حين تختزل العملية التربوية في النقطة والمعدل
حين تختزل العملية التربوية في النقطة والمعدل !!
بقلم: نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس.
مقدمة
أضحى التلاميذ وأولياء أمورهم، يطرحون سؤالا، يثير الاستغراب، حول المدرسة العمومية والخصوصية، والثانوية الإعدادية والتأهيلية على حد سواء، يغزو الأوساط الأسرية والاجتماعية، ويتردد على نطاق واسع، يتجلى في الصيغة التالية:
» هل المدرسة .X. تمنح فرصا للنجاح؟ ».
ليتبادر إلى الأذهان، أنه قد يكون القصد من وراء السؤال موجها نحو معرفة بناية وفضاء المؤسسة ومواقع وأدوار عناصرها ومكوناتها، لكن لما وردت صيغة دقيقة ومحددة في » فرص النجاح » فإن المتلقي غالبا، ما يوجه خياله نحو خلفية يضمرها السؤال، فيدفعه فضوله نحو حب المعرفة، ويطرح على نفسه أسئلة، للمزيد من التأكد، عله يكتشف أجوبة مقنعة:
هل يتعلق الأمر بموقع المدرسة؟ أم ببناية المدرسة؟ أم بطاقمها الإداري؟ أم بطاقمها التربوي؟ أم بنوعية التلاميذ؟ وغير ذلك من الأسئلة التي تتناسل متوالية. وبعد تمحيص كل جوانب هذه الأسئلة، يتبين أن، لكل من العناصر المثارة، مساهمته في نجاح التلاميذ، لكن خلفية السؤال تبقى أكثر عمقا من جوهر هذه المكونات التي تنبني عليها لا محالة العملية التربوية، حيث الحديث عن النجاح، مع استحضار أنانية التلميذ وولي أمره، يحيل بشكل ضمني أو علني على النقط والمعدلات المحصل عليها في آخر مطاف تلك السلسلة من الأسئلة وغيرها، التي أضحت الأجوبة عليها، غالبا لا تثير اهتمام التلاميذ، وأولياء أمورهم، بقدر ما ينشغلون بالنقط والمعدلات المرتفعة المؤهلة للنجاح التلقائي والآلي.
فما هي النقطة؟ وما هو المعدل؟ وما هي أسباب انتشار السؤال » هل المدرسة .X. تمنح فرصا للنجاح؟ » وما هي انعكاسات منح نقط مرتفعة دون استحقاق، على كل من التلاميذ وأولياء أمورهم والعملية التربوية والتكوينية ومنظومة التربية والتكوين؟
انطلاقا من واقع تتبع العملية التربوية وملامسة توجهات وسلوكات المتعلمين وأولياء أمورهم، بالمدرسة العمومية والخصوصية على حد سواء، من خلال الممارسة اليومية والحوارات واللقاءات، حيث تم ملامسة الظاهرة من خلال الانتشار الفاحش للدروس الخصوصية المؤداة، والاتصالات المكثفة للتلاميذ وأولياء أمورهم بالأطر المشرفة على منح النقط خلال السنة الدراسية، وخصوصا خلال فترات الامتحانات وإرجاع النقط، سنحاول، قدر الإمكان، مناولة وتحليل كل سؤال على حدة، لمقاربة الإشكالية برمتها مع تقديم بعض الخلاصات والمقترحات لمعالجة الظاهرة أو محاولة الحد منها، وذلك من خلال الفقرات التالية:
I. النقطة:
تعتبر النقطة مقدارا كميا يترجم قياس أداء أو سلوك في المجال التربوي والتكويني. وقد أجمع المهتمون بعلوم التقييم التربوي على أن النقطة تكون دائما نسبية وغير موضوعية، وترتبط بسلم للتنقيط يعتمده الأستاذ أو المكون عند قيامه باقتراح موضوع اختباري أو تصحيح إنتاج أو أداء متعلم أو متدرب خلال طور تعليمي أو تكويني. وينحصر سلم التنقيط بين طرفين: أدنى وأعلى، يشمل مجموعة من المجالات. والمطلوب، مهنيا من المدرس أو المكون أو المصحح عموما، أن يمنح بإخلاص وموضوعية، نقطة إلى التلميذ أو المتدرب أو الممتحن تقيس إنتاجه المعرفي الحقيقي ومستواه التكويني الفعلي، ويصدر على أساسها حكما قيميا. وتمكن النقطة صاحبها من الترتيب ضمن مجموعة الفصل أو مجموعة المتدربين في مادة أو مجزوءة معينة. وللنقطة علاقة وطيدة بشخص المدرس أو المكون وكفاءته المهنية، وتكوينه الأكاديمي، وقناعاته الذاتية، وثقافته الاجتماعية، وقيمه الخلقية، ومدى تقديره مسئولياته وإخلاصه لضميره المهني.
II.المعدل:
يعتبر المعدل، في المجال التربوي والتكويني، المتوسط الحسابي لمجموعة من النقط، سواء في مادة معينة أو مجموعة مواد مختلفة، فيطلق عليه معدل المادة أو معدل المواد أو المعدل الدوري أو المعدل السنوي حسب الاستعملا والقصد. وحيث النقطة نسبية، وغير موضوعية، ولا تترجم المردودية المدرسية الفعلية، فالمعدل كذلك. والمعدل يتيح لصاحبه موقعا ضمن مجموعة القسم أو مجموعة المتدربين. والمعدلات الجيدة أو المقبولة، تسمح للحاصلين عليها، بعد تحديد العتبة احتلال المواقع المتقدمة، وبالتالي النجاح والفوز بمقاعد مريحة بعد تطبيق مساطر الانتقاءات الأولية وتؤهلهم لاجتياز الامتحانات الكتابية لولوج دراسة أو تكوينات معينة.
III. أسباب البحث على النقط المرتفعة:
وبناء على ما تقدم، ومنذ أن تطأ قدما الطفل المدرسة والحديث جار وبلهفة، عن النقطة والمعدل والرتبة والنجاح، إلى درجة أن ينعدم الحديث أو يكاد، عن المستوى التحصيلي واستيعاب المعرفة، حتى في الأوساط المثقفة، حيث لا تسمع غالبا، إلا » ما المعدل الذي حصلت عليه؟ » مع العلم أن هذا المعدل، كما سبق، لا يمثل شيئا لنسبيته وعدم موضوعيته، وما يعتريه من محاباة وملابسات.
والأنكى من هذا أن المعدلات تصبح محط تباهي بين الأسر، لتشكل عامل إحباط قبل أن تكون عامل تحفيز وتنافسية شريفة، لو تم التركيز على نوعية التحصيل الدراسي والتأهيل المهني وإشاعة ثقافة » ماذا تعرف؟ » و »أي مهارات لديك؟ » و « ما تستطيع القيام به؟ ».
والنقط والمعدلات المرتفعة، بغض النظر عن نوعية التحصيل ومجالات التفوق لدى التلاميذ، تمكنهم، وبشكل آلي من التوجيه، آخر السنة الثالثة ثانوي إعدادي، إلى الدراسة العلمية أو التقنية. والنقط والمعدلات المنخفضة تحكم على التلاميذ الحاصلين عليها بالتوجيه إلى الدراسة الأدبية، بالرغم من احتمال كون تحصيلهم العلمي مقبولا. ويستمر التمييز والتمايز بين التلاميذ بناء على النقط والمعدلات المرتفعة، فتزيد الأنانية الأبوية اشتدادا، ويرتفع التباهي الاجتماعي: فشعبة العلوم الرياضية أفضل من شعبة العلوم التجريبية، ومسلك العلوم الرياضية’ب’ أفضل من مسلك العلوم الرياضية’أ’، ومسلك العلوم الفيزيائية أفضل من مسلك علوم الحياة والأرض، ليتم تبخيس التخصصات الأدبية، نظرا، لتدني، غالبا النقط والمعدلات التي يحصل عليها التلاميذ الموجهون إلى هذا النوع من الدراسة بالسلك الثانوي كانت أو بالتعليم الجامعي.
والنقط والمعدلات المرتفعة في البكالوريا، تؤهل الحاصلين عليها إلى تجاوز عتبات الانتقاءات الأولية، خصوصا لولوج المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود، ومن ثم، إمكانية حجز مقاعد مريحة في تكوينات متميزة ضامنة لحياة مهنية ذات مكانة اجتماعية معينة.
IV.انعكاسات النقط المرتفعة على عناصر العملية التربوية والتكوينية ومنظومة التربية والتكوين:
إن منح التلميذ نقطة مرتفعة لا يستحقها، تعتبر إخلالا بالواجب المهني وعملا منبوذا يندرج ضمن خانة الغش، الذي أضحى ظاهرة تطال مجالات شتى في المجتمع، ولكن أخطر أنواع الغش، الغش في المجال التربوي والتعليمي ، وذلك لعظيم أثره وشره على التلاميذ والعملية التربوية والمجتمع ككل، و من هذه الشرور والآثار السلبية ما يلي:
1. سبب لاستشراء الفساد والتأخر وعدم الرقي، ذلك أن المجتمعات لا تتقدم إلا بالعلم وبالشباب الصالح والمتعلم والمؤهل مهنيا والسوي أخلاقا. فإذا كان التلميذ(ة) أو المتدرب(ة) يحصل على نتائج مرتفعة دون استحقاق، ودون بذل أي مجهود فكري لتعزيز تحصليه الدراسي والتكويني، فإنه سيتعود على الخمول والتهاون والتواكل. فماذا سوف ينتج المعتمدون على الآخرين؟ ما هي المسؤولية التي يتحملونها؟ وما هو الدور الذي سيقومون به للمساهمة في بناء المجتمع؟
2. تدني المستوى التعليمي، ذلك أن التلميذ الضامن مسبقا لنقط ومعدلات مرتفعة يعفي نفسه من التذكر والاهتمام بالدروس داخل الفصل وخارجه، ويعفي نفسه من المراجعة والتثبيت والتمرن على الإنجاز والكتابة والبحث، فإن مستواه المعرفي لن يزيد إلا ترديا وتدهورا، ويمكن أن يحصل على شهادة وهو خاوي الوفاض أكاديميا وغير مؤهل مهنيا للقيام بأي عمل، فتفقد الثقة في الشهادات وفي قدرات حاملها ومؤهلاته الفكرية والمعرفية والمهاراتية؛
3. مساهمة أو تراضي أو اتفاق مختلف عناصر العملية التربوية على رفع النقط والمعدلات، هو من باب التعاون على الإثم والعدوان والخيانة والمعصية والمنكر وغير ذلك من الصفات الذميمة، حيث يؤدي هذا الفعل المجحف إلى إلحاق أضرار بالآخر، بمن يحرم على نفسه الدخول في دائرة الغش، فيعتبر إذن عملا دالا على انحطاط الأخلاق وتدنيها؛
4. إن التلاميذ/الطلبة الحاصلين على نقط مرتفعة دون استحقاق، يمسون الآخرين بسوء نفسيا ومعنويا، ويلحقون بهم الأذى واليأس والحقد حتى، ويزرعون القنوط في نفوس المجدين الذين يثقون في أنفسهم ويستعدون ليل نهار لتقوية رصيدهم المعرفي والمهاراتي؛
5. إن النقطة المرتفعة الممنوحة إلى متعلم أو متدرب دون استحقاق تعد السبب الأساسي لانخفاض التحصيل الدراسي، وبالتالي عدم القدرة على تجاوز عقبات الامتحانات الإشهادية والمباريات المنظمة لولوج أسلاك تكوينية، ما يؤدي إلى الفشل في الدراسات الجامعية والتكوينية، وعدم التمكن من التأهيل الأكاديمي والمهني؛
6. وكل متعلم أو متدرب حاصل على نقط لا يستحقها مآله الفشل في الحياة المهنية والعملية، كونه غير متمكن من ثقافة التدبير الجيد للشؤون الإدارية، وغير متشبع بمبادئ التربية الخلقية والقيم الفاضلة، ولا ينتظر خير ممن يتخذ من الغش مطية لقضاء مآربه، حيث لا يتركز شغله إلا على الاستهتار والتلاعب بمصالح الآخرين، إداريا واجتماعيا واقتصاديا؛
7. كون عملية التقييم التربوي جزء لا يتجزأ من العملية التربوية والتكوينية، فإن منح المتعليمن نقطا مرتفعة دون استحقاق يعد اختلالا يطال عملية التقييم التربوي ويطال العملية التربوية، وبالتالي يطال منظومة التربية والتكوين، ويضرب مصداقية العمل الإداري والتربوي ويفقد الثقة في المدرسة وتصبح الإصلاحات التعليمية المرتكزة على البرامج والمناهج والبنايات ليست ذات جدوى، ما دام المتعلمون لا يولون الدروس والتكوينات الأهمية اللازمة، حيث العملية التربوية والتكوينية لن تحقق الأهداف المنتظرة منها ما دامت أجواء الفصل الدراسي والتكويني مكهربة، مع انعدام الاحترام المتبادل بين الأساتذة والتلاميذ، الأمر الذي ينعكس سلبا على شخص المدرسين وينتقص من قيمتهم التربوية والاجتماعية والحياة الدرسية برمتها؛
V.خلاصات ومقترحات:
إن منح نقط ومعدلات مرتفعة إلى تلاميذ ومتدربين دون وجه حق، ودون تعزيز مستوياتهم الدراسية ودون التمكن من تكوينات مؤهلة، يعد إخلالا بالواجب المهني وفعل غش يطال العملية التربوية والتكوينية، وكذا منظومة التربية والتكوين.
فغيرة على المدرسة المغربية ومنظومة التربية والتكوين، ومن أجل التصدي إلى هذا الفعل المخالف لأخلاقيات المهنة والتعليمات التربوية والإدارية والتكوينية في المجال التربوي والتكويني، فإن المقترحات التالية التالية، تبدو، في اعتقادنا من الأهمية بمكان:
1. تركيز الإصلاحات التعليمية على فضاءات العملية التربوية، من أجواء داخل حجرة الدرس، وممارسة الفعل التربوي والتعليمي، وتنظيم عملية التقييم التربوي، وعلاقات مدرس/ تلميذ، سلوكا ومعاملات؛
2. تركيز الإصلاحات التعليمية على إجراءات التقييم التربوي الإجمالي منه على الخصوص، وذلك بانتهاج أسلوب التقييم الخارجي باعتماد اختبارات معرفية مقننة يجتازها التلاميذ تحت إشراف طاقم إداري وتربوي مستقل عن مؤسستهم التعليمية الأصلية، وإلغاء نقط المراقبة المستمرة التي تعتبر مصدر غش وتلاعبات، ليصبح التقييم التكويني وسيلة للدعم والتقوية ومعالجة الثغرات والتعثرات، لا أداة تمييز وتمايز وعقد نجاح ممضى على بياض؛
3. تركيز الإصلاحات التعليمية على تدابير وإجراءات ناجعة تنهض على المردودية الداخلية والخارجية للمؤسسة التعليمية، بحيث يتم تقييم كفاءة المدرس أو المكون ومكافأته حسب نسب التلاميذ المتفوقين في مختلف عمليات التقييم الخارجي وذلك بربط تقييم الكفاءات بالمردودية الفعلية في مجال تخصص كل مدرس أو مكون وفي جميع المجالات، ضمن منظومة التربية والتكوين.
بقلم: نهاري امبارك مفتش التوجيه التربوي، مكناس.
1 Comment
هي تماما كما يختزل التأطير التربوي و مجهود كامل للمدرس في نقطة وتقرير حسب اليوم الصدفة للزيارة.