله إسماعيل عليه السلام إلا كبشا عظيما ؛والعظم في صفات الأجسام كبر الطول والعرض والعمق ؛ وقد تكون هذه العظمة دلالة على كثرة ما ذبح من الذبائح إحياء لذكرى افتداء هذا النبي الكريم . وكأضحية نبي الله إسماعيل أضحية رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم التي ضحى بها عن أمته ؛ فلن تكون هذه الأضحية إلا ذبحا عظيما كالذبح الذي افتدي به نبي الله إسماعيل ؛ وقد افتدى بها رسول الله صلى الله عليه أمته.
هذا العيد يعود بنا إلى زمن نبي الله إبراهيم عليه السلام ؛ ويحيلنا على ذكرى تضحيته بابنه إسماعيل ؛ وهي أعظم تضحية في التاريخ من أجل إظهار الطاعة الكاملة لله عز وجل ؛ وهي طاعة صورها الذكر الحكيم في قوله تعالى : ( إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ) والإسلام هو الاستسلام لأمر الله عز وجل وحكمه . ومما استسلم إبراهيم وأسلم فيه لربه التضحية بابنه.
وعندما يحيي المسلمون هذه المناسبة فالقصد هو تجديد العهد بطاعة الله عز وجل على طريقة إبراهيم عليه السلام خصوصا وقد أمر المسلمون باتباع طريقة إبراهيم في الاستسلام لله عز وجل . قال الله تعالى مخاطبا نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين). ومعلوم أن دعوة الإسلام أو الاستسلام واحدة من لدن آدم عليه السلام إلى محمد عليه أفضل الصلوات لقوله تعالى : ( ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك ) وما قيل للرسل جميع هو كلمة التوحيد: لا إله إلا الله ؛ أي لا معبود إلا الله عز وجل ؛ وهذا يعني لا مشرع إلا الله ؛ فالمعبود يكون مشرعا بالضرورة وإلا فلا معنى لمعبوديته ؛ لهذا يقول رب العزة : ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) وعدم التفرقة لا يتأتى إلا باتخاذ مصدر تشريع واحد .
ومع أن كل الرسل قيل لهم قول واحد فإن الله عز وجل أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يتبع طريقة إبراهيم عليه السلام أو ملته في التعامل مع القول الذي أمربه ؛ ولم يؤمر بطريقة أو ملة غيره. والسر في ذلك هو الحنيفية التي تعني الميل عن الباطل إلى الحق . ولقد كشف لنا الوحي كيف كان إبراهيم عليه السلام حنيفا أي مائلا إلى الحق من خلال الحوار الذي كان يدور بينه وبين قومه ؛ وكيف تدرج بهم وفق منطق الحنيفية للوصول إلى التوحيد بعدما أثبت لهم بالحجة أن الكواكب الآفلة لا يمكن أن تعبد لأفولها الذي يعني الغياب مما يعرض الملكوت للضياع ؛ وأن الأصنام الجامدة لا يمكن أن تعبد لجمادها الذي يعني تعذر الحركة والقوة والتدخل عند الاقتضاء مما يعرض الملكوت للضياع أيضا. وفي هذا المنطق ميل من الباطل الذي لا يثبت إلى الحق الثابت وهو معنى الحنيفية أي الميل عن باطل الشرك إلى حق التوحيد. ولهذا صار إبراهيم أمة لقوله تعالى : ( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم ) وكلمة أمة تعني الإمام الذي يؤتم به ؛ وتطلق على خيط البناء الذي يعتمد لإقامة حائط سوي وكأن لبنات هذا الحائط أو حجارته تأتم بالخيط وتقتدي به فتكون بذلك سوية.والله عز وجل جعل طريقة إبراهيم هي طريقة المسلمين فقال : ( ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل ) أي المستسلمين لله عز وجل ولشرعه دون شرع غيره. وقد نفى الله عز وجل عن هذه الملة كل انتماء يراد تلفيقه لإبراهيم كذبا وزورا فقال : ( ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ) مما يدل على اليهودية والنصرانية قد اعتراها الشرك وهو اعتماد شرع غير شرع الله عز وجل. وقد حذر الله تعالى المسلمين من طائفة من أهل الكتاب اليهود أو النصارى فقال : ( ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم ) ولن يكون الضلال سوى استبدال شرع الله عز وجل بشرع غيره مما يعني الإشراك به على مستوى التشريع. والله يجعل نبيه إبراهيم قدوة للمسلمين فيما يخص البراء ممن يميل عن الحق إلى الباطل فيقول : ( قد كانت لكم إسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تومنوا بالله وحده) بمعنى لن نقبل منكم شرعا غير شرع الله عز وجل وسيكون ذلك سببا في عداوة وبغضاء بيننا وبينكم أبدا حتى تعودوا على شرع الله وميلوا من الباطل إلى الحق.والدعوة صريحة في القرآن الكريم بالبراء من اليهود والنصارى لقوله تعالى : (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء ) وجاء التفصيل بعد ذلك في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ).
وبالفعل قد بدت العداوة والبغضاء من قوم إبراهيم عندما أجمعوا على إحراقه؛ ولا يكون الإحراق إلا إذا كان الشيء المعرض له يشكل خطورة. وقد كانت دعوة إبراهيم إلى تحكيم شرع الله عز وجل تشكل خطورة على شرع قومه. وكذلك كانت دعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قومه لتحكيم شرع الله عز وجل تشكل خطورة على شرعهم مما جعلهم يفكرون في تصفيته الجسدية التي قال الله تعالى فيها : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ) . وسيظل الأمر كذلك في كل زمان وفي كل مكان إلى قيام الساعة.
وقد وصف الله عز وجل كل شرع بعيد عن شرعه بأوصاف ذميمة في قوله تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) ( ومن لم يحكم يما انزل الله فأولئك هم الظالمون ) ( ومن لم يحكم بما أمنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) وكل شرع اجتمع فيه الكفر والظلم والفسوق هو شرع باطل؛ وقد سماه الله تعالى الطاغوت في قوله عز من قائل : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا).
إن إحياء سنة إبراهيم لا يمكن أن تختزل في يوم تستهلك فيه اللحوم كما يريد أصحاب الولاء لليهود والنصارى والذين ينهلون من شرعهم الطاغوتي بل هو عودة لملته الرافضة لغير شرع الله عز وجل.
Aucun commentaire