اللغة العربية خط أحمر
الحمد لله وحده و الصلاة على من لا نبي بعده،
وسط كم الاختلالات التي يعج بها التعليم و ما يحويه من آلام و آمال، طبيعي أن يكثر الاجتهاد حول أنجع السبل لتدارك ما فات و النأي بفلذات أكبادنا عن نظام تعليمي متآكل نخره السوس من كل حدب
و السوي أن ينهمك أرباب الأقسام و من يليهم من تربويين و علماء اجتماع و ديداكتيك فهما للمسألة وتشخيصا قبل اقتراح الترياق الشافي و من حق المجتمع الواعي أن يدلي بدلوه في الحوار.
بيد أن أريحية التعليم و انفتاحه على الجميع كما أنها أمر محتوم بل و مستحب يفتحان الباب على مصراعيه لمن هب و دب ليتحدث بما لا يعرف و لأصحاب أفكار غير سوية لتمرير سمومهم مما يحيلنا على المقولة الفرنسية « كثرة الشيء تقتل الشيء »
و نحن ننتظر ما سيترتب عنه ولوج وزير قديم جديد لوزارة التعليم، و نمني النفس بقرارات مدوية تعيد للتعليم عافيته، طلع علينا شيخ نكرة باقتراح هو أقرب ما يكون إلى هذيان مسكير.
أو كلما ضاقت بنا السبل و نضب معين الفكر لدينا، لم نلف غير الدين عدوا نقتص منه و الضاد له شريكا.
تفتقت عبقرية الرجل و نادى غير آبه إلى ضرورة اعتماد اللغة العامية بديلا عن اللغة العربية لما تشكله هذه الأخيرة من تقويض للتواصل داخل القسم و لكونها تمثل فطاما فجائيا ينقل الطفل دونما روية و عُدة من اللغة الأم و التي يراها العامية إلى عالم جديد موحش مليء بالطلاسم و الرجل لا يستثني –حتى نوفيه حقه- اللغة العربية مطلقا من التعليم لكن يؤجل تعلمها إلى حين شأنها شأن بقية اللغات كالفرنسية و الانجليزية. بل يذهب بعيدا في طرحه إلى اعتماد « اللغة المغربية » كمكون ثقافي للهوية المغربية في التلفزة و تقديم خطابات الملك بالدارجة، و لو ترجمة. إذن فهو حرص على تواصل مجتمعي سليم ما يدفع المسكين إلى الإفتراء-الإفتاء عفواـ و دفاع مستميت عن هوية مغربية -من ابن بار- وحدها الدارجة كفيلة بصونها. و ربما كان الأحرىبشيخنا أن يفرق بدءا بين اللهجة و اللغة.
لكن شيخنا المبجل…
العربية ليست أي لغة حتى يتم تعلمها ضمن مجموعة لغات خلفها الاستعمار إلا إذا كانت تقاس على ذات المنوال و رأيت ما يرى بعض دعاة الأمازيغية من أنها ليست نواة للهوية المغربية.
العربية لم تكن يوما علة تقهقر و لا تبعية، و لا تستحق منا يوما أن نأخذها بجريرة انهيار المنظومة التعليمية و لا اتهامها بكونها لم تعد تلائم العصر و آتيك من الأبيات قبسا ما دمت تحب الشعر كما قلت فاستطعمه علك تفيق:
رَمَـوْني بـعُقْمٍ فـي الشَّبَابِ وليتني
عَـقُمْتُ فـلم أَجْـزَعْ لـقَوْلِ عُدَاتي
وَلَـــدْتُ ولـمّا لـم أَجِـدْ لـــعَرَائسي
رِجَـــالاً وَأَكْـفَـاءً وَأَدْتُ بـنــَـــــــــــاتي
السعي إلى تهميش العربية ليس حبا في التعليم و أهله و لا لكونها المسؤولة عن فشل المنظومة التعليمية إنما هو محاولة لسلخ هذا المجتمع عن أحد مقومات هويته العربية و الإسلامية. كيف لا و هي اللغة التي اختارها الله سبحانه و تعالى لينشر بها أتم دياناته و أشملها، كيف لا و هي لغة محمد عليه أفضل الصلاة و السلام لا و الأنكى أن يستدل شيخنا في معرض حديثه بأندونيسيا كأكبر بلد إسلامي لا يعتمد العربية كمقوم لهويته و كأن شيخنا يقول العربية شيء و الإسلام شيء ثان و واقع الحال أنهما سواء.
نسي شيخنا و صحبه كل فضلها و استباحوا قدسيتها و اختاروا لها بديلا اللغة المغربية لأنها أكثر ملائمة للتواصل و لكونها لغة الإبداع في الفن و المسرح و الملحون و لعمري هو اللَحَن بعينه
فعن أي إبداع يتحدث شيخنا؟ أم أن أفلام العهر و مسلسلات البوادي و مسرحيات الابتذال التي نشاهد اليوم مصدر فخر لنا و نحن غافلون؟ و هل بالشيخات فالملحون نعيد للتعليم بريقه الذي خفت؟
و أراك شيخنا قد نسيت العلم في دفاعك عن الدارجة أم أن اليوم خمر و غدا أمر؟ و لتعلم شيخنا أنه إذا كانت العربية لا تمثلك و لا تعترف بها مكونا لهويتك فهي لنا هوية و فخر و هي لنا الأم التي أنكرتَ ففي ظلها ترعرعنا و مَقتنا و لا نزال كل معلم ظلمنا و إياها و علمنا إياها على غير ما يجب و فاخرنا بأن درسناها على يد آخرين فتحوا لنا كنوزها فنهلنا من دررها ما يستحيل على لغة غيرها تحمله
و لتعلم يا جهبذ عصره، أن العربية لن تكون أعسر من الصينية و اليابانية على الأطفال و هما يُدرَسان لأنهما يجسدان أمرا أخالك قد نسيته: « الوطنية » و على سنواتك السبعين و ملايينك التي لا يعلمها إلا الله لا أحسبك أكثر فقها من اليابانيين و الصينيين و لا أرأف منهم بالأطفال…
شيخنا المبجل الخطيب المفوه الذي لا يجارى و بعيد تسفيهه للعربية عرج على الدين ليفند أن يكون قد دعا يوما إلى تقليص دوره بالمدرسة و ليؤكد مرارا أنه مسلم تقي ورع يحسن معاملة الناس بل و يُدين من أرادوا أن يجعلوا منه العلماني الذي يحاول طمس دور الدين كمكون للهوية المغربية و يوضح أن ما أراده لا يعدو أن يكون تدريس مواد أخرى بالكتاتيب القرآنية علاوة على القرآن مما يجعل التلميذ ينفتح على عوالم أخرى و يكتسب مهارات إضافية بيد أنه ما فتئ في ما يشبه لحظة حماسة قاتلة يردف أن سوَرا من مثل « قل أعوذ برب الفلق » -و كأن شيخنا لا يعلم ما الآيات و لا يعلم أسماء السور- لا يستقيم فهمها للطفل و من ثم وجب إقران القرآن بتفسيره حتى يتمكن الطفل من التسليم بوجود ديانات أخرى غير الإسلام فيتربى على الانفتاح على الآخر
منطق خرف ليس إلا
هب أنك تعي ما تقول، كيف ندرس القرآن دون لغة القرآن أم أنه علينا أن نخطه من جديد بالعامية حتى يسهل فهمه بين الناس عموما و الأطفال خصوصا؟
كيف لطفل حدث أن يكتسب مهارات قراءة و حفظ وفهم القرآن و هي أمور أشبه ما تكون بالتعجيز؟
أين الهوية المغربية الإسلامية و أنت تريد أن ندرس طفلا أن هناك ديانات أخرى غير الإسلام أم أنه إشهار مستتر لحرية المعتقد؟ و كأني ذكرتك بشيء لا يكاد يفارقك.
لتعلم أيها الشيخ أن الدين عند الله الإسلام و ما دونه كفر و صبرنا على غيرنا هو من باب « لكم دينكم و لي دين » »لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي » و ليس لأنها ديانات تنهل من منبع واحد كما يحلو لبعض المتفيقهين أن يحلموا.
الشيخ المبجل يرى رقي التعليم في تزويد كل تلميذ بلوحة إلكترونية لينفتح التلميذ على آفاق جديدة و يبحث عن المعلومة بأكثر يسر. و كأن الشيخ لا يعلم أن بعض تلاميذ البوادي أنفسهم لديهم حواسيب متصلة بالأنترنيت. صحيح أن المعلوميات و التقنيات الجديدة لها من الفوائد الجمة ما لا ينكَر لكن على كثرة الحواسيب بالمنازل و تجهيز قاعات للإعلاميات بالمؤسسات لم نر من الأمر برمته ما يسر اللهم إدمانا للنت و دردشة خاوية و صورا و فيديوهات مبتذلة و كتابة ركيكة لقيطة لا هي إلى العربية تنتسب و لا إلى الفرنسية تقترب. لوحة الكترونية: و هل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟ إلا أن يكون رزقا قد بعثه الله للشيخ و صحبه…
و أخيرا أيها الفقيه الأغر و العالم المبجل
ما لك و التعليم؟ أما كان أفضل لك أن تترك المصيبة لأهلها؟ أما و سولت لك نفسك الخوض في غير ما يجب فقد فتحت بابا لن تغلق.
أما كان لك و أنت شيخ سبعيني أن تكفي نفسك عناء حديث ستلوكه الألسن طويلا فترحمنا و ترحم شيبتك.
أما كان أجدر بك أن تركن إلى ميدان المال و الأعمال و لا شك أنك خبير فيه؟
ما لك و التعليم ينهار أو يقف و مبلغ علمك دريهمات تضيفها إلى ما جمعت و لوحات دعاية تخطها هنا و هناك و كل همك رقصة أخرى مع متحول جنسي؟
فكيف لشيخ على هذا القدر من العفونة الفكرية و الخلقية ان يفتي لمجتمع كيف يربي أبناءه؟
تسعة عشر عاما كفاعل جمعوي مقرب من التعليم كما تدعي، لا تعني أنك أصبحت « بلوما » آخر و هيهات أن ينالك شرف بوكماخ
و الله ما أركس التعليم و أذله إلا أن تناط الأمور بغير أهله
فاقبع حيث أنت و أنت الرجل اليساري الشيوعي كما تدعي مفاخرا، الرأسمالي الليبرالي كما نرى، الفبرايري الثائر الساخط تارة، المتودد للحكم و الحكومة أغلب الوقت…
تنادون بحب الوطن و الله أعلم أن ما يهمكم حَب الوطن ليس إلا…
Aucun commentaire