الواجبات المدرسية المنزلية بين مجهودات التلميذ الشخصية والمساعدة الأسرية
الواجبات المدرسية المنزلية
بين مجهودات التلميذ الشخصية والمساعدة الأسرية
بقلم: نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس.
غالبا ما يختم الأستاذ(ة) الحصص الدراسية بتكليف التلاميذ بإنجاز واجبات مدرسية منزلية، وذلك إما بتعيين أرقام تمارين معينة على صفحة الكتاب المدرسي، أو إملاء تمارين من إعداده، لما لها، وفق التوجيهات التربوية، من أهمية قصوى ضمن العملية التربوية، حيث يجزم المربون أن هذه التمارين تعتبر، من ناحية، دعامات لترسيخ الدروس المنجزة، وتثبيتها، واستيعاب محتوياتها من طرف التلاميذ، كما تعتبر، من ناحية أخرى، وسيلة تواصل المدرسة مع أولياء التلاميذ وربط علاقات معهم لتتبع أعمال أبنائهم ومعرفة الأنشطة التربوية اليومية التي يتم إنجازها داخل الفضاءات المدرسية.
إلا أن الآباء، وحسب مستوياتهم الدراسية والوسائل المتاحة لهم، لا يقفون عند حد الاطلاع على الأنشطة التربوية والمدرسية، بل يجدون أنفسهم ينغمسون في مساعدة أبنائهم على إنجاز التمارين المطلوبة منهم، حيث يمضون أوقاتا غير يسيرة، إما بالتفسير والتوضيح والأمثلة، وإما بالكتابة وتحرير الأجوبة بشكل مباشر، وذلك حسب مدى تمكنهم من المتطلبات المعرفية والطرائق التربوية المطلوبة.
ونظرا لعوامل وظروف متعددة، وكذا صعوبات تواجه الآباء على مختلف الأصعدة، حيث مستوياتهم الثقافية تختلف من المثقف حامل الشواهد العليا، إلى الأمي الذي لم يسبق له أن التحق لا بالمدرسة ولا بالكتاب، وبالتالي لا يعرف لا القراءة ولا الكتابة ولا الحساب، مرورا بالشواهد والمستويات الدراسية المتوسطة الثانوية والمنخفضة منها المتجلية في المستويات الابتدائية، فإن الآباء، وبعد تعب يوم حافل بالعمل الشاق، يجهدون أنفسهم ويبذلون قصارى جهودهم لمساعدة أبنائهم على إنجاز مختلف التمارين التي ترتبط، عادة، بجميع المواد المقررة يوميا، حسب المستويات الدراسية من السلك الابتدائي إلى السلك الثانوي الإعدادي والتأهيلي.
فرغم تعدد التمارين واختلافها بتعدد واختلاف الدروس، فإن العاطفة الأبوية ورغبة الآباء في تسوية وضعية أبنائهم إزاء أساتذتهم وظهور أبنائهم بمظهر المواكب والمثابر والمنضبط، تجعلهم يتحملون أعباء إضافية فكرية تنضاف إلى المتاعب اليومية، فيصبرون ويثابرون ويساعدون أبناءهم، لكن، يجزمون في ذات الآن، أن لهذه المساعدة الأسرية حدودا وتصطدم بعقبات ومعيقات، قد تؤتي عكس ما ينتظر منها، وذلك على عدة أصعدة منها البيداغوجية والمعرفية والتربوية والوجدانية.
فكون أغلب الآباء، أو جميعهم على الأصح، غير ملمين بواقع مناخ حجرة الدرس، ونوع علاقات الأستاذ بالتلاميذ، وطرق معاملاته لهم، والطرائق البيداغوجية التي ينتهجها في التدريس وتبليغ مضامين المقررات وإنجاز التمارين، قد يخطئون الهدف ويعلمون أبناءهم ما يخالف أهداف العملية التربوية، وفق ما يسطرها الأستاذ لفائدة تلامذته، وبالتالي يجد أبناؤهم صعوبات جمة في التأقلم والتكيف أو المزاوجة بين الفعل البيداغوجي المدرسي الرسمي وممارسة المساعدة الأسرية غير المتطابقة، غالبا، مع المنهجية المعتمدة من طرف الأستاذ، الأمر الذي قد ينتج عنه تنافر المعرفة لدى الأطفال، خصوصا صغار السن، الذين يقدمون كثيرا من التصريحات، من قبيل: » إن المعلم(ة) لا يعلمنا مثل هذا يا أبي » أو » إن المعلم(ة) لا يفهم هذا… »، ويستفحل التنافر بين المعرفة الرسمية والمعرفة الأبوية، عندما يعجز مقدم المساعدة الأسرية، كان أبا، أو أما، أو أخا، أو…أو جارا، أو جارة في حال الأبوين الأميين، (عندما يعجز) عن تقديم التوضيحات اللازمة للفهم والاستيعاب فيلجأ، مباشرة، إلى تحرير الإنجاز، وكتابته على دفتر التمارين، ما يزيد الهوة اتساعا بين الأستاذ والتلميذ، خصوصا إذا طلب من التلميذ حفظ المنجز عن ظهر قلب ودون استيعاب، ما يؤدي به إلى التيه بين آراء من يساعده وطريقة أستاذه، وبالتالي يتدهور تحصيله الدراسي، ما قد يؤدي إلى النفور من الدراسة.
ولما يعسر التواصل أحيانا بين الآباء وأبنائهم، وتصبح لغة الخطاب مبهمة، خصوصا، لما يلتزم الطفل الصمت، يجد الآباء أنفسهم أمام وضعية نفسية يرثى لها، فيغلب عليهم التوتر والتشنج وهيمنة القلق، ما يؤدي بالآباء إلى اعتماد وسائل لا تمت للتربية بصلة، كالتوبيخ المفرط، والصراخ، وأحيانا الضرب مصحوبا بكلمات جارحة، حيث لا يتوانى الأب في إرجاع عقارب التاريخ إلى سنوات خلت مخاطبا ولده: » يا…نحن لم يكن أحد يساعدنا، ومع ذلك… »، » لقد كنا ننجز واجباتنا المنزلية ونفهمها ونفهم الدروس، اعتمادا على أنفسنا، ونذهب فرحين إلى المدرسة »، » ونحصل على نقطة ملك لنا، ويثني علينا المعلم(ة) ».
إنها وضعية تفقد الأب صوابه دون شعور منه، قد تنعكس على الابن الذي يشعر بالاحتقار والإهانة يضمرهما إلى حين، وقد ينفجر بكاء. لكن الطفل ولشدة ارتباطه العاطفي بأبيه وحفاظا على الخيط الرفيع الرابط بينهما، من أجل أن تتوفر له حاجياته باستمرار ولا تنقطع عنه، يلتزم الهدوء ويتملك أنفاسه، فيلتجئ إلى أساليب التمويه والتظاهر بالفهم والاستيعاب بالتمتمة وهز الرأس، ما يخفف وطأة الاضطراب النفسي والتوتر لدى الأب.
وقد تستمر هذه الوضعية وشبيهاتها وتتكرر مرارا، فيزيد تراكم ضعف التحصيل الدراسي عند الابن، ويزيد تواكله على من يساعده ويكتب له المنجز على دفتر التمارين، فلا يتدرب على إنجاز واجباته المنزلية، ولا يتعلم تحمل مسؤولياته، ولا يعرف معنى الاستقلالية والحرية والاعتماد على الذات، فيكبر متواكلا، مستعبدا، مرتبطا بالغير في أبسط حاجاته.
ولشدة تعب الآباء أو من يساعد الطفل، وكثرة التمارين واستمرارها يوميا، قد ينال منهم الملل، ويستحوذ عليهم القلق جراء العناء والإجهاد، فيعمدون إلى ترك الابن وشأنه، يواجه توبيخ الأستاذ والنقط السيئة التي يحصل عليها، تحت يافطة إهمال الواجبات المنزلية، الأمر الذي ينعكس على التحصيل الدراسي فضعف النتائج المدرسية.
ومن حيث الجوانب البيداغوجية، فزيارة المفتش المتخصص للأستاذ، قد تنتهي ببعض الملاحظات حول سير الدرس معرفيا ومنهجيا، من أجل تحسين استعمال بعض المصطلحات أو تعديل أسلوب التدريس والطريقة البيداغوجية، حتى تحقق العملية التربوية الأهداف المسطرة لها، برنامجا ومنهجا. هذا بالنسبة لأستاذ نال من التكوين النظري والعملي الكثير، فماذا يمكن القول بخصوص أب أو أم أو من يساعد طفلا على الحفظ وإنجاز التمارين دون أي وسيلة تربوية؟ حيث المساعدة الأسرية للطفل تتم بشكل عشوائي، ولا تتأسس، غالبا، على أي منهجية تربوية، الغاية منها حل التمارين، ووضع المنتوج بيد التلميذ للحصول على ملاحظة إيجابية من طرف أستاذه، ليثني عليه الثناء الحسن، ويرشحه للنجاح والانتقال إلى المستوى الموالي، وهو في حقيقة الأمر خاوي الوفاض، ما ينعكس عليه بالسوء خلال مساره الدراسي المستقبلي.
إن الأساتذة، بحكم تكوينهم الأكاديمي والمهني وتجاربهم الميدانية، يعرفون الشيء الكثير عن هذه الإشكالية التي تؤرق كلا من الأطفال والآباء، فهم يعرفون أن كثرة التمارين تستحوذ على فترة الراحة لدى الطفل وترهقه وتضيف إليه تعبا جسميا وإرهاقا فكريا بعد عناء متواصل على امتداد يوم دراسي حافل بالأنشطة المدرسية والتربوية المتنوعة، ويعرفون أن التمارين المنزلية تحرم الطفل من الاستجمام واللعب لما له من أدوار إيجابية في التنشئة الاجتماعية للطفل وتنمية ذكائه ونموه الجسمي والفكري، كما يعرفون أن مساهمة التلاميذ في إنجاز الواجبات المنزلية ضئيلة أو منعدمة، وذلك من خلال الإرهاق البين على التلميذ ومشاركته في بلورة الدروس ونتائجه في الفروض المحروسة. كما يعرف الآباء أن الأستاذ لا يمتلك من الوقت ما يخصصه لمراقبة جميع إنجازات التلاميذ، ووضع الملاحظات أو النقط المناسبة لكل إنجاز.
وعليه، ألا يمكن التفكير في بدائل تحرر الطفل من ربقة الواجبات المدرسية المنزلية من أجل التمتع بالراحة واللعب والاستعداد الكافي لمواجهة مشاق كل يوم دراسي وتحسين مردوده المدرسي فعلا وممارسة؟ وتحرر الآباء من متاعب مضافة لانشغالاتهم اليومية، وتعفيهم من توترات وشنآنات تفسد علاقاتهم بأبنائهم وأحاسيسهم العاطفية والوجدانية، حتى يتفرغوا لتسليتهم، وإدخال الفرحة إلى قلوبهم، عوض الكآبة جراء مشادات هم في غنى عنها، وذلك عن طريق اللعب وحكايات تنمية الخيال الفكري؟.
نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس.
1 Comment
bravo pour votre analyse.
en attendant pour trouver des solutions.