أسس ومرتكزات الإصلاح التعليمي- الجزء الثاني: الطفل/التلميذ(ة)؛؛
أسس ومرتكزات الإصلاح التعليمي
الجزء الثاني: الطفل/التلميذ(ة)
بقلم: نهاري امبارك* يوم01 أكتوبر 2012؛
لقد عرف قطاع التعليم بالمغرب، ومنذ فجر الاستقلال إلى اليوم، أي على امتداد أكثر من نصف قرن، عدة إصلاحات، تعاقبت بتعاقب الحقب الزمانية والأجيال المتوالية، حيث شكلت عدة مجموعات لجان، انكبت على النظر في قضايا التعليم، فاتخذت قرارات واختيارات وفق تصوراتها الذاتية والغايات المرسومة لمنظومة التربية والتكوين، ما كان يؤدي بالطبع إلى فشل هذه الإصلاحات دون تحقيق المنتظر منها على الساحة التربوية والتكوينية، الأمر الذي انعكس سلبا على جميع الأصعدة، منها الاجتماعية والاقتصادية، وغيرها.
حيث إن أي متتبع أو متفحص لهذه الإصلاحات، يلمس بكل بساطة مجموعة من الاختلالات، تطال المكونات والعناصر الرئيسية للعملية التربوية والتكوينية التي تنهض عليها ومن أجلها المنظومة برمتها، والتي تعتبر الأسس والمرتكزات الحقيقية للإصلاح التعليمي ومنها الطفل / التلميذ(ة):
Ø فما موقع الطفل ضمن أسرته وبيته؟ وما هي التربية الأبوية والتنشئة الاجتماعية التي يتلقاها؟ وما دور التعليم الأولي؟ وما أثر ظواهر الطلاق واليتم والتشرد والإدمان على تمدرس الأطفال في ظل غياب رعاية حكومية واجتماعية؟ وما أثر مختلف الفضاءات خارج الأسرة والمدرسة على الطفل/ التلميذ؟
حيث، في اعتقادنا، أن أي إصلاح تعليمي يتناول، فقط، بالمعالجة والدرس والتحليل البرامج والمناهج والمقررات الدراسية والكتب المدرسية، ويرفع شعارات، ويقدم إنشاءات شمولية وفضفاضة، لن يجدي نفعا، ولن يتجاوب مع الغايات المرسومة، ولن يحقق الأهداف المسطرة، ما دام لم تصاحبه، أو على الأصح، لم يسبقه اهتمام وعناية بالأوضاع التربوية والاجتماعية والدراسية للطفل/ التلميذ سواء داخل أسرته أو في طريقه من وإلى المؤسسة التعليمية أو داخل هذه المؤسسة نفسها بمرافقها وحجراتها ومكاتبها.
وحتى نجيب قدر الإمكان على أسئلة الإشكالية المطروحة، سوف نعرض، واقع الطفل/ التلميذ ووضعيته حيث يعتبر المحور الأساسي للعملية التربوية والتكوينية، كما يعتبر الاعتناء به أسريا واجتماعيا إحدى الدعامات والأسس والمرتكزات الحقيقية التي ينهض عليها الإصلاح التعليمي، ونجاعة الخدمات المنتظرة من المنظومة التربوية والتكوينية حتى تضطلع بمهامها، وتؤدي رسالتها السامية تجاه تربية الأجيال المتعاقبة وتكوينهم وإعدادهم للحياة المهنية، إلى جانب خدمات مضامين المقررات الدراسية والبرامج والمناهج، وبموازاة لها، أو في تكامل معها، وتعاون متبادل، أخذا وعطاء.
من هذه المنطلقات فالطفل/ التلميذ(ة) يشكل، دون منازع، النواة الصلبة، وحجر الزاوية الحقيقي لكل إصلاح تعليمي: فمن هو الطفل/ التلميذ(ة)؟ وما وضعياته التربوية والاجتماعية ؟ وما هي المشاكل والصعوبات التي تعترضه؟ وماذا ينتظره من أي إصلاح تعليمي؟ ومتى يساهم في أي إصلاح تعليمي مرتقب؟
سنحاول، ضمن الفقرات الموالية، مناولة هذه الأسئلة وغيرها، مع التركيز على الصعوبات والمشاكل التي تعترض الطفل/ التلميذ والتي يجب التصدي إليها لضمان نتائج إيجابية لأي إصلاح تعليمي.
من المعلوم أن الأسرة تعتبر اللبنة الأولى لقيام جميع المجتمعات على وجه البسيطة. وكلما كانت الأسرة متماسكة، كلما كان المجتمع قويا ومتلاحما، وكلما كان مؤهلا لأداء رسالته. والأسرة مهد التنشئة الاجتماعية، حيث ينشأ الأطفال بين أحضانها، يكبرون ويترعرعون، وينهلون من التربية ما يؤهلهم لمواجهة متطلبات الحياة الاجتماعية والثقافية. كما تعمل الأسرة على توفير المناخ المناسب للأبناء داخل البيت، من رعاية أبوية وعناية واهتمام، وتسهر على تحلي الأبناء بالسلوك القويم والمعاملات الحسنة، كما تعدهم لمواجهة متطلبات الحياة، حتى يكونوا رجالا ونساء غد صالحين لأنفسهم ولمجتمعهم، ويتحملوا الرسالة المستقبلية ويؤدوها أحسن أداء، حتى تسير الحياة المجتمعية والإنسانية سيرا صحيحا، يضمن الأمن والراحة والهدوء والاستمرار ويحافظ على حسن الأخلاق والمعاملات.
إنه لا أحد يجادل في تأثر التربية الأبوية بالبيئة الثقافية والاجتماعية الممتدة خارج البيت، وبالتربية التي تلقاها الأبوان وخبراتهما السابقة المتراكمة عبر السنوات حسب اهتماماتهما وتجاربهما في الحياة وقناعتهما بما هو سائد في الوسط القريب منهما ، في إطار تفاعل مجموعة من العوامل النفسية والعاطفية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والمهنية.
فما هي الظواهر والمعيقات التربوية والاجتماعية التي تعترض سبيل الطفل/التلميذ وتؤثر في حياته الشخصية ومساره التعليمي أو تقف حجر عثرة أمام تمدرسه واستفادته من الخدمات التعليمية؟
سنحاول مناولة هذه الظواهر والمعيقات مبينين أدوار مختلف المؤسسات تجاه الأطفال لضمان تمدرسهم ولإنجاح أي إصلاح تعليمي، وذلك ضمن الفقرات التالية:
1. الطلاق:
« إن أبغض الحلال عند الله الطلاق ». والطلاق انفصال الزوجين عن بعضهما وفق أحكام الشريعة الإسلامية، لكن مخلفات الطلاق ثقيلة جدا، حيث من أكبر ضحاياه الأطفال، وخصوصا أطفال الأسر المعوزة التي تعاني الفقر والتهميش والأمراض والبطالة، وما أكثرها.
والطلاق يحطم نفسية كل من الزوج والزوجة، ومن آثاره السلبية المباشرة تشريد الأطفال، حيث الأم/الحاضن، المعوزة، غالبا ما لا تمتلك القدرة المادية والمعنوية لرعاية أبنائها وتوفير لهم الحاجيات الأساسية، إذ غالبا ما لا تفي النفقة بجميع الأغراض والمتطلبات من مسكن وأكل وملبس وتطبيب، ما ينعكس مباشرة على حياة الأطفال وتمدرسهم، ويؤدي بهم إلى الانقطاع عن الدراسة تحت وطأة الضياع وتكلفة الدراسة من كتب ومستلزمات وتنقل.
وعلى العموم فغياب الحنان الأبوي، جراء الطلاق، يؤثر سلبا على الأطفال، حيث يؤدي إلى تسيب الأخلاق والانحراف والتعاطي للمخدرات والإدمان، تحت شدة الشعور بالخوف والحزن والغضب المزمن، الأمر الذي يستحيل معه الالتحاق بالمدرسة أو متابعة الدراسة إلى مستويات عليا، ما يستوجب تدخلات عاجلة للسلطات الحكومية والمؤسسات الاجتماعية لإنقاذ أطفال الزوجين المطلقين من براثن الضياع والانحلال الخلقي والإهمال لضمان تمدرسهم ومتابعتهم الدراسة، حتى يحقق أي إصلاح تعليمي النتائج المنتظرة منه.
2. اليتم:
« كل نفس ذائقة الموت ». يعتبر اليتم حالة فقدان أحد الأبوين أو هما معا، ليبقى الطفل أو الأطفال اليتامى محرومين، خصوصا صغار السن، من الحنان والعطف والرعاية الأبوية. وأشد وطأة اليتم، فقدان الأم، حيث حنانها وعطفها ورعايتها لا يمكن أن تعوض، ولا يمكن أن يحل محلها أي شخص آخر.
وفي غياب الخدمات الاجتماعية الموجهة لمساعدة اليتامي، خصوصا أبناء الأسر المعوزة، يجدون أنفسهم، عرضة للضياع والتسكع والاستغلال بكل أشكاله: المادي والمعنوي وعلى جميع الأصعدة، موجهين جهودهم نحو الحصول على لقمة عيش وملبس ومسكن يقيهم حر الصيف وقر الشتاء، متخلين، في سبيل العيش، عن التمدرس ومنقطعين عن الدراسة، ليسهموا في تضخيم نسب الجهل والأمية والفقر والبطالة، معرضين للأمراض والموبقات وكل الآفات.
3. التشرد:
يعتبر التشرد حالة حياة الفرد دون مسكن. أما أكثر حالات التشرد مأسوية الأطفال، تحت عدة مسميات، منهم صحايا الطلاق واليتامي ومجهولو النسب والمتخلى عنهم ومغادرو بيت الأسرة والمغرر بهم لأسباب مختلفة. والأطفال المتشردون معرضون لكل أشكال العنف والاستغلال، كما أنهم هم الأكثر عرضة للانحلال الخلقي وآثار الإدمان وتناول المخدرات وتعاطي الفساد والإقبال على التسول وارتكاب جرائم خطرة، الأمر الذي يحول دون تمدرسهم في غياب رعاية المؤسسات الحكومية والإصلاحية والخيرية والجمعوية، والذي لن يجدي نفعا في أي إصلاح تعليمي، ما دامت لم توجه أي جهود نحو إنقاذ أطفال كثر من براثن التشرد والتسول والإهمال.
4. الإدمان:
يعتبر الإدمان حالة اضطراب سلوكي، ناتج عن تكرار فرد لفعل غالبا ضار بصحته النفسية والجسمية، ومؤد إلى اختلال توازنه العقلي واختلال وظائف مختلف أعضائه الحس-حركية والجسمية.
وتطال ظاهرة الإدمان التدخين وتناول المخدرات والكحول والقيام بأفعال ضارة ممارسة وسلوكا وأخلاقا، الأطفال صغار السن والقاصرين، خصوصا منهم الجانحين، وغير المراقبين من طرف أبويهم أو أولياء أمورهم، واليتامى وضحايا الطلاق والمشردين والمتخلى عنهم.
إن الأطفال المدمنين منهم ضحايا الطلاق، والمشردون، والمتخلى عنهم،و… هم أبناء المجتمع الذي عليه ألا يظلمهم، كما عليه أن يتحمل مسؤوليته تامة تجاههم، حكومة ومؤسسات أمنية ومدنية وجمعوية وخيرية، حتى يلتحقوا بصفوف المتمدرسين ويسايروا دراستهم كأطفال عاديين دون مركب نقص قد يعصف بحياتهم ويزج بهم في بؤر الانحلال والجريمة وفساد الأخلاق.
5. الذعارة والشذوذ:
تنتشر حتما عن ظواهر الطلاق واليتم والتشرد والإدمان و…. ظاهرة أحط وأخطر، تتجلى، وكما تشاهد وتتناقلها مختلف وسائل الإعلام، في ظاهرة الذعارة والشذوذ التي اخترقت، ولعدة عوامل، صغارا وكبارا، ليبقى أكبر ضحاياها الأطفال، في غياب المراقبة والضبط، ما يترتب عنه، انتشار العدوى بالمؤسسات التعليمية ومغادرة التلاميذ الأسلاك الدراسية، والانقطاع عن الدراسة، وتعزيز صفوف المنحرفين والعاطلين والمجرمين. لذا فمحاربة هذه الظواهر وغيرها أساس أي إصلاح تعليمي، واستمرارها يؤدي إلى فشل أي إصلاح تعليمي كان.
6. عدم توفر خدمات التعليم الأولي:
يعتبر التعليم الأولي أول طور تربوي ما قبل مدرسي في حياة الطفل التعليمية، تمهيدا لإلحاقه بالقسم الأول من التعليم الابتدائي. وتتم خدمات التعليم الأولي بعدة مؤسسات تختلف بنيات ومناهج، فمنها حجرات خاصة ببعض المدارس الابتدائية العمومية، ورياض الأطفال والكتاتيب القرآنية، التي تعاني مجموعة اختلالات من قبيل: محدودية العرض وانحصاره في التعليم الخصوصي وبالمدن الكبرى، وخصوصا بالأحياء الراقية وبعض الأحياء الشعبية، ونقص في البنيات التحتية والتجهيزات الضرورية وخصاص في الموارد البشرية وضعف تأهيلهم المهني، وتباين المناهج الدراسية، وهزالة أو غياب خدمات التعليم الأولي بالوسط القروي، ما يؤدي بالأطفال إلى صعوبة الانضباط والاندماج في الساكنة المدرسية ومجموعة الفصل الدراسي، وصعوبة المسايرة جراء الفوارق التربوية والمعرفية الشاسعة بين التلاميذ، حيث منهم من تلقى الخدمات التربوية الأولية ومنهم من لم يسبق له أن ولج لا روضا للأطفال ولا كتابا ولا « جامعا » خصوصا في الأحياء الهامشية والبوادي. ما يشكل عوائق نفسية وتربوية ومدرسية تحول دون السير العادي للعملية التربوية، وما يؤدي إلى الهدر المدرسي وضياع سنوات تمدرس كثيرة وهدر طاقات مادية وبشرية دون إنتاج ملموس. لهذا يبدو تعميم طور التعليم الأولي من أولويات وأهم مرتكزات أي صلاح تعليمي، يراد به تطوير منظومة التربية والتكوين والسير بها قدما نحو الأفضل.
7. بعد المدرسة وعدم توفر النقل المدرسي:
كثيرة هي المدارس البعيدة عن محال سكنى التلاميذ، وقليلة هي المدارس الجماعاتية التي تعتبر الحل الأنجع، إذا ما توفرت الشروط المطلوبة، لضمان تمدرس الأطفال ومتابعة دراستهم، خصوصا في المناطق النائية والجبال، حيث المسالك وعرة والمياه جارفة والفيضانات مباغتة وعدم وجود قناطر، حيث لا جدوى من دراجات لا نارية ولا هوائية تلحق أضرارا مادية ونفسية بالتلاميذ في ظل غياب طرق غير معبدة، وغياب وسائل النقل مدرسيا كان أم عموميا.
إن أي إصلاح تعليمي لم ينبن على شق الطرق المعبدة وإحداث المؤسسات التعليمية الجماعاتية، بالوسط القروي، لن يؤتي أكلا ولن يجدي نفعا.
8. أثر البيئة والفضاءات الموجودة بين الأسرة والمدرسة على الطفل/التلميذ:
بمجرد تخطي التلميذ(ة) عتبة منزله أو باب مدرسته، يرتمي مباشرة، أحب أم أبى، في أحضان بيئة وأماكن وفضاءات متعددة ومختلفة، يجهل، غالبا، ما تخفيه وما قد تمنحه إياه: فمرة يجد نفسه وسط فضاءات مفتوحة وساحات شاسعة تعج بالبشر، منهم الراجلون المشاة والمهرولون، ومنهم الواقفون والجالسون، ومنهم الأسوياء والمنحرفون، ومنهم الراكبون عربات وسيارات وشاحنات أو غيرها، يصرخون، تتعالى أصواتهم، يتلفظون بكلام يحز في النفوس. ومرات يقطع مسافات، دون شعور منه ودون رغبته، في الشوارع والأزقة والدروب، على الرصيف، أو غالبا ما يزدحم أو يتسلل بين السيارات، تحت وطأة المنبهات الصاخبة والصراخ المصم للآذان. ومرات أخرى يضطر، كرها، إلى عبور فضاءات أسواق ومحلات تجارية متنوعة السلع والمعروضات المغرية، راكضا من هنا إلى هناك، محاولا التواري عن أنظار مرتادي دور الملاهي والمقاهي الذين يحملقون دون كلل ولا ملل، ولا يتوانون في التلفظ بأحط المفردات على مرآى ومسمع المارة، الذين يشمئزون وتقشعر نفوسهم دون أن ينبسوا ببنت شفة. ومرات، تقوده وطأة التعب والضغط النفسي إلى حدائق وملاعب رياضة جماعية أو فردية، ليندم وبسرعة هائلة على حلوله بها من شدة المتناقضات بين ما يعاينه ويشاهده، وبين ما تلقاه عن أسرته ومدرسته من تربية سوية وسلوك قويم. أما التلاميذ مرتادو وسائل النقل العمومي، فينضاف إلى همومهم التدافع والركض والتسارع والجري والملاسنة والمناقرة وسط الازدحام اللامتناهي.
(يتبع)
* مفتش التوجيه التربوي، مكناس.
1 Comment
أستاذي انهاري امبارك أشكركم جزيل الشكر على نشر هذا الموضوع الجد هام والذي نستفيذ منه كثيرا أتمنى ان ينشر اصحاب الإختصاص مثل هذه المواضيع التي تهمنا نحن كمتصفحين لموقع وجدة سيتي وأنا على يقين بأن الموقع يفتح دراعيه لكل واحد يريد أن ينشر مثل هاته المواضيع المهمة. كما أغتنمها فرصة لكي أشكركم أستاذي الفاضل على تطرقكم لموضوع أطفال الطلاق المحرومون من نصف الحنان إما حنان الأم أو الأب وتأثير ذلك على حياتهم الدراسية وهي مواضيع قليلة فلا يتم التطرق اليها في أغلب الأحيان .نتمنى التوسع في هذا الموضوع لما له من أهمية في حياة أطفال الطلاق كما أتمنى أن ينشئ مكتب للمساعدة الإجتماعية داخل كل مؤسسة تربوية لتتبع أطفال ما بعد الطلاق ولجميع التلاميذ في وضعية صعبة والمشار الى انواعها في المقالة فوق لتعميم الإستفادة ولانشاء منصب شغل داخل كل مؤسسة… أشكركم جزيل الشكر وننتظر الباقي.
والسلام عليكم ورحمة الله