من خسة اللؤمان الإساءة إلى المكرمان
من خسة اللؤمان الإساءة إلى المكرمان
محمد شركي
يضيق الكريم أحيانا بزمانه عندما يكثر فيه اللئام ويقل الكرام ، ويوشك أن يعبر عن غضبه من سلوك اللئام من خلال التعبير عن تبرمه من زمانهم ، وقد يسأل الكريم ربه سبحانه أن يميته راحة له من شر زمان اللئام . والحقيقة أن الزمان محايد لا يتحمل مسؤولية لئام أو كرام ، لهذا أمر المسلمون شرعا ألا يسبوا الدهر لأن سبه يعني سب فعل الله ـ تعالى الله عما يصفون ـ . ولكل زمان لئامه ، واللؤم أو الملأمة أو اللآمة هي صفة كل دنيء الأصل، ومهين ، وخسيس ،وخبيث النفس. ويقال ألأم الرجل إذا ولد اللئام أو ضيع ما يدعوه الناس لأجله لئيما . ويقال استلأم الرجل إذا تزوج في اللئام . والملئم هو الذي يأتي اللئام .ولئيم الطبع يسمى اللأمان واللؤمان والملأمان و الملأم ، وكلها صيغ تستعمل للنداء، فينادى على اللئيم بقولهم : » يا ملأمان « أو » يا ملأم » أويا لأمان » أو » يا لؤمان » . وأهم ميزة في اللئيم والخبيث النفس والخسيس ، والمهين والدنيء جحود النعم وكفرانها بحيث يستفيد من جميل الغير ثم يتنكر له ، لهذا صدق عليه قول الشاعر :
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ///// وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
وصفة اللؤم هي نقيض صفة الكرم . والكرم من فعل كرم ـ بفتح الكاف وضم الراء ـ كرما وكرمة وكرامة إذا كان عزيزا ونفيسا، وجوادا ،وسهل الطبع، وصفوحا ، وسخيا ،ومعطاء. وتطلق صفة الكريم على كل الذي يرضي ويحمد . ويوصف القول بالكريم إذا كان جزلا ومفيدا . ويوصف الرزق بالكريم إذا كان كثيرا . ويوصف الوجه بالكريم إذا كان جميلا. ويقال فلان كريمة قومه إذا كان شريفا فيهم ، والهاء للمبالغة . وكريمة الرجل بنته ، وهي رمز شرفه. والأكرومة هي فعل الكرم . والتكرمة هي الوسادة التي يجلس عليها الإنسان تعظيما لقدره ، لهذا يشرف الكرام ضيوفهم بالوسائد . ويسمى واسع الخلق المكرمان ، وينادى » يا مكرمان » . وقد شرف الله تعالى صفة الكرم في كتابه العزيز ، فوصف بها ذاته المقدسة ( رب كريم ) ووصف بها رسوله ( رسول كريم ) ووصف بها كتابه ( قرآن كريم ) ووصف بها ملائكته ( ملك كريم ) وهو الرب الأكرم . ونزه الله تعالى كتابه فلم يرد فيه ذكر لصفة لئيم . وقولهم كرم الله وجه فلان أي شرفه . وحسب ابن آدم ألا تكون فيه صفة من صفات الكرام ليكون لئيما ، كما أن حسبه أن تكون فيه نقيصة واحدة من نقائص اللئام ليكن لئيما . واللئيم مخلوق هين تهون عليه نفسه، فيأتي القبيح من الفعل والقول ظلما وعدوانا بل أكثر من ذلك يأتي بقبيح القول والفعل مع من أحسن إليه القول والفعل . ومن خسة اللئيم أنه يتمرد على من أكرمه عكس ما يفعل الكرام الذين يتمردون على من تحدثه نفسه بإهانتهم . واللئيم يرد على الأكرومة بالدناءة وعلى الإحسان بالإساءة. وبسبب دناءة اللئيم يشتهر بين كرام الناس قولهم : » اتق شر من أحسنت إليه « ولا يقال ذلك إلا عن لئيم يرد على الإحسان بالإساءة . ولما أراد القائد الفاتح طارق بن زياد رحمه الله أن يقرب صورة أعدائه من أذهان جنده شبههم بالأيتام في مأدبة اللئام تعريضا بأعدائهم . ومعلوم أن اليتيم يحظى بالشفقة عند الكرام ، ولكنه سيء الحظ مع اللئام . وكان تعبير طارق بليغا ، وقد صار مثلا سائرا في الناس . ومن دناءة اللئيم افتراء الكذب على غيره عمدا بغرض الإساءة إليه وهو أكذب من يلمع كما يقال. ومن خسة اللئيم أنه سيء الظن بمن وما يحسن الناس الظن به . ولا يرجى خير من اللئيم ، ولا يستقيم عوجه ، وهل يستقيم الظل والعود أعوج ؟ ومن سوء اللئيم أنه سرعان من يغتر بنفسه، فيصير ذراعا فجأة بعد أن كان كراعا ، أو يكبركما تكبر الدمن من فرط ما يلقى فيها من زبالة. ومن غباء اللئيم أنه يحاول الروغان كما يفعل الثعلبان إذا ما علق بالحبال . ومن طبع اللئيم المكر لهذا يضرب دائما الأخماس في الأسداس . واللئيم لا يقر له قرار ولا يدوم على حال وهو قبضة رفضة . واللئيم مقتله بين فكيه ، ورأسه حصيد لسانه . واللئيم كلب ولو طوقته ذهبا . واللئيم عند من لا يعرف لؤمه كلامه عسل وفعله أسل . وإذا كان كلامه لينا فظلمه لا محالة بين . ورب كلمة يفوه بها اللئيم تسلبه نعمة ، فيرى الكواكب ظهرا . ولا يترك اللئيم لؤمه حتى يرجع الدر في الضرع . وأخيرا أقول لكل من ينخدع في لئيم إذا أذرف دمعا كذبا إن تحت الرغوة الصريح، ودونك قول الشاعر الحكيم يا منخدعا في اللئيم :
سوف ترى إذا انجلى الغبار //// أفرس تحتك أم حمار
Aucun commentaire