هلوسات ناخب
أيها الناخب! ها أنت تخلد إلى استراحة المحارب. قد أديت واجبك… لم تيأس… لأنك وضعت يأسك بين دفات كتاب كورقة توت. ربما لأنك لم تستطع الاستغناء عنه، أو لنقل إن أملك كان كبيرا وقررت الحفاظ به فقط كذكرى، كما كان يحتفظ العاشق بوردة المعشوقة بين دفات كتاب المنفلوطي. وحينما تفتح كتابك، ذات مرة، ستجد ورقتك تلك قد يبست بفعل آثارالزمن. وحينها سوف تحكي لأطفالك أو لحفدتك عن ذلك اليأس الذي استطعت التغلب عليه، حتى أنك أسرته بين دفات كتابك، برهانا على ما عشته وما قاسيته… ستحكي لهم عن مغامراتك رفقة مرشحك وهو يجول في الصحاري والقفار (بما أن الشارع كان غير مبال)، باحثا عن أصوات توصله إلى بر الأمان وجنة العدنان. أيها الناخب! نخبك الآن! هات كأسك، كأس "حياتي" وليس كأس البلور، فتلك كأس من يقطن الفيلات وكأنها قصور، ومن يحتسي نبيذا اختمر لمدة دهور وعصور(والعيذو بالله)! هات كأسك واقرع كأسي ولنحتسي كأس شاي منعنع فوق حصير في مقهى "سوقي"، و"لنقطع" بحبات "كاوكاو"، احتفالا بانتصارنا على اليأس!
انتصرنا عليه بفعل إرادتنا وتطمينات مسؤولينا، وحملات 2007 دابا… انتصرنا عليه بفعل أملنا الذي شاخ ولازال يقودنا وهو مقوس الظهر، متكئا على عصاه السخرية (بالخاء) وهو يمشي ولا زال يمشي، حافي القدمين. كم نشفق عليه! لأنه مصر على مساعدتنا رغم كبر سنه. لقد تجاوز آلاف السنين. فهو أكبر من نوح ومن أيوب. لازال يقاوم من أجلنا. كم هو عنيد يا ترى. لكن لاحظت مؤخرا وأنا أتابع خطواته عبر أزقة الأحياء الشعبية، أنه كان متعجلا شيئا ما رغم تحركاته البطيئة، نظرا طبعا لتآكل مفاصله. وكأنه أحس باقتراب أجله. أطال الله في عمره. يريد التخلص من مسؤوليته قبل أن يقبل عليه ملاك الموت.
انتصرنا إذا على ذلك اليأس اللعين وهزمناه شر هزيمة. ما أظنه قادرا على امتطاء جواده ثانية، ويلبس ذرعه، ويحمل سيفه ودرقته. فضرباتنا كانت متقنة وصائبة، وسيوفنا مهندة، وصراخنا أثناء الحملة كان مفزعا مرهبا معا. أتذكر جيدا تلك الليلة التي باغتنا فيها عدونا الذي ما أن رآنا حتى أعطى ساقيه للريح حينما فاجأناه في حي شعبي وهو يوزع توته المنوم على المغلوبين على أمرهم. حاربناه الند للند، وأحضرنا مرشحنا ووزع أوراقا زرقتها كالسماء الربيعي، ينشرح لها الصدر وتسر لها الأعين وتبتسم لها الثغور، وتظهر الأسنان المتآكلة والمسوسة وتبرز اللثات المكتنزة. وزعها يمينا وشمالا، وكانت الأيادي تمتد بحماس شديد، ورغبة عارمة لالتقاطها والتبرك بمحاسنها. وكانت شظايا اليأس تتطاير في السماء، لتنطفئ بعد ذلك تحت أقدام المزدحمين والمتهافتين على أوراق الفلس. كانت لحظة رائعة! التقت فيها الساق بالساق، واشتبك الذراع بالذراع، وصاحبنا وسط الحشود، كبطل همام، خرج للتو من خرافة الأزمان، كان يوزع الوريقات الزرقاء، وحتى المصاحف التي تقي اليائسين من شر قتال العدو اللعين. ذلكم اليأس الذي أحبطنا مناوراته. وأينما حل وارتحل، كنا له بالمرصاد. فتارة بالكتاب، وتارة بالاستشهاد…بأقاويل ووعود وشعارات لم يأكل عليها الدهر ولم يشرب فقء وإنما تقيأها حتى كادت تعجل بفنائه، وتارة بالتي واللتيا، وتارة بالوريقات الزرقاء، ترياق ويا له من ترياق يقضي على كل داء. حضرنا له عدة ثقيلة. فهاك الألبسة والأطعمة، وهاك الخدمات والصفقات المربحة. وأحضرنا مساعدين من الخارج، يلاحظون فقط ما هو ظاهر، ويتتبعون مراحل الحملة النهارية، وجعلنا على رأسهم شخصا معروفا بتفانيه في خدمة الشعب، مذ أن كان تلميذا نجيبا يلتهم كتب الثوار. وأثث صاحبنا مساجدهم بسجادات تبشرهم باليوم الموعود، يوم جلوسه على كرسي بر الأمان، حيث يحقق لهم الوعود التي أخذها على عاتقه وهو يؤدي اليمين، ويده اليمنى فوق المصحف الكريم، وعيناه مغرورقتان بالدموع. وقفات مؤثرة حقا، كانت تختم بآيات من الذكر الحكيم وبدعوات تقشعر لها الأبدان. كم كانت جميلة تلك الليلة المقمرة. انتصرنا فيها على عدونا اللذوذ. وقامرنا بأصواتنا حتى بحت من بعدها صناديق الاقتراع، ولم تتسع إلا لأصواتنا النبيلة.
– هزمنا اليأس! هزمنا اليأس!، هذا ما كانت تردده حشود الأطفال والنساء على مسامع النائمين، الذين هزمهم اليأس قبل أن نلتحق بساحة المعركة. ورغم ذلك استفاق من كان نائما عند سماعه حشرجات الوريقات الزرقاء، وقفز إلى الزقاق في حذلقة ونفاق، وفتح فاه مرددا :"لا طجين لابرقوق، صاحبنا في الصندوق!"، ومد يداه لصاحب الشكارة الذي أعطاه، وفي الحين سدد خطاه وسط الجموع التي كانت في الدرب سائرة. ومن كان على الدرب سائرا، وصل…
وصل صاحبنا. وظهر على شاشة التلفاز، وشكر "منادليه" ومدير حملته، وشكرنا كذلك نحن من صوتنا عليه، نحن من أعطيناه أصواتنا ليحتفظ بصوته الرقيق، الدافئ، الرخيم. وانتقد بشدة مستعملي المال الحرام، لأنه، هو لم يستعمل المال الحرام. استعمل المال الحلال، ونحن شهود على ذلك. استعمل ماله الذي كسبه من عرق جبينه، وليس من عرق ذراعيه ولا من عرق رجليه، مال كسبه بجميع الوسائل، بما فيها التحايل. وفرحنا كثيرا حينما تكلم. فكلامه حلو ككلام واحد "معلم". لا يقدر عليه أحد. وفهمنا حينها لماذا عليه أن يحتفظ بصوته!! فالتلفاز في حاجة إليه كي يعبر الإثير وينشد الديمقراطية عبر العالم، ويضمن لنا رتبة مشرفة بين الأمم.
لكن كم نحن؟ يقولون إننا لا نمثل سوى 37%. لا يهم. فكم من فئة قليلة انتصرت على فئة كثيرة! انتصرنا على اليأس، وهذا في حد ذاته كافي! لا يهم ماذا سيفعل هذا البرلمان أوماذا ستفعل تلك الحكومة. تلك أمور لا دخل لنا فيها، فأصحاب الدقة والعمارية أدرى بشعائرهما، كما كنا نحن أدرى بشعاراتنا. فنحن قمنا بواجبنا، "سخنا" الطرح ، هللنا، صرخنا، رددنا شعارات وشعارات حتى التخمة، أعطينا آلاف الوعود، وأضربنا آلاف المواعيد، وهاتفنا حتى أصيبت آذاننا بالطرش والصفير غير المنقطع، صفقنا كثيرا، (نرجو فقط ألا يطلبوا منا التصفيق الآن، لأن أيدينا ملطخة بالحناء من كثرة التصفيق والعناء). والآن، كما يقال في لغة بيلي وبيكنباور، الكرة في مرماهم. المهم، كانت الحملة بالنسبة إلينا، بمثابة "تبوريدة"، مادام البارود والحبة من عند القايد!. أما عن حالتنا الاجتماعية، ولهيب الأسعار الذي شبت حرائقه حتى في كسرة خبزنا، وانتشر في هشيم أمعائنا، فتلك أمور نتركها لخالق السموات والأرض عاساه يمدنا بالقدرة على الصوم مدى الدهر، حتى يستخلص صندوق النقد الدولي رزقه وتعود العافية لبلدنا، أو عاساه يرزقنا قوتا من حيث لا ندري، لأن ما من دابة تمشي… فكم رددناها في حملتنا، حتى أصبحت المحور الأساسي في برنامج صاحبنا…
وجدة في 23-9-2007
1 Comment
هل بلغ إلى علمك أن هلوسات الناخب إدت بصاحبها إلى يقوم فجرا ويردد في كل الأحياء الشعبية » شوفوا يا المقاطعين الانتخاب فالركنية » » هاكة يكونوا أصوات الانتخاب المشرية »
ورغم ذلك انتصرنا على اليأس » والعقبة » لأصحاب الفلس .