الشباب ومراكز الاتصالات
يستقطب المغرب بوتيرة كبيرة مراكز الاتصال الأجنبية نظرا لتوفره على أرضية خصبة للاستثمار في قطاع الاتصالات، من حيث وفرة اليد العاملة وإتقانها اللغة الفرنسية، مما ساهم في خلق مناصب شغل جديدة وإنقاذ العديد من الشباب من براثين البطالة. في المقابل طفت على السطح جملة من المشاكل لا يعرفها إلا العاملين داخل هذه المراكز، وتكتنف هذه المهنة أسرار تجعل مراكز النداء في قفص الاتهام نظرا لاستخدامها لمواد وخدمات تنتمي إلى الثقافة الغربية، علاوة على غياب قانون ينظم علاقات الشغل داخلها بما يحفظ للعاملين فيها حقوقهم.
استطاعت مراكز النداء في ظل صعوبة إيجاد عمل في المغرب توفير آلآلاف فرص الشغل لشريحة الشباب، خصوصا وأنها لا تهتم بالمستوى الدراسي بقدر ما تهتم بإتقان اللغة الفرنسية أو غيرها من اللغات الأجنبية الأخرى، وقد تكون هي الميدان الوحيد الذي يعلن عن عروض العمل فيه بشكل كثيف وبارز من خلال الملصقات على الحافلات وعبر وسائط اتصال متعددة.
من أبرز ما يميز العمل في مراكز النداء أنه يظل عملا مؤقتا بالنسبة لشريحة كبيرة من الشباب في انتظار البديل، مع ما تتطلبه عملية البيع من تركيز كبير، وذلك لتحقيق الهدف المرسوم من لدن المركز… هذه العوامل تجعله يعيش في حالة نفسية صعبة، إضافة إلى أن استعمال السماعة لساعات طوال (أزيد من 200 اتصال بشكل يومي) يضر بحاسة السمع.
ورغم أن مراكز الاتصال قد خلقت مناصبا للشغل، وبرزت كقطاع صاعد، إلا أن إدارتها تشترط ضوابط صارمة لاستمرار العاملين في مهمتهم، فهي تضيف كل يوم عاملين بالنظر إلى عدم بقاء الشباب فيها لمدة طويلة، أولعدم تحقيق بعضهم للأهداف المسطرة، أو لتغطية الناتج عن مغادرة البعض.
والملاحظ أن الكثير من المراكز لا توظف الطلبة، وتوضح ذلك في عروضها المنشورة في الجرائد أو شبكة الانترنيت، ولكن في ظل انعدام فرص الشغل، باتت هذه المراكز وجهة اضطرارية للكثير من الطلبة ولو أنها مؤقتة، ويلجؤون إلى عدم التصريح لإدارة المراكز بمتابعتهم الدراسة.
غالبية المستثمرين بهذا القطاع من الأوروبيين، وتتجلى أهمية المراكز في أنها تلبى حاجة العديد من الشركات إلى تقريب المنتوج أو الخدمة إلى المستهلك، بحيث تجري تلك المراكز اتصالات مع زبناء محتملين، وإذا تم الاتفاق فإن المنتوج يصل إلى حيث مسكنه، وقد استفادت تقنيات البيع الموظفة في المراكز من التكنولوجيا الحديثة (هواتف وانترنيت…) بهدف الرفع من المبيعات، وبالتالي الرفع من المردودية والتأقلم مع جميع المستجدات.
يخضع العاملون بالمراكز إلى التكوين داخلها لمدة تتراوح بين يومين و أسبوعين، ويتركز التدريب خلال هذه المرحلة على مساعدة العامل الجديد على تجاوز الصعوبات التي قد تعترضه، كما تشكل المرحلة فرصة للوقوف عن كثب على إمكانات العامل، وبإمكان هذا الأخير أن ينتقل إلى الخطوة الثانية، وهي ممارسة عمله إذا توفرت فيه الشروط المطلوبة، وإلا يستغنى عنه.
من جهة أخرى، ساهم التطور السريع للمراكز في ظهور العديد من المعاهد الخاصة التي فتحت أبوابها لتكوين الشباب على متطلبات تلك المؤسسات، إذ تدرس كيفية تطوير القدرات اللغوية في الفرنسية، وتحسين عملية التحدث عبر الهاتف، كما تدرس طبيعة العمل بالمراكز، علاوة على التكوين في مجال تقنيات البيع، إلا أن جسور الانتقال من فضاء التكوين إلى مجال العمل تشوبها أحيانا تجاوزات
تعرف مراكز النداء انتشارا في الكثير من مدن كالدار البيضاء والرباط وطنجة وفاس ومكناس والمحمدية… وأكثر هذه المراكز تستعمل اللغة الفرنسية، وأخرى تستعمل اللغة الإنجليزية والإسبانية والهولندية… ومن بين أسباب الانتشار التسهيلات التي قدمها المغرب لاستقطاب الاستثمارات الخارجية واستغلال لقربه الجغرافي من القارة الأوروبية إحدى أكبر الأسواق الاستهلاكية في العالم، وتعد هذه المهنة من أبرز مهن قطاع »الأفشورينغ » (تقديم الخدمات عن بعد) التي يراهن عليها المغرب كثيرا، في حين أن من أسباب الإقبال عليها أنها لا تشترط التوفر على شهادة جامعية عالية أو تكوين أكاديمي معين ليبقى »الشرط الوحيد هو إتقان اللغة الأجنبية »، حسب قول ربيع البياتي أحد العاملين في مراكز للنداء منذ ما يناهز 6 سنوات، ورغم أنها مهنة عالمية فإن رواتب العاملين بها في المغرب متدنية مقارنة مع نظرائهم الأوروبيين…
وبلغة الأرقام فقد ارتفع عدد المراكز وفق إحصائيات الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات، بنسبة 186 % بين عامي 2004 و,2007 ليبلغ إجمالي المراكز إلى 188 موزعة على الصعيد الوطني، وإن كانت حصة الأسد توجد بمدينة الدار البيضاء والرباط بنسبة 80 %، فالباقي يوجد في مراكش، وطنجة، وتطوان، والمحمدية… مع تحقيق معدل نمو سنوي لعددها ب11 %.ويبلغ عدد العاملين بالمراكز 20 ألف غالبيتهم شباب، وهو العدد الذي لم يتجاوز 5500 في العام ,2004.
وبعد فترة تدريبية لمدة أسبوعين أو شهر على أكثر تقدير، يشتغل العامل مقابل مبلغ يتراوح ما بين 2500 و4000 درهم شهريا، ويستفيد من العطل المقررة رسميا للبلد الذي يعمل لحسابه انطلاقا من المغرب.وغالبية المستثمرين في هذا القطاع فرنسيون بنسبة 86 % ثم الأمريكيين بنسبة 8 %، والإسبان بنسبة 4%، والبلجيكيين بنسبة 2 %، كما أن عمل هذه المراكز موجه بالكامل للخارج، والأجانب المقيمين بالمغرب. ويتطلب من العاملين، علاوة على إتقان اللغة الأجنبية، وحسن الصوت وإتقان تقنيات البيع ومهارة تقديم الخدمات وعرض المنتجات.
Aucun commentaire