دبلوماسية الروابط التاريخية تدعونا للاتحاد
بقلم الشيخان ولد الشيخ – وجدة
نستطيع بالروابط التاريخية والتعاون في إطار إتحاد المغرب العربي إتباع نموذج دولة الإمارات العربية المتحدة والدول الأخرى النامية.
(1)
أتحدث عن نماذج من بين الروابط التاريخية, ودورها في تفعيل وتوطيد الاستقرار والتنمية فيما بيننا، قديماً عام 1089 للهجرة, حين أنكح أمير لبراكنة, الذي كان يلقب بالغول لشجاعته وحدة صوته, الشيخ بكار ولد علي ولد عبدالله المغافري كريمته الفقيهة والأديبة خناثة بنت بكار لسلطان المغرب سليل السلالة العلوية إسماعيل بن على الشريف, على أن تحفظ إمارة لبراكنة مكانتها المتميزة في المنطقة, بعد أن وجه السلطان حملته صوب باقي الدول المتاخمة للمغرب من المغرب الأقصى, وتدافع إليه أهل الساحل والڨبلة لتأدية بروتوكولات البيعة والطاعة والولاء على مقتضى كتاب الله… كان في ذلك تحالف دبلوماسي وسياسي تحت طي عقد زواج.
وفي أعقاب ذلك وفور رسوخ الاستقرار في المنطقة, التي لم تعدم منذ نشأتها وطناً ممزقاً وفتناً هوجاء لا تبقي ولا تذر، تشجعت السلطانة خناثة في اقتحام أهوال السياسة, وتحملت تبعات الجهر بالحق بين يدي ولي الأمر السلطان, الذي كانت ترتعد في حضرته فرائص أشجع الشجعان, وظهرت لمساتها في ميادين تنموية وسياسية, بما فيها ترسيخ اتفاقية للسلام والتجارة بين المغرب وانكلترا, حتى صدق فيها وصف الملك الفرنسي لويس الخامس عشر بالسلطانة العظيمة.
هذه الخلفية التي احتوتها نظرة الفقيهة خناثة حول تشخيص الداء والبحث عن الدواء, جعلتها تعكف على تربية حفيدها الملك العالم المصلح سيدي محمد بن عبدالله تربية صالحة, وتلقنه مبادئ العلوم, فكبر محباً للخير, معيناً عليه, ومقبلا على طلب العلم, ودبلوماسياً في مجالسة العلماء, حيث جالس جدنا العلامة سيدي عبدالله ولد الحاج إبراهيم العلوي, نظراً لما تبلورعن علاقتهما الوطيدة من ود وتراحم وجهاد ضد البرتغال, مما جعله يرحب به تقديراً لعلمه وشرف أرومته, وأتاح له الإقامة في فاس, وهي العاصمة يومئذ يدرّس فيها ويناظر ويفتي ويؤلف.
وفي هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها المغرب العربي الآن, والتي تظهر فيها الأطماع والمكائد الهادفة إلى ترسيخ التوتر في العلاقات بين الدول المغاربية, وزعزعة استقرارها, لتقسيمها إلى دويلات ليس لها أي قيمة دولية أو أممية, لا تزال دبلوماسية الجامعة الصوفية التجانية منتشرة في شتى أقطاب الأرض عموماً, والمغرب العربي خصوصاً, منزل مقام مؤسسها شيخنا أحمد التجاني رضي الله عنه, تدفع بقدم الشريعة المتفرعة من المذهب المالكي, وبقدم الحقيقة الغائصة في بحر الحقائق والمعاني, كل ما من شأنه تفرقة الوحدة الإسلامية عموماً والمغاربية خصوصاً… كما نستطيع أن نضيف إلى تلك الجهود الجبارة اتصالات دولية واسعة, أجراها العاهل المغربي الملك محمد السادس ـ وفقه الله ـ مؤخراً, ساهمت في إحراز انتصار دبلوماسي على مستوى المغرب, قلص مهام بعثة مينورسو في الصحراء المغربية, من خلال تمديد مهامها دون النزول عند الإملاءات والأجندة الخارجية, مما خفف من مستوى حدة توتر الأوضاع في المنطقة.
(2)
وفي المقابل فإن هناك أيادٍ خفية مخربة, متمركزة في شتى مفاصل المغرب عموماً, وفي بعض الجامعات خصوصاً, يمكن تصنيف جهودها التهديمية على مستوى دبلوماسية المملكة ضمن مساعي وجهود بعض جنرالات الجزائر, ذوي الأيادي الخفية الساعية إلى المساس بالوحدة المغربية, والدفع بالمنطقة إلى التوتر والصراع ……..
ورحم الله الملك الراحل الحسن الثاني, الذي كان يروى لنا عنه مؤازرته لنا في شتى المواقع, وفي موقعة تحطم طائرة تجكجة عام 1994م, وإهتمامه الفائق بالنخبة الموريتانية, بغض النظر عن إزدهار أو توتر العلاقات الدبلوماسية فيما بين الحكومتين الشقيقتين الموريتانية والمغربية, لأن نخبة الأجيال القادمة هي من يصنع قرارات ومواقف الحكومات المتعاقبة في البلاد.
(3)
وفي رسالة الملك محمد السادس وفقه الله, إلى إبن عمنا الفقيه الحضرامي ولد خطري (أحد أحفاد العلامة سيدي عبدالله ولد الحاج إبراهيم), التي أمتلك نسخة منها, ومستعد أن أجعلها تحت تصرف وسائل الإعلام, لعلها تبلغ مسامع الديوان الملكي والجهات العليا في المغرب, لا سيما بعد وفاة سفيرنا وابن عمنا مدير الأوقاف بالمملكة محمد الكبير ولد حرمة ولد عبد الجليل, الذي كان يستقبل الجميع, ويسهل التواصل بين العائلة الواحدة وبين مؤسسة الديوان. في تلك الرسالة منهج من السير على نهج أسلافه الميامين, ملوك الدولة العلوية المنعمين, وترسيخ لتقاليد التواصل التي أرسوها على مدى السنين مع زعماء القبائل وأقطاب الزوايا وشيوخ العلم الموريتانيين, ودبلوماسية تضاف إلى الانتصارات الدبلوماسية التي تحتسب للمغرب ملكاً وحكومة وشعباً, على التحديات التي خلفها المستعمر من أجل تفرقتنا وتشرذمنا وعدم استقرارنا.
(4)
لقد نمت أهمية الاتحاد والحاجة إلى العمل في التعاون بين دول أعضاء المغرب العربي لاسيما بعد نجاح نموذج دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة, والنهضة الواسعة التي شهدتها على يد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله, لذلك صار يستوجب علينا جميعاً كساسة وحقوقيين ومجتمع مدني وأطر وكادر بشري, الاندماج في مبادرات تساعد في التآلف فيما بيننا ووحدة أمتنا ومغربنا, الشيئ الذي أصبح يلح ويستدعي التعاون في سبيل تحقيق ذلك بين النشطاء والجمعيات والديوان الملكي, تحت رعاية الملك محمد السادس السامية, لوحدة واستقرار المغرب العربي نصره الله.
ناشط سياسي وحقوقي موريتاني
Ouldcheikh.cheikhani@yahoo.fr
Aucun commentaire