Home»National»(( إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ))

(( إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ))

4
Shares
PinterestGoogle+

  (( إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده  والعاقبة للمتقين ))

 

محمد شركي

 

كثيرا ما يتصرف الخلق في الأرض ،وكأنها دون مالك سبحانه وتعالى  يراقبها مراقبة دقيقة ، ولا تأخذه سنة ولا نوم . وربما  ظن بعض الخلق أن مهمة هذا الخالق سبحانه أن  يمسك السماوات والأرض أن تزولا ، ولا يعنيه  بعد ذلك شيء مما  يقوم به الخلق في الأرض  . وهذا سوء تقدير وسوء حساب  وسوء أدب مع رب العالمين جل جلاله . و هذا مخالف  لما جاء في آخر رسالة له موجهة إلى البشر حيث يقول جل شأنه : ((  إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين )) . فهذا النص القرآني واضح الدلالة بأن  ملكية الأرض  لله تعالى دون غيره  ، وهو يورث هذه الأرض  لمن يشاء من عباده  سواء كانوا صالحين أم طالحين ، لأنه  يمتحنهم ويختبرهم من أجل محاسبتهم  يوم  القيامة . أما وراثة الأرض بموجب هذا النص القرآني  فقد تكون للصالحين وللطالحين على حد سواء إلا أن العاقبة جعلها الله تعالى للصالحين دون الطالحين . ولقد تضمن القرآن الكريم إشارات  إلى تعاقب  الصالحين والطالحين  عبر التاريخ البشري على وراثة الأرض ، كما تضمن إشارات إلى العاقبة التي كانت للصالحين دون الطالحين .  والمقصود بهذه الإشارات تذكير البشر بقضاء الله عز وجل وقدره  ، وتصرفه في  ملكوته بما فيه الأرض التي  يوجد على ظهرها البشر . ومن هذه الإشارات  التي  تعتبر عبرة للمعتبرين  وراثة  النموذج الطالح للأرض في حقبة تاريخية خلت  ، وهو نموذج الفرعونية  التي هي  رمز من رموز الطغيان والاستكبار والعلو في الأرض دون  وجه حق . ولقد كانت مواجهة الصلاح  الموسوي للطلاح  الفرعوني في بداية الأمر مجرد حوار بالتي هي أحسن  كما جاء في الذكر الحكيم : (( وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين حقيق علي أن لا أقول على الله إلا الحق  قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل )) .  والمفهوم من خطاب موسى عليه السلام  أنه يحيل  على مالك الأرض، وهو رب العزة جل جلاله ، ولم يدع ملكيتها كما كان الفرعون يدعي ذلك .  وكان رد فعل الفرعون  على دعوة موسى  هو طلب  البرهان:  (( قال إن كنت جئت بآية فات بها إن كنت من الصادقين )) . وبعدما  قدم موسى  البرهان  والدليل على صدقه ، وقع  التشكيك فيهما من طرف ما سماه الله  الملأ الفرعوني  ، وهي  البطانة الطالحة للقيادة الطالحة : (( قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم  يريد أن يخرجكم من أرضكم )) .وجاء بعد ذلك التحدي الفرعوني ، وهو محاولة مواجهة الحق بالباطل، فكانت النتيجة هي هزيمة الباطل: (( فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين )) . وبعد هزيمة الباطل الفرعوني  جاء رد فعله بالتهديد والوعيد :(( إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين ))،  فشمل التهديد الفرعوني  حتى  أنصاره  الذين  كانوا مع باطله من قبل  بعدما  أذعنوا إلى الحق . وجاء  الثبات على الحق أمام تهديد الباطل: (( قالوا إنا إلى ربنا منقلبون وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين )) . وجاء تدخل الملأ الفرعوني من جديد  للتحريض : (( وقال الملأ من قوم  فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك )) ،  والملأ الفرعوني  الفاسد يرى الصلاح فسادا لأنه لم يعرف غير الفساد . ويستجيب الطغيان الفرعوني لتحريض بطانة السوء التي تحيط به:  (( قال  سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون)) . ويأتي رد الفعل على هذا التهديد  الفرعوني من الصلاح الموساوي  ،وهو تثبيت  لأهل الحق على الحق  مقابل  تهديد الباطل : (( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده  والعاقبة للمتقين  ))،  وقد تركز تثبيت موسى  لأهل الحق  لمواجهة التهديد الفرعوني  في  الاستعانة بالله عز وجل ، وهو المالك الحقيقي للأرض  ، وهو الذي يورثها من يشاء من عباده على اختلافهم صلاحا وطلاحا ، ثم الصبر على  العدوان ، مع التذكير  بالمالك الحقيقي للأرض والمورث لها من يشاء من عباده  ، وكذا التذكير بالعاقبة  والنهاية . وجاء الرد الإلهي على  التهديد الفرعوني:  ((  ولقد أخذنا آل فرعون  بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون )) ، (( فأرسلنا عليهم الطوفان  والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين )) ، وكان هذا الرد الإلهي عبارة عن علاج ومراجعة للطغيان الفرعوني  من أجل أن  يتراجع عن غيه وصلفه وطغيانه  واستكباره . وكان رد فعل  الطغيان الفرعوني بعد التحذيرات الإلهية عبارة عن خداع وتحايل : (( ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك  ولنرسلن معك بني إسرائيل فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون )) . وجاء الرد الإلهي  على خداع الطغيان الفرعوني (( فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم  بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين )) . وبالقضاء على الاستكبار الفرعوني،  مكن الله تعالى للذين كان يستضعفهم: ((  وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي بركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل  بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون )).  وهكذا حل توريث الله عز وجل  للمستضعفين الأرض التي هو مالكها الحقيقي  بعدما  كان قد ورثها  للمستكبرين فعاثوا فيها فساد بشرائع أهوائهم  متجاهلين شرعه سبحانه وتعالى .

ويمر الناس بهذه الإشارة  التي تناولت  صراع النموذج الفرعوني الطالح مع النموذج الموساوي الصالح دون  أخذ العبرة ، خصوصا وأن الأرض تعرف عبر التاريخ تناوب  النموذجين  حيث يورثها الله عز وجل  لهذا النموذج أو ذاك  ، في إطار اختبارهما  لتكون العاقبة  للتقوى أي للصلاح ، والنهاية  الأليمة  للطلاح . ولا يخلو عصرنا هذا من  نماذج فرعونية  ، ونماذج موساوية  بدأ احتكاكها مع بعضها  كبادية احتكاك موسى عليه السلام مع فرعون عليه اللعنة، مرورا بكل الممارسات الفرعوية  من  اشتراط الأدلة ، والتنكر لها والتهديد والوعيد  ، والغش والخداع،وانتهاء بالهلاك المحقق . فلو تأملنا  مسار  فراعنة الوطن العربي في هذا الزمان لوجدنا فئة منهم  استوفت  مسارها  الطغياني ، وانتهت  بالهلاك  على اختلاف  أنواعه  بين  قتل  وسجن وفرار ، بينما  لازالت فئة أخرى لم تستوف بعد حظها ، وبعضها  لا زال  في مرحلة المطالبة  بالدليل  على بطلان باطلها من أصحاب  الحق ، وبعضها لا زال  يتوعد ويهدد ، وبعضها  عمد إلى  الحيل والخداع على الطريقة الفرعونية بعد  ظهور المؤشرات  على  العقاب  الإلهي . والغريب  أن  يتأكد هلاك الاستكبار الفرعوني لدى  البعض دون أن يكون ذلك عبرة للبعض الآخر. وكما كان الملأ الفرعوني أو البطانة الفرعونية تتحرك من أجل  تمديد سلطان الباطل ،  فها نحن اليوم  نرى أنواعا مختلفة من  الملأ الفرعوني تعمل جاهدة من أجل  العودة  من جديد بالطغيان الفرعوني وباطله بعدما  أزهقه الحق . وعلى غرار مقولة الملأ الفرعوني في الماضي  نجد مقولات الملأ الفرعوني في الحاضر (( وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك )) . فالملأ الفرعوني  الفاسد يرى كل بارقة إصلاح فسادا ،  ويتخذ من أهوائه  آلهة  تصدر عنها تشريعاته عوض التزام شرع صاحب الأرض جل في علاه الذي يورثها من يشاء من عباده  مع  تخصيص  المتقين بحسن العاقبة . فهل  من متعظ بما جاء في  آخر  رسالة إلى الخلق  من مالك الأرض ومورثها لمن يشاء ؟

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *