Home»National»التدين بدافع الاضطرار مهما كان نوعه تدين مغشوش

التدين بدافع الاضطرار مهما كان نوعه تدين مغشوش

0
Shares
PinterestGoogle+

التدين بدافع الاضطرار مهما كان نوعه تدين مغشوش

 

محمد شركي

 

تابعت يوم أمس برنامج :  » محققون  » على قناة ميدي 1 سات وقد تناول قضية ما يسمى الجماعة المهدوية التي ألقي القبض على زعيمها  بتهمة النصب والاحتيال والإساءة إلى العقيدة . وما أثار انتباهي  في هذا البرنامج هو ضحايا هذه الجماعة الذين انضموا إليها عن طريق ما يمكن تسميته الإغراء الروحي . ومع أن البرنامج استضاف العديد من الشهادات بما فيها الشهادات الشرعية كشهادة فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي المحلي بوجدة وعضو المجلس العلمي الأعلى  الذي أشار  إلى ما جاء في التراث الإسلامي عن قضية ما يسمى المهدي المنتظر من خلال نصوص ليست بالقطعية  ، فضلا عن شهادات بعض طلاب الشهرة الذين يتصيدون القضايا الشاذة حبا في الظهور والتميز الشاذ على غرار شذوذها ، ورغبة في حيازة صفة التخصص  غير المسبوق . والذي أثار انتباهي هو كلمة صادرة عن  فاعل جمعوي كما وصفه البرنامج، والذي أثار الانتباه إلى وضعية  مدينة تاوريرت  الاجتماعية المزرية ، وهي  مدينة  بلا هندسة معمارية ولا تخطيط،  يحاصرها الفقر وما يقتضيه من كل أنواع الكفر.  وأشار الفاعل الجمعوي إلى  أن مدينة تاوريرت هي  مناخ مناسب  للتدين المغشوش الذي أصله الاضطرار وليس الاقتناع . ومعلوم أن الغش هو نقيض النصح ، وهو إظهار خلاف ما  تضمر النفس  ،  وأصل التسمية من الغشش  وهو المشرب الكدر ، وكل  شيء فيه كدرة ، وقد يطلق الغش على الحقد  وعلى سواد القلب وعبوس الوجه. والذي يمارس الغش يسمى  الغش ـ بضم الغين ـ وجمعه الغشون ـ بضم الغين والشين وتضعيفها ـ  وقد يسمى الغاش  وجمعه الغششة والغشاش ـ بضم الغين ـ . ومعلوم أن الإنسان  خلق في كبد وهو يخوض غمار الحياة الدنيا التي هي فترة ابتلاء واختبار  حسب الاعتقاد الإسلامي . والمكابدة تقتضي الصبر والمصابرة والتحمل ، وقليل من الناس من يتحملها ، لهذا  يستسلم الكثير منهم ويفشلون، الشيء الذي يجعلهم يعانون من أزمات نفسية حادة،  ويفكرون بعد ذلك في التخلص منها  بشكل من الأشكال . ومن أشكال التخلص من  معانات الأزمات النفسية الهروب من الواقع المؤلم عن طريق  تغييب الوعي بواسطة  المشروبات الكحولية  والمخدرات وغيرها . كما أن من أشكال الهروب الفرار واللجوء إلى التدين المغشوش ليس رغبة فيه لذاته  أو في  حد ذاته ،وإنما فرارا من آلام المعانات . وليس من قبيل الصدف أن يشترك الفرار بواسطة المشروبة الكحولية والمخدرات  مع التدين المغشوش في صفة الروحية والسكر ، فأصحاب المشروبات الكحولية يسمونها المشروبات الروحية لأنهم يلتمسون فيها الخلاص من حالات الوعي التي تسبب لهم آلام المعانات ، وفي المقابل يقتبس  أصحاب التدين المغشوش  من  أصحاب  المشروبات الكحولية لفظ السكر ، فهما معا يجتمعون  في قضية الانتساب إلى عالم الروح  وإلى عالم السكر، وكلا العالمين  إنما هو وسيلة خلاص من المعانات التي يكابدها الفاشلون في خوض غمار تجربة الحياة .  وتختار شريحة  ثالثة من الفاشلين  وسيلة الانتحار  من أجل وضع حد للمكابدة والمعانات . والملاحظ غالبا في المتدينين  الذين  يعيشون في أوساط فقيرة، وفي ظروف قاسية أنهم يضطرون إلى التدين فرارا من قساوة ظروفهم ، ومنهم من  تنقطع صلته بالتدين بمجرد تجاوز هذه الظروف. ولما كان الفقر هو أهم ما يميز هذه الظروف الصعبة ، فإنه العامل الرئيسي في طلب البعض الخلاص في التدين  ، ويكون  هذا التدين مغشوشا  حيث يظهرون التدين ويبطنون الامتعاض من الفقر وسوء الحال . ويجد مثل هؤلاء في  التدين عوضا حيث  يلتمسون فيه الغنى المعنوي الذي يغنيهم عن الفقر المادي  خصوصا وأن  الدين الإسلامي  يفضل حياة الجزاء الخالدة على حياة الابتلاء الفانية. ولما كان ضحايا الفقر  في الحياة الفانية فاقدي  الأمل ، فإنهم يجدون العزاء في  الحياة الخالدة عن طريق  التدين المغشوش أو تدين الاضطرار . ولما كان هؤلاء ضعاف الهمم والإرادات  ولا يستطيعون الصمود أمام مكابدة قساوة الحياة ، فإنهم يصيرون لقما سائغة لكل من  يدلهم على التدين بشكل متطرف وموغل في  الوهم والخيال الذي يبهرج لهم على أساس أنه الجانب الروحي في التدين ، ولهذا نلاحظ أن  المضطرين للتدين بسبب سوء الأحوال المعيشية هم أكثر الناس تطرفا في ممارسة الطقوس التعبدية ، وأكثرهم تشددا في الأحكام ، وأكثرهم قساوة ونقمة من الناس. وليس من قبيل الصدفة أن يطلق لفظ الغش على سواد القلب وعلى الحقد . ومن هؤلاء من يبلغ به التطرف في التدين المغشوش إلى حد تأويل النصوص الدينية لتبرير الإجرام والقتل ، حيث تصير فريضة الجهاد المقدسة عند هؤلاء مجرد إجرام ، وفرصة انتقام من المجتمع الذي تركهم عرضة للفقر والفاقة وسوء الحال . وتصير عقيدة التكفير هي الغالبة على هؤلاء ، فلا يسلم من تكفيرهم أحد ولأتفه الأمور من قبيل حلق اللحى أو إسبال الثياب وما شابه مما لا يصح مؤشرا للحكم على بواطن الناسو ما يعتقدون .  وكما  يجتمع نوع من الفاشلين أحيانا حول زعيم عصابة إجرامية  على طريقة الصعلكة المعروفة في التاريخ العربي من أجل الانتقام لفقرهم عن طريق السطو ، يجتمع أيضا نوع آخر من الفاشلين حول دعي  يدعي  الصفاء الروحي  ،ويحلق  بهم في عوالمه الخيالية ، ويعدهم ويمنيهم وما يعدهم إلا غرورا. وقد تتسع دائرة هذا الدعي فيصير قطبا أو زعيما  خطيرا أو  مجرد زعيم مثير للسخرية كما هو حال المهدي المنتظر الذي ظهر في  تاوريرت و التي لم يرد ذكرها ضمن الجغرافيا التي تناولت الحديث عن المهدي المنتظر كما جاء في كلمة السيد رئيس المجلس العلمي المحلي بوجدة .  ولما كان زعماء الفاشلين الذين يضطرون للتدين المغشوش هم أول ضحايا الفقر، فإنهم يستغلون صعاليكهم الاستغلال المادي ، فيفرضون عليهم ضرائب عن طريق ما يمكن تسميته بالابتزاز الروحي علما بأن عقيدة هؤلاء الزعماء المهزوزة تراهن بالدرجة الأولى على ما يسمى الطاعة العمياء التي تشبه التنويم المغناطيسي  عند المرضى النفسانيين . فأتباعهم  يقعون في شراك الطاعة العمياء ، ويعتقدون فيهم كل ما يدعونه لأنفسهم من طهر روحاني ومن شفافية ، ومن كشف لحجب الغيب ، ومن قدرة  على الضر والنفع . وقد شهد محامي  الجماعة المهدوية بأن  أحد الأتباع  قال بالحرف الواحد :  » لو قال لي  زعيم الجماعة أنا نبي لصدقته «   وهو ما أحرج هذا المحامي الذي حاول أن ينتزع من زعيم الجماعة أمام القضاء نفيا بأنه ادعى أنه المهدي المنتظر ليصدقه مريده المغفل  أو النائم مغناطيسيا . وعن طريق النصب والاحتيال  باسم التدين المغشوش يغتني زعماء  الفاشلين الفارين إلى هذا النوع من التدين ، وأكثر من ذلك  يستغل هؤلاء الزعماء ضحاياهم جنسيا أحيانا عندما  يسطون على زيجاتهم بدعوى أن أنكحتهم معهن فاسدة لا يرضى عنها الله تعالى الله عما  يلفقون ويصفون . وقد ثبت أن  زعيم المهدوية  مارس هذا النوع من الابتزاز على مريده ،وحتى على من رفض أن يقر بزعامته المغشوشة كما هو حال ختنه زوج شقيقته التي طلقها منه لسوء حاله من أجل أن  يزوجها ممن هو أحسن حالا منه  على ما يبدو مع أنه قد أنجب معا طفلة يتمت  ووالدها على قيد الحياة . ويخدع هؤلاء الزعماء ضحاياهم بأن مكانتهم أفضل من  الوالدين والأقربين  ، لهذا  يهجر هؤلاء الضحايا أقاربهم خصوصا الوالدين من أجل  البرهنة على مكانة هؤلاء الزعماء في نفوسهم  على طريقة تضحية الفرق الماسونية و فرق المافيا . ولقد بدا  أحد الآباء في البرنامج كئيبا وأجهش بالبكاء لما حل بأحد أبنائه من ضحايا المهدوية وقد  تخلص من تجارته وفر من المهدوية إلى خارج الوطن خوفا من تهديدات أعضائها الذين تحولوا من جماعة متدينة إلى  عصابة إجرامية تهدد بالقتل والتصفية على غرار  باقي العصابات الإجرامية المحترفة ، والسر في ذلك الغش الذي يعني سواد القلب والحقد ، والذي مصدره التذمر  والسخط  من ظروف الحياة القاسية التي كانت سببا وراء اختيار التدين المغشوش . وأخيرا  أعتقد أن  تحسين ظروف عيش الفاشلين في الحياة كفيل بإنقاذهم من التدين المغشوش  أو تدين الاضطرار .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *