رمضان مدرسة بل جامعة تعددت شعبها من صلاة و إنفاق و ذكر و خلال طيبة / خواطــــــر و جواهــــــر
خواطــــــرو جواهــــــر
ذ. رشيد لعنــــــــــــاني
انصرم رمضان الفضيل شاهدا على من عمل فيه و شمر و من نكص على عقبيه و قصر. و القاعدة الذهبية تقتضي أنه من كان يعبد رمضان فإنه رحل و بان ومن كان يعبد الحنان المنان فلا يزال حيا باقيا قويا متينا.
و الحق أن رمضان العظيم مدرسة من اختلف إليها شهرا كاملا ليل نهار و جثا على الركب فيها و انحنى تواضعا و عرف قدره فجلس دونه نال الخير أجمعه و حاز الشرف جله، مدرسة تتأبى على المنافقين المندسين بين الصفوف منذ المرحلة المدنية إلى العصر الإلكتروني، يرسبون فيها بل و يتجرعون مرارة الجوع من غير جني للثمار، يرجعون بخفي حنين كلما أعادوا الكرة فسحقا سحقا. إنه، أي رمضان، مدرسة لا يشرفها الذين لا يركعون و لا يحبون الدين و أهله و يفصلون جهلا أو تجاهلا الدين عن الدولة و مع ذلك يمسكون عن الطعام و الشراب لا خوفا من الجليل و لكن ربما استحياء من بني البشر، مدرسة تتنكر لمن بلغت بهم الجرأة على الله جل في علاه أن يأكلوا و يشربوا جهارا نهارا عيانا بيانا و هو قادر لولا أنه يمهل و لا يهمل على أن يجمد الدم في عروقهم و يحبس البول فيهم في التو و اللحظة.
علمنا رمضان أنه مدرسة تقرر بأنه بحق و امتياز ميزان العام تماما كما أن الحج ميزان العمر و أن الصلاة ميزان اليوم و الجمعة، ميزان الأسبوع، الكنز الذي وفق إليه الذين أسلموا و حاد عنه الذين هادوا. إن رمضان العظيم محضن تربوي يتعلم فيه الحلم و الصبر الذي لا بد منه في مجتمع تتراكم فيه صنوف الأذى من أناس يحكمون عليك من مظهرك و شكلك و لا يعتبرون الجوهر المخبوء فيك، لا يلتمسون لك عذرا بل يسقطون هيبتك من أول هفوة، يحسدونك ما دمت في نعمة و غضارة و يشمتون فيك ما دمت في حور بعد كور أو سلب بعد عطاء، يمزحون لكن ينبسون بكلام يمص الحشا و يؤلم الفؤاد و يمرض الجنان، يكيلون الشتائم بلسان الحال أو المقال، ظاهرهم مشرق و باطنهم مظلم.
لا جرم أن رمضان بعد شهر من التراويح و التهجد و القيام يريد منك أن تستبقي ركيعات وقت السحر تشكو فيها إلى ملك الملوك ما يضرك و يمرضك و تختم باستغفار لا يحتاج إلى استغفار.
ليس رمضان شهرا يجوع فيه البطن و لكنه شهر تتعود فيه الدعاء سائر العام، سهام بالليل لا تخطي و لكن تنتظر أجلا محتوما فتنفذ و آيات الدعاء في البقرة فسطاط القرآن الموجه إلى رب العباد بدون واسطة توسطت آيات الصيام فافهم. « و إذا سألك عبادي عني » جاءت بين « يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم..» و « أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم » فالدعاء هو العبادة سائر العام الذي لا ينفك عنه المومن استخارة و توكلا و رجاء و محبة، أعمال قلبية في أسمى معانيها. يعودك الدعاء بصدق الذي تحتاجه قبيل التسليم و في السجود و حال الطواف بالكعبة و أثناء التضلع من ماء زمزم و عند الصفا و المروة و عند رمي الجمار و الوقوف بعرفة بل و في كل أحيانك.
حقا إن رمضان مدرسة المبرزين الذين بزوا الأقران و خلفوهم وراء ظهورهم، اعتادوا فيها على الذكر الذي أريد منه أن يصير اللسان رطبا به سائر السنة فيرطب القلب و ينفض عنه الغبار و يثبته في الشدة و الأزمة و حال لقاء العدا الخوارين الجبناء رغم عدتهم و عتادهم. إنه ذكر غرسه رمضان فسائل تصير في قابل الأيام نخلا باسقات تهون الصعب و تجعل العبد في معية العليم القدير.
و مسألة أخرى شديدة الأهمية تثبت بوضوح كلما هل هلال رمضان و هي أن ساعات النوم الكافية للإنسان العادي و المحددة في ثمان ساعات أو سبع من قبل بعض علماء الدنيا أكذوبة محضة. فساعات النوم بالليل قليلة يضاف إليها بعض القيلولة بالنهار و مع ذلك تحس بنشاط و حيوية. هي البركة بكل معانيها تتجلى لمن يخلد إلى النوم كلما احتاجه فقط لا من يخلط الليل بالنهار في غمرة من التثاؤب و الكسل و الخمول.
لا غرو، فإن رمضان مدرسة التميز و الإبداع الذي يقرأ فيه القرآن العظيم بكثرة فيجمع المومن من الحسنات أمثال جبال تهامة و من الأنوار طاقات هائلة، إذ أن الألف عشر حسنات و كذا الميم و الزهراوين المنيرتين كأنهما غمامتان تظلان القارئ و تمدانه بالمدد العظيم و عروس القرآن « الرحمان » تثلج الصدر و تجعله يرفل وسط الحور و أنواع الجنان. لكن من شروط المدرسة بعد التخرج أن لا ينسى القرآن و لا يهجر قراءة و تدبرا و تداويا و تحاكما و إلا كان حجة عليك لا لك.
علمنا رمضان أنه مدرسة بل جامعة تعددت شعبها من صلاة و إنفاق و ذكر و خلال طيبة و اعتكاف و هجر للعوائد السيئة و عض على العادات المرضية و صحة عبر التقلل من الطعام ما أمكن. من رسب هذا العام قد يعيد الكرة العام المقبل إن بقي في العمر بقية و إن لم يتفوق العام الآخر أيضا فقد يفصل نهائيا فرغم أنف من أدرك رمضان فلم يغفر له بل ازداد من مولاه بعدا.
إنها و الله مدرسة لا ترقى إليها أرقى الجامعات و أعرقها و برامجها ربانية إيمانية، بلسم شاف للمومنين تفوق بمسافات و سنوات ضوئية التدابير البشرية و التصاميم الوضعية. بالله عليك كيف يستطيع بشر مهما أوتي من الإمكانات و السلطان أن يجمع الناس كلهم في بيوتهم على مائدة الإفطار عقيب أذان المغرب فلا تكاد تجد أحدا يذرع الشوارع جيئة و ذهابا؟! و بالمقابل عندما يهل هلال شوال تتغير الأمور بقدرة قادر فتجد الشوارع في ذلك الوقت زاخرة بالمارة رجالا و على كل ركوبة. فاللهم ارزقنا دوما صوم العبادة لا صوم العادة و حقيقة الصوم لا صورته حتى نغترف من هذا المعين الذي لا ينضب و الشلال المنهمر دائم التدفق و الجريان. و ختاما جعلني المولى سبحانه بهذه الكلمات متعظا واعظا مستفيدا مفيدا صالحا مصلحا لا جسرا تعبرون عليه إلى الجنة ثم يرمى في سقر.
رشيـــــــد لعنانــــــــــــي
15 Comments
أفدت وأجدت وجمعت باقتدار أسرار الصيام وحكمه المختلفة، وتوفقت في إعطائنا الصورة الحية للمجتمع بمختلف مشاربه في التعامل مع رمضان؛ ووضعت اليد على مكمن الداء، فهنيئا لمن تخرج من هذه الجامعة هذا العام باستحقاق ونال جائزة الرحمن؛ وللمستدركين فرصة ان بقي في العمر بقية بحول الله
بورك فيك اخي رشيد. مقالة جميلة مختصرة مفيدة حوت جميل الكلمات و صنوف العبر. اسال الله ان يجعلها في ميزان حسناتك و يوفقنا لما يحب ويرضى.
وصف جميل لهذا الشهر الفضيل فهو فعلا جامعة تربوية تعيد للروح حياتها و تجعل المؤمن الصادق في كنف جنان المغفرة و الرحمة و التواب ورغم أنف من لم يستغل رمضان لتجديد العهد الايماني مع الخالق .
جزاك الله خيرا اخي رشيد
أحسنت سي رشيد
فعلا شهر رمضان مدرسة لا يعرف قيمته الا من اجتهد فيه.
رغم أنف من أدرك رمضان ولم يغفر له
جزاك الله خيرا اخي رشيد احسنت
ودعنا رمضان بحرقة،شهر احسسنا معه بنعمة القرب من المولى عز وجل، شهر ندمنا فيه عن كل ذنب اذنبناه بقصد او بدون قصد…يا ليت ايامه كانت اطول و اطول… شكرا لك و جزاك الله خير الجزاء عن كل هذه الخواطر.
فكزة الإبقاء على الشهر الفضيل كطقس احتفالي روتيني واردة حتى يفرغ من محتواه بدليل الدروس والمواعظ الباردة التي تلقى خلاله في جل بيوت الله ، إذ لو كانت الرغبة ملحة في الدعوة الى الله واصلاح النفوس لاسغلت الفرصة وتم التركيز على الحشود الهائلة التي تتوافد على المساجد بخطب ودروس تهز الكيان وترج الهمم حتى لا يبقى المعبود رمضان بل رب رمضان ..كان المشهد ليلة العيد وقد صلى خلف الامام صفان فقط بمسجد كان يغص من قبل بالمئات مشهدا يبعث على البكاء والحسرة
رحمة من الخالق المنان بعباده أن جعل لنا شهر رمضان محطة سنوية للنهل من فضائل و كنوز هذا الشهر الفضيل. فطوبى لمن قطف الثمار و جدد زاد الإيمان
بارك الله فيكم استاذي الفاضل، فعلا ودعنا شهرا كريما و محطة مباركة وافرة الفرص لاستغلال النفحات الربانية العظيمة، كانت اختبارا و فيصلا بين الصادق المخلص و المنافق المتملص ،فهنيئا لمن وفقه الله تعالى ليتخد عند الله ذخرا و يرجو عند الله تعالى طهرا
نسأل الله العلي العظيم أن يشكر سعيكم و قد بينتم مكامن الوجع و السبل لمن يريد ان يسلك طرق الورع،سائلينه عز وجل أن يشملنا برحمته و يكتب لنا القبول و العتق من النار
بالتوفيق
جزاك الله خيرا أخي على هذا المقال. بتوفيق من الله أشرت إلى كثير من فضائل وأسرار الصيام في مدرسة رمضان الإيمانية. ونبهتني إلى أمر في غاية الأهمية وهي الحرص على أن تكون الأعمال عبادة لا عادة وذلك بتجديد النية حين نستحضر هذه الدرر والجواهر في أحكام الصيام.
حقا إن رمضان جامعة ربانية برامجها إيمانية إحسانية ترتقي بروادها مراتب ومقامات عالية في السلوك إلى الباري جل وعلا ناهيك عن العطايا المعجلة في الدنيا قبل الآخرة.
سلمت أملك وزادك الله فهما وفقها.
Merci M. Rachid pour cet article Ô combien valeureux et honorable ! C’est justement presque les mêmes idées que j’ai toujours eu sur ce mois sacré ! Ramadan une vraie école de piété,de sobriété, de patience, d’altruisme d’amour, de tolérance… Et je termine par ce verset : Ô les croyants ! On vous a prescrit as-Siyam(le jeune) comme on l’a prescrit à ceux d’avant vous, ainsi atteindrez-vous la piété… Tout en soulignant le mot Piété
شكر الله لكم جميعا. ما أجمل أن تقرأ تعليقات القارئ فهي تغني وتعزز وتحفز. نرجو ألا ننقض غزلنا فالعدو لنا بالمرصاد وقد أطلق مع جنوده. والمومن كلما كبا به جواده وهفا أو زل يرجع والله غفار. وفقنا الله وإياكم لصيام الست وبلغنا رمضان أياما مديدة وأزمانا عديدة. غفر الله لي ما لا تعلمون وجعلني خيرا مما تظنون.
أسأل الله أن يتقبل منا و منكم، و يرزقنا و إياكم الثبات.
جزاك الله خيرا، و وفقنا و إياكم لما يحب و يرضى.