تأملات في عصرنة التعليم
في اتجاه تحديث وعصرنة المنظومة التعليمية في المغرب،وجعلها مواكبة لسيرورة التطور المعلوماتي القائم في العالم حاليا، وسعيا لأجل تأهيل التربية والتكوين ليستجيبا لحاجات ومتطلبات النمو المرغوب في شتى المجالات –لأجل هذا- انجزت وزارة التربية الوطنية مع شركائها برنامجا طموحا، يتمثل في تزويد جل المؤسسات التربوية في المجال الحضري بحواسيب فردية تتراوح نوعيتها بين القبول والجودة المطلوبة.ويمكن لأي زائر للمؤسسات التربوية المجهزة ان يلاحظ ان حا ل هذه الآلات ينبئ بعدم استعمالها اطلاقا او قلة استعمالها، بل ان بعضها لم يخرج من علبه الكرتونية.
وقد طرحت في الكثير من المؤسسات، اشكالية ايوائها والمحافظة عليها من التلف والسرقة.ولو اريد حساب قيمة عتاد
مؤسسة ما لشكلت قاعة المعلوميات-في حال توفرها- النسبة العليا في ميزانية جل المؤسسات من العتاد التعليمي
.ولكن ،ويا للأسف فانها لاتستثمر الا بنسب هزيلة او منعدمة تماما.وحين يطرح السؤال حول هذا الوضع يأتي الجواب
السريع والوحيد: حظيرة الحواسيب لا تستثمر لعدم وجود مؤطرين متخصصين.وقد يضاف الى ذلك عدم توفر قاعات
خاصة.والملاحظ ان هذه الحظبرة الالكترونية قد زودت بربط بالشبكة العنكبوتية في المؤسسات التأهيلية وهو ما يزيد
من امكانية استغلالها على نحو جيد لو توفرت الشروط الضرورية.
ان هذه الصورة تعكس وضعا غريبا في منظومتنا التربوية التكوينبة،وفي نهجها الاستراتيجي العام في مجال العصرنة والتحديث.وتذكر بالمثال المعروف:لقد وضعت العربة قبل الحصان. فقد استهلكت ميزانيات ضخمة في توفير المعدات دون التفكير قبلا في اعداد الموارد البشرية المؤهلة لا ستثمارها على الوجه المطلوب .والمطلع على ادبيات وزارتنا وخطابها
الرسمي يخرج بانطباع مؤداه ان بلدنا قد ودع نمط التربية والتكوين التقليديين وخطا الى الأمام في اتجاه العصرنة والتحديث،ولعل اهم مرجع يذكر في هذا الباب هو الميثاق الوطني للتربية والتكوين،الذي صاغ تصورا نظريا ايجابيا في
شقه النظري ،غير ان الواقع التربوي التكويني لا يكاد يبرح مكانه في مستواه العملي والتطبيقي ويبدو ان رهان الجودة
لم يستوف شروط تحققه ، وما اشير اليه اعلاه هو احد الامثلة على ذلك.
لا ينكر احد ان جهودا قد بذلت في السنوات السابقة، سعيا نحو تفعيل ما جاء في الميثاق الوطني للتربية والتكوين،ولكنها
جهود منصبة على الجانب المادي والشكلي: مناهج ومقررات جديدة لاتغيرمن جوهر الفعل التكويني شيئا-كتب مدرسية متعددة لم تخدم ما وضعت من اجله بقدر ما خدمت جيوب البعض-الانتقال من اساليب التعليم بالاهداف الى التدريس بالكفايات في مناخ غير مستوف للشروط الضرورية- اقتناء الحواسيب والارتباط بالانترنت دون توفير شروط الاستغلال المطلوب-….
لقد اغفلت الجهود المبذولة اهم عنصر او كادت،وهو العنصر البشري،فكل ما تم توفيره لن يغير من الواقع التعليمي شيئا
في غياب الكفاءات البشرية المؤهلة، بل ان ما سجل –مع الأسف- ان الوزارة المعنية قد حظيت بالنصيب الاوفر في
عملية المغادرة الطوعية ،وبشكل ولد فقرا وعجزا ظاهرين في بعض التخصصات وبعض المؤسسات التربوية .واذا كان
المراد من المغادرة الطوعية هو التقليص من غلاف الانفاق على الوظيفة العمومية اجمالا فقد كان لزاما الا يسمح فيه
باي خطأ في حقل التربية والتكوين ،لأنه الحقل الذي بدونه لن تتحقق اية تنمية، كما ان الخطاب الذي تزامن مع عملية
المغادرة كان يشير الى تشبيب الموارد البشرية و قد بقي كلاما دون فعل، كان الداعي اليه هو الاقناع بجدوى المغادرة.
ان تكثيف الجهد في الاعداد المادي وحده،دون التفكير الجاد في اعداد العنصر البشري الفعال ،قد يحدث لدينا وهما خطيرا
يجعلنا نظن اننا قد التحقنا بركب التطوير والتحديث، والواقع اننا لم نبرح مواقعنا.هذا الايهام هو اشبه شيئ بتلاقي
قطارين وتوقفهما في محطة واحدة ،وعند انطلاق احدهما يحس راكبوا القطار الآخر انهم هم المتحركون.
لافائدة ترجى من اقتناء المعدات والحواسيب،ولا من الارتباط بالانترنت ،ولا من طبع كتب جديدة وتغيير مقررات…ما لم يتوفر التصور المتكامل والمخطط له بدقة لتحقيق ما يرجى من نقلات نوعية حقيقية، والذي يتأسس علىتأهيل العنصر
البشري الفعال قبل أي شيئ ، والا فان كل السعي المادي وحده سيبقى مجرد استهلاك فج لا يمس جوهر الانسان المستهدف بالتربية والتكوين .اننا في حاجة الى تكنولوجيا المعلومات والمعرفة من اجل الرفع من مردودية التكوين
للوصول الى مرحلة تكييف التكنولوجيا مع واقعنا العام ،للانتهاء الى غاية امتلاك هذه التكنولوجيا…والا سنبقى في دائرة
تشغيل الاجهزة واستهلاك بعض البرامج الجاهزة وغرف المحادثة والالعاب الالكترونية …وهذا لا يحتاج الى كل هذه
الجهود الانفاقية ،فابناؤنا- ولله الحمد -يجيدون القيام بكل ذلك ولا يحتاجون فيه الىاي تكوين.
2 Comments
السلام عليكم أخي عبد الكريم إن الموضوع الذي أثرته في غاية الأهمية .وإنه لمن المؤسف حقا أن يتغلب علينا هاجس المحافظة على الالات ونهمل استغلالها والانتفاع منهاحتى إذا أردنا أن ننتفع منها حقا وجدنا الزمن قد عفى عنها وتجاوزها ولم تعد صالحة فلا نحن استفدنا منها ولا هي بقيت صالحة ولا حول ولا فوة إلا بالله.
نشكر الاخ كاتب هذا المقال على ما قدمه من معلومات. فهي عين الصواب . فوجود هذا العدد الكبير من الحواسيب الآلية لن يحل الازمة التي يتخبط فيها قطاع التعليم بجميع مستوياته. فعمل هذه الاجهزة منعدم بل وأن معظمها لازال لم يرى النور خوفا عليها من الإتلاف في غياب أطر كفأة قادرة على تكون وتأطير الأساتذة والتلاميذ معا لتفعيل دور هذه الاجهزة وإدماجها ضمن الوسائل التعليمية الناجعلة لإنجاح أي فعل تعليمي تعلمي. لكن السؤال المطروح ما العمل ؟ هل سطرت الوزارة برنامجا طموحا للتكوين في هده المادة الحيوية؟ هل استثمرت ما لديها من كفاءات في هذا المجال للدفع بالعملية نحو الإتجاه الصحيح؟ ويبقى ، في ضل هذه المفارقة بين التجهيز والتأطير، الهدف المسطر صعب المنال…