الفشل وذهاب الريح نتيجة حتمية لترك حبل الله والتفرق والنزاع
الفشل وذهاب الريح نتيجة حتمية لترك حبل الله والتفرق والنزاع
محمد شركي
من آي الذكر الحكيم التي ترددها أمة الإسلام في هذا الزمان ولا تعمل بها بل تعطلها قوله تعالى : (( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )) وقوله أيضا: ((ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم )) . أما الاعتصام فقد يعني الإمساك باليد إذا تعلق الأمر بشيء ملموس محسوس ، كما أنه الامتناع بالشيء من غيره. والاعتصام من العصام ، وهو حبل يشد به الشيء ويحتمل ، كما هو الحال بالنسبة لقربة الماء ، وهو أيضا عروة الوعاء التي يعلق بها . ولست أدري هل سمي حاجب النعمان بن المنذر بن ماء السماء عصاما لأنه كان ينتصب حاجبا بينه وبين رعيته ويمنعه منها حتى منع يوما الشاعر النابغة الذبياني من عيادته وهو مريض ، فقال النابغة :فإني لا ألومك في دخول////ولكن ما وراءك ياعصام
فصار قوله : » ما وراءك ياعصام » مثلا سائرا في العرب يقال لمن يعرف أمرا ولا يكشف عنه . وإلى عصام النعمان تنسب العصامية ، وهي اعتداد المرء بنفسه لا بأصله ، وهو نقيض العظامي الذي يعتد بآبائه .والاعتصام الوارد في هذه الآية الكريمة يعني الامتناع بحبل الله عز وجل من التفرق . ومعلوم أن الحبل هو الرباط أو الرسن ماديا ، وهو العهد والذمة معنويا. وحبل الله عز وجل هو عهده وذمته . والعرب تقول : » فلان يحطب في حبل فلان » أي يعينه وينصره إذا ما تعلق الأمر باحتطاب غير مادي . ومما يعنيه عهد الله عز وجل وذمته التزام أمة الإسلام الاجتماع أو التجمع حول شرعه الوارد في رسالته إليهم ، لهذا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم بحبل الله المتين . والتفرق إنما هو التشتت ومنه الفرق وهي الجماعات . وأمة الإسلام لم تخلق لتتفرق أي لتكون فرقا. والتفرق إنما يكون بالنزاع وهو الاختلاف لقول العرب تنازع القوم إذا اختلفوا ، وتنازعوا الشيء إذا تجاذبوه ، وتنازعوا في الشيء إذا اختصموا فيه ، وحتى حين يتنازعون الكأس أي يتعاطونها ، فإنها تتفرق بينهم ،الشيء الذي يعني أن التنازع تفرق . والتنازع يترتب عنه الفشل مباشرة ، وهو الضعف والتراخي والجبن في الشدة أو الحرب . وليس بعد الضعف والتراخي إلا ذهاب الريح . والريح سواء كانت تعني الغلبة والقوة ،وهي المقصودة في قول الله تعالى أو الرائحة والنشر ،أو الظاهرة الطبيعية في الهواء ، فذهابها واحد وهو الزوال حيث تزول الرائحة كما تزول الريح الطبيعية كما تزول الغلبة والقوة . والعامة عندنا تقول لم أجد رائحة الشيء إذا زال . والريح الطبيعية قوامها القوة فإذا سكنت زالت قوتها . والريح المعنوية وهي القوة والغلبة إنما تزول كما تزول الريح المادية سواء كانت هواء أم رائحة ونشرا . والآيتان الكريمتان يستشهد بهما أهل العلم من أمة الإسلام ،كما يستشهد بهما من لا علم لهم . وإذا كان لغير أهل العلم عذر في عدم تفعيلهما أو تطبيقهما أو تنزيلهما في واقعهم فلا عذر لأهل العلم في ذلك ، وليس عالم شيء مثل من جهل .
فعندما نتأمل الساحة الإسلامية من جاكرتا إلى طنجة لا نجد سوى أمة متنازعة فاشلة متفرقة غير معتصمة بحبل الله ، وهو ما يعني ذهاب ريحها أي زوالها عمليا مع وجود كيانات محسوبة على حبل الله بحدود ومسميات. وداخل حدود معينة في بلاد الإسلام مما يعتبر كيانا مستقلا بذاته نجد نفس النزاع والفشل والتفرقة وعدم الاعتصام بحبل الله ، ومن ثم تكون النتيجة الحتمية هي الفشل وذهاب الريح . ولنضرب مثلا بأمة الإسلام في مغرب الأرض . فأول ما يلفت النظر هو تنازع المغاربة المسلمون أي اختلافهم إلى إسلاميين وغير إسلاميين كما يصنفون أنفسهم بأنفسهم ، وكان الأجدر بالجميع أن يكون مسلما وحسب . وغير الإسلاميين يتنازعون السياسة أي يتجاذبونها ، ويتنازعون فيها أي يتخاصمون . ونفس الشيء بالنسبة للإسلاميين حيث يتنازعون الدين أي يتجاذبونه ، ويتنازعون فيه أي يتخاصمون ، وليتهم تنازعوه تنازع الكأس أي تعاطوه . وإذا كان أمر غير الإسلاميين مفروغا منه نظرا للمسافة التي تفصلهم عن ممارسة الاحتكاك بحبل الله عز وجل لأن منهم من لا يقبل شرعه أصلا كما هو حال العلمانيين ، فإن أمر الإسلاميين مختلف لأنهم لا يقفون موقف العلمانيين من حبل الله من خلال إبعاده عن حياتهم ، وهم بذلك في حل من الاعتصام به ،بل يشهد الإسلاميون على أنفسهم بالاعتصام به ، إلا أنه اعتصام بطرق شتى ،الشيء الذي يعني التنازع والخلاف فيه والتجاذب والخصام . فالساحة الوطنية فيها إسلاميون من أصناف شتى : سلفيون وطرقيون وحركيون ولا أذكر ما طرأ من دخيل العقائد الفاسدة . أما السلفية فجهادية أوغير جهادية ، ، وأما الطرقية فموالية للنظام أو معارضة له ، أما الحركية فسياسية أو فكرية و ثقافية واجتماعية . وهذه الأصناف موزعة الولاء بين الداخل والخارج ، ومختلفة المناهل والمشارب بالرغم من وجود حبل الله المتين . ولا تعي هذه الأصناف أنها من خلال التنازع والاختلاف في فهم حبل الله وتنزيله لا تكون إلا متفرقة ، وهي بذلك فاشلة وذاهبة الريح لا محالة . ولقد صارت كما جاء في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها قاصية الغنم التي يسهل على الذئاب أكلها . فها نحن نرى بأم العين ونسمع بأم الأذن ذئابا تختلي بالإسلاميين الذين صار إليهم الأمر بعد الربيع المغربي ، وتحاصرهم من كل جانب تعد لهم العيوب وتعددها ، وغيرهم ممن يفترض أن يكونوا معهم في الاعتصام بالحبل لا يحطبون في حبلهم ، بل ربما غرتهم الذئاب بمغازلة كاذبة ، فاستعذبوا أكل لحوم إخوانهم ، وصرموا حبلهم ، وهم يدركون جيدا أنه إن صار الأمر إلى الذئاب أكلتهم جميعا لا محالة وأذهبت ريحهم . ولئن أكل اليوم ثورهم الأبيض ففي الغد القريب سيأتي دور الأحمر والأسود . وما أحوج دعاة فئات الإسلاميين اليوم قبل غد إلى مؤتمر يضطرون إليه اضطرارا لا بطولة من أجل تدارك ذهاب ريحهم جميعا . فعلى الموصوف بالتكفير أوالعنف منهم ، والموصوف بالشطحات وعبور الرؤى والأحلام ، والموصوف بتعاطي الرقائق وسفاسف الأمور ، والموصوف بالتنطع الفكري وغير ذلك مما يصف به بعضهم بعضا حقيقة أو زورا أو غيبة أو بهتانا…. وعلى الموصوف بغير هذه الأمور أن يتخلوا جميعا عن أنانيتهم ، ويدعوا جانبا ما يعيبونه على بعضهم بسبب اختلاف فهمهم وتأويلهم لحبل الله وتنزيله تنزيل أهواء لا تزيل حق من أجل إنقاذ ريحهم الذاهبة لا محالة إن ظلوا على ما هم عليه من تنازع. أما زال فيهم بقية من عقلاء وأكياس معهم بقية من حكمة وسداد رأي لإنقاذ الريح الموشكة على الذهاب إن لم نقل الذاهبة ؟ وإذا ما استنكف المنتسبون إلى العلم منهم والدعوة وهم رؤوس الطوائف أو ملوكها عن الجلوس إلى بعضهم من أجل تدارس إنقاذ الريح الذاهبة ، فلن تنقذها أبدا قطعانهم التي يسوقونها خلفهم ، والتي يستقوي بها بعضهم على بعض في وقت تتربص بهم الذئاب الجائعة الكاسرة الدوائر . اللهم قد بلغت فاشهد ، وتبرأت من كل القطعان ما لم تعتصم بحبلك كما ترضى فاشهد أيضا .
Aucun commentaire