قراءة في فقرات الخطاب الملكي السامي الخاصة بالمنظومة التربوية
قراءة في فقرات الخطاب الملكي السامي الخاصة بالمنظومة التربوية
محمد شركي
سبق لي أن نشرت مقالا له علاقة بما جاء في خطا ب تزامن مناسبة ذكرى عيد الشباب مع مناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب ،وتحديدا ما تعلق بالمنظومة التربوية ،وتساءلت فيه هل ستكون الوزارة الحالية في مستوى تفعيل التوجيهات الملكية السامية بخصوص إصلاح هذه المنظومة ؟ واليوم أعود إلى فقرات الخطاب الملكي السامي الخاصة بالمنظومة التربوية من أجل نوع من القراءة تعكس وجهة نظر مشتغل بالتربية لأن فقرات الخطاب الملكي السامي تستوجب العديد من القراءات حسب مواقع القراء قربا وبعدا من المنظومة التربوية .
بداية جاءت الإشارة في الخطاب الملكي السامي إلى المنظومة التربوية لعلاقتها بالشباب الذين يشكلون حسب القناعة الملكية الثروة الحقيقية للوطن باعتبار دورهم الفاعل في تطوره ، وهو ما يفرض الإصغاء لانشغالاتهم والتجاوب مع تطلعاتهم. وإيمانا من القناعة الملكية السامية بأن المنظومة التربوية هي القادرة على تكوين الأجيال الصاعدة وإعدادها للاندماج الكامل في المسار التنموي الديمقراطي للمجتمع ، جاءت الدعوة للانكباب الجاد على هذه المنظومة التي تضعها الإرادة الملكية السامية في صدارة الأسبقيات الوطنية . فعندما نتأمل موقع ومكانة المنظومة التربوية ضمن الانشغالات الملكية نجدها في صدارة الاسبقيات الوطنية وذلك لعلاقتها بالثروة الحقيقية للوطن التي هي الشباب .والحديث عن موقع الصدارة ليس مجرد حديث عن موقع معنوي وشرفي ، بل هو حديث عما يجب تجاه هذه المنظومة من تكاليف مادية ، وهذا يجب أن ينعكس على الميزانية المخصصة لها ضمن الميزانية العامة. وهذا الأمر يتضح بجلاء عندما تبين فقرات الخطاب الملكي السامي ما يجب أن يهتم به في المنظومة التربوية ، وهو ليس فقط الولوج العادل والمنصف إلى المدرسة والجامعة للجميع ، وهذا مطلب كمي صرف بل هو الاستفادة من التعليم الموفور الجدوى والجاذبية وملاءمة الحياة التي تنتظر الشباب وهذا مطلب كيفي. وما يفهم تربويا من هذه الفقرة هو تجاوز الرهان عن الجانب الكمي ، وهو ما ينفق فيه المسؤولون عن المنظومة عادة وقتا طويلا عندما يقومون بتقييمها سنويا حيث يتسلحون بالنسب المئوية الخاصة بحجم الولوج إلى المدرسة والجامعة دون تحديد نسب الكيف المتعلقة بالجدوى والجاذبية وملاءمة الحياة. ومعلوم أن العبرة بالكيف وليس بالكم . فالكم يفرضه منطق مبدأ المساواة ومبدأ تكافؤ الفرص بين أبناء الشعب ، ولكن هذا لا يكفي إذ لا بد من الكيف المتعلق بجدوى أو بنوعية التعليم . والجدوى والنوعية لا تتأتى بمجرد رفع الشعارات والتحديات على مستوى القول ،بل لا بد من فعل . فمعلوم أن تحقيق الجانب الكمي له مصاريفه التي تقتضيها البنيات التحتية والموارد البشرية ، كما أن الجانب الكيفي له أيضا مصاريفه والتي ربما تفوق أضعافا مضاعفة مصاريف الجانب الكمي ، لأن الجدوى من التعليم تنفق عليها الأمم العريقة في الحضارة والتطور والتقدم الكثير. وتحدد فقرات الخطاب الملكي المقصود بجدوى التعليم وجاذبيته وملاءمته للحياة ، وهو تطوير الملكات واستثمار الطاقات الابداعية ، والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فالجدوى حسب هذه الفقرة من الخطاب الملكي السامي تعني المخرجات الملموسة ، وهي عبارة عن منتوج ملموس يعكسه الإبداع. ولا يمكن الاستفادة من الإبداع إلا إذا تم توفير الظروف المناسبة له . وقد ورد ذكر الكرامة وتكافؤ الفرص في سياق الحديث عنه ، فلا يمكن أن تنطلق الإبداعات في غياب الشعور بالكرامة ، وفي غياب مبدأ تكافؤ الفرص ، وهو مبدأ لا يتأتى في ظروف المحسوبية والزبونية والسمسرة وتوريث الآباء للأبناء ما لا يحق توريثه حيث يصير التوريث في كل القطاعات . ومعلوم أن الإبداع لا علاقة له بالوراثة ، وقلما تحصل الوراثة فيه . وبناء عليه لا بد أن يكون بمقدور كل مواطن مغربي مهما كان انتماؤه الاجتماعي أن يتبوأ المكانة التي تناسب إبداعاته ، وألا يواجه عراقيل من قبيل الاستحواذ على المهام عن طريق التوريث أو المحسوبية والزبونية . وتحدد فقرات الخطاب الملكي السامي المقصود باستثمار الطاقات الإبداعية ، ويتعلق الأمر بإعادة النظر في المقاربات والطرق التي تفضي إلى اكتساب المهارات وتنمية القدرات التي تمكن من الإبداعات . ولا يمكن أن تنمو القدرات وتكتسب المهارات في ظل بيداغوجيا المحتويات التي تقتصر على تلقين المعارف تلقين اجترار ، بل في ظل بيداغوجيا الكفايات . وحتى لا تختزل عملية إصلاح المنظومة التربوية كالعادة في عملية تغيير البرامج عن طريق الحذف والإضافة، فقد حسمت فقرة الخطاب الملكي السامي الأمر حسما مستبعدة اختزال الإصلاح بهذا الشكل ، مشيرة إلى أن الإصلاح المنشود يتعلق بتغيير نسق التكوين ، ويتعلق الأمر بالانتقال من بيداغوجيا المحتويات إلى بيداغوجيا الكفايات. وهنا يجب ألا تظل بيداغوجيا الكفايات مجرد شعار، بل لا بد أن تترجم إلى واقع ملموس. ولا يجب أن يتكرر خطأ تجريب مقاربات ذات الصلة ببيداغوجيا الكفايات عن طريق تنزيلها بشكل ارتجالي دون مراعاة شروطها كما حدث بالنسبة لإجراء ما يسمى بيداغوجيا الإدماج الذي استغل في عهد الوزارة السابقة كقارب نجاة ، ثم استغل في عهد الوزارة الحالية ككبش فداء لتبرير فشل رباعية الإصلاح . والذين رفضوا بيداغوجيا الإدماج كبيداغوجيا وليس لسوء تنزيلها الذي لم يراع شروطها ، يجدون أنفسهم اليوم في حرج أمام فقرات الخطاب الملكي الذي كرر مقولة هذه البيداغوجيا التي تراهن على الكفايات والمهارات والقدرات ، ولا تراهن على المحتويات والمعارف . وهنا يبدو قرار الوزير الحالي متسرعا عندما غامر بإلغاء بيداغوجيا الإدماج استجابة لضغط جماعات الضغط التي رفضتها تجنبا لما تتطلبه من جهود ،علما بأن الوزارة الوصية هي المسؤولة عن سوء تنزيها الخلل يكمن في تنزيلها وليس فيها كبيداغوجيا. وكان حريا بالوزير الحالي كما أنصحه دائما أن يضع حجرا في سرواله ، وينتظر تجربة موسم دراسي، وتفعيل المجلس الأعلى للتربية والتكوين الذي له صلاحية البث في المنظومة التربوية ،وهو ما نص عليه الخطاب الملكي السامي . فهل سيتم التراجع عن القرارات الوزارية المتسرعة والارتجالية ، والمناقضة لروح الخطاب الملكي ؟ ذلك ما ستكشفه الأيام القادمة ونحن في بداية موسم دراسي جديد تزامن مع دستور جديد وعهد جديد ، وإرادة جديدة لا تنسجم مع تدبير وزاري أكل عليه الدهر وشرب ،وهو تدبير ماضوي لا يساير وضعية المغرب المعاصر .
1 Comment
Si Chergui, tu as quelque part raison : le problème (si on veut absolument s’en inventer un), c’est le non-professionnalisme, toutes les pédagogies se valent, si on veut leur concéder le droit de cité… Or, ce qui se passe, à commencer par les perents et en « finissant » avec les « pros » que nous sommes cencés être… l' »affaire » est là où nous la rejetons ; dans l’ailleurs qui permet à tous la prise de micro… très schizo (…)