مظاهرات تركيا , الشجرة التي تخفي الغابة .
كيف تحولت مظاهرة ضد مشروع عمراني وسط ساحة التقسيم باسطنبول إلى احتجاجات ضد سلطات الوزير الأول التركي رجب طيب اردغان ؟ وكيف امتدت شرارتها إلى مدن أخرى ؟.
اختلفت التحاليل المتعلقة بهذا الموضوع , وكل واحد ينظر إليها بمنظاره الخاص , فالمعارضة ترى بان سبب القلاقل التي تشهدها تركيا حاليا يرجع إلى سلطات الوزير الأول الشبه مطلقة والتي تتسم بنوع من التحدي و الانتقادات الموجهة لكافة الأطراف من معارضة ومتظاهرين وحتى الشرطة التي لم تسلم من القدح بسبب استعمالها المفرط للغازات المسيلة للدموع والشطط أثناء تفريقها للغاضبين بالشارع العام , فأين هي مسئولية الحكومة من كل هذا ؟ ففي دولة ديمقراطية عليها أن تقدم الحساب , فمسئوليتها عن عمل التابع ( الشرطة ) قائمة بالحجة والدليل .
إلا أن بعض المحللين يرون بان هذه الأحداث تقف وراءها خلفيات سياسية و لا يمكن أن تلخص في تظاهرة ضد اجتثاث بعض الأشجار لإقامة مشروع ما , بل ينبغي النظر لما وراء الأكمة , فهل هي بداية لحركة عصيان مدني قد تأتي على الأخضر واليابس تيمنا بالربيع العربي الذي أطاح برؤساء دول كانوا يعتبرون حكمهم محصن من الرياح العاتية التي اقتلعتهم من الجذور.؟ أم هي مجرد رد فعل سينتهي بانتهاء أسباب نزوله ؟ رغم أن ذلك أصبح بعيد المنال حسب تصريحات الوزير الأول التي تؤكد عزمه على الاستمرار في تطبيق مخططاته .
فالأتراك – حسب هؤلاء – لا يقبلون برئيس حكومة يعيش في برج عاج ويحتكر سلطة القرار ولا يحترم إرادة الشعب , فتسمية القنطرة الثالثة المشيدة على البوسفور باسم السلطان العثماني سليم الأول ( 1470- 1520 ) لم يرق للعلويين لأسباب تاريخية , كما أن سن قانون للتضييق على بائعي الخمور وإصدار قانون آخر يمنع تبادل القبل في أنفاق المترو ومنع مضيفات الخطوط الجوية التركية من وضع احمر الشفاه , كل هذه الإجراءات اعتبرت ذات حمولة اديلوجية تتناقض مع العلمانية التي أسس لها أتاتورك وتسهر الدولة العميقة ( الجيش ) على حمايتها ضمانا للتعدد والتنوع الثقافي والعرقي وحرية المعتقد .
لا احد ينكر بان حزب العدالة والتنمية التركي نجح في رفع التحدي الاقتصادي وزيادة الناتج الداخلي الخام ومستوى الدخل الفردي ونسبة التشغيل في ظرفية متأزمة في الجوار الاروبي وفي باقي أرجاء المعمور , مما يدل على الحكامة الجيدة والشفافية في التسيير والتدبير لشؤون الدولة وتشجيع الاستثمارات الداخلية والخارجية , وما مرافقة 300 من رجال الأعمال الأتراك للسيد رجب طيب اردغان في رحلته الإفريقية التي بدأها اليوم بزيارة للمغرب إلا دليل على صحة ذلك , فالأولية في العلاقات الخارجية و العمل الدبلوماسي هي للجانب الاقتصادي , فإلى جانب القطاع السياحي الذي يعتبر رافعة للتنمية , هناك القطاع الصناعي الذي يحظى بأهمية قصوى في سلم الأسبقيات .
إن الاعتماد على الأغلبية العددية يعطي في غالب الأحيان نتائج عكسية, فمن الذكاء السياسي التعامل مع المعارضة وفق ما تقتضيه قواعد الديمقراطية, كما أن النقد الذاتي ليس ضعفا بل تعبير عن صدق النوايا في تسيير الشأن العام.
فالنموذج التركي درس بالغ الأهمية لمن يقتدون به على مستوي العالم العربي خصوصا بالمغرب الذي وصل فيه حزب العدالة والتنمية المغربي إلى سدة الحكم بعد هبوب نسائم الربيع العربي وما واكبها من إصلاحات دستورية واستحقاقات شفافة .
Aucun commentaire