التعويضات : مكافأة أم تحايل على ميزانية الدولة ؟ : بقلك عمر عمر حيمري
التعويضات : مكافأة أم تحايل على ميزانية الدولة ؟ : عمر حيمري
العمل هو كل مجهود عقلي أو عضلي يقوم به إنسان ما بإرادة ووعي بقصد تحقيق منتوج أو سلعة معينة ، تشبع حاجاته البيولوجية والاجتماعية والنفسية ، وهو غاية إنسانية ، يقر بها الفرد والمجتمع وواجب في الحياة وله قيمة دينية ، قد تصل إلى درجة العبادة ، حث عليها الإسلام في قوله تعالى : [ هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ] (سورة الملك آية 15 ) وفي قوله [ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا ] (سورة القصص آية 77 ] و قوله [ فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله …] (سورة الجمعة آية 10 ) والرسول صلى الله عليه وسلم من جهته حث على العمل ورغب فيه ،كما هو واضح في قوله صلى الله عليه وسلم ( إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليفعل )( رواه أنس بن مالك ) وفي قوله : ( ما أكل أحد طعاما قط خير من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده ) ( رواه البخاري رضي الله عنه ) كما رغب صلى الله عليه وسلم في سرعة دفع الأجر والموازنة بينه وبين الإنتاج ،على أساس المردودية والاستحقاق، تفاديا لكل تماطل في دفع الأجر أو تطفيفه . الشيء الذي قد يفسد العلاقة بين العامل ورب العمل ، فينعكس ذلك سلبا على الإنتاج أو الجودة والابتكار… ، فقال صلى الله عليه وسلم ( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ) ، ويروي البخاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث قدسي ( قال الله : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته ،رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره .)
….أما الوظيفة فهي القيام بإنجاز مهمة معينة ومحددة سلفا في إطار نوع من العمل أو مهنة معينة أو تخصص معين تترتب عنها حقوق وواجبات ومسؤوليات وشروط يتفق عليها مسبقا . ومن هذه الشروط دفع الأجر للموظف في آخر الشهر ويسمى الراتب أو في أي زمان آخر يتفق عليه ، كاليوم أو الأسبوع أو نصف الشهر ، ويطلق عليه الأجر .
أما التعويض ، فهو مكافأة مادية شهرية أو سنوية ، تقدم اعترافا من الجهة المشغلة بالمجهود الزائد الذي يقوم به الموظف، على مستوى الوقت والإنتاج والجودة والمهارة والإبداع والتطوير المستمر … وترغيبا له في مهمته وسعيا وراء تحقيق الأهداف والأرباح المتوخاة من الوظيفة أو العمل . إلى هنا تبدو مسألة التعويض ، أمرا عاديا ومقبولا ، عقلا وشرعا ، لأن من حق الموظف أن يحسن وضعيته المادية ويستفيد من وراء مواهبه وإمكانياته وقدراته المسخرة في سبيل الرفع من الإنتاج والمر دودية والجودة ، وعلى هذا الأساس فهو يستحق المكافأة ، حتى يتناسب الأجر مع المجهودات الزائدة ، مما يجب على رب العمل أن يدفع الأجر بقدر الجهد والإنتاج وأن لا يبخس أو ينقص أو يقلل من أجر الموظف أو العامل[ ولا تبخسوا الناس أشياءهم ]( سورة الشعراء آية 183 ) وإلا أطاله عقاب الله لقوله تعالى [ ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ] (سورة المطففين آية 1- 2- 3) والمطفف هو الذي لا يوفي الحق لصاحبه ، سواء كان هذا الحق كيلا أو وزنا أو أجرا … وقد أوعده الله بسوء عذاب الويل ( واد في جهنم ) وسوء العاقبة . إلا أن التعويض الذي أثار هذه الأيام جدلا واسعا واتهامات عديدة بين السياسيين ، كما أثار تساؤلات عديدة بين المواطنين حول مشروعية استفادة الموظف – دينيا وأخلاقيا – من التعويضات الزائدة عن الأجر المتعاقد عليه مع الدولة .خصوصا وأن هذه التعويضات أو العلاوات تصرف لبعض الموظفين دون غيرهم بعيدا عن مبدأ الاستحقاق والعدل والمساواة ، وعن منطق التناسب بين الأجر والزيادة في الإنتاج والمردودية والجودة .
إن العقل والمنطق يفرض التعويض ويوجبه ، في حالة الرفع من الإنتاج والجودة ، حتى لا نبخس الناس أشياءهم ، كما يفرض الخصم والاقتطاع من الأجر في حالة ضعف الإنتاج أو قلته أو رداءته ، بسبب التهاون والإخلال بالواجب وبالاتفاق والتعاقد المضرم بين الموظف والموظف تحقيقا للعدل .
لكن حينما يتقاضى الموظف تعويضات على جملة من المهام ، التي تدخل في إطار الوظيفة المكلف بها ومن ضمنها ، قد تفوق الراتب المتفق عليه بعشرات المرات وربما بمئات المرات ،فهنا نجد أنفسنا أمام سؤال عريض ومشروع ، حول مدى مشروعية التعويضات ، التي تصرف للموظفين ؟ ( -أرجو من العلماء أهل الاختصاص الإجابة عنه -) . فمثلا من مهام موظف المالية الجباية ، ومن مهام الأستاذ التصحيح ، ومن مهام الإدارة التربوية الإشراف على الامتحانات والصهر عليها ، ومن مهام رجل الأمن والسلطة والجيش المحافظة على سلاحه ، ومن مهام العالم القيام على الشأن الديني ، ومن مهام البرلماني الحضور ألا مشروط إلى قبة البرلمان للتعبير عن من وضعوا فيه ثقتهم ، لأنه تطوع لذلك مختارا لا مرغما ، ومن مهام الوزير التنقل بين الأقاليم وحضور الاجتماعات ، للوقوف على المشاكل ومحاولة علاجها ….فلما التعويضات إذن ؟ عن هذه المهام وهي جزء لا يتجزأ من الوظيفة الأساسية ؟
حينما يصبح التحايل على التعويض ، قاعدة مقبولة ، وعرفا سائدا بين مسؤولي المؤسسات وموظفيها ، عند ذاك تختلط المفاهيم ، فيتحول التعويض إلى رشوة ، والرشوة إلى تعويض ، والوظيفة إلى مجرد مؤسسة كبيرة يتم من خلالها تبادل المصالح والعلاوات أو التعويضات والمنح . مع العلم أن التحايل على التعويض ، لأي سبب كان ، لا يجوز شرعا ولا عرفا وليس من أخلاق المواطن الصالح كيف ما كانت مبادؤه السياسية والدينية .
إن كل درهم يؤخذ كتعويض ، عن المهام التي تدخل في إطار الوظيفة المتعاقد عليها ، دون جهد أو إنتاج زائد أو تطوير وإبداع ، ودون مراعاة للمساواة بين الموظفين ، هو في تصوري ، سرقة للمال الخاص والعام وأكل له بالباطل وفساد أقره المفسدون واصطلحوا على مشروعيته وإباحته .
يبدو أن محمد نجيب بوليفة الوزير المنتدب المكلف بالشؤون العامة والحكامة ، قد انتبه إلى هذا الخلل الموجود في نظام التعويضات ، والذي يكلف خزينة الدولة ملايير الدراهم سنويا ، فشدد على ضرورة إعادة النظر فيه كليا ، على أساس معيار الجودة والمردودية والتطوير المستمر والابتكار الدائم ، وذلك ترشيدا للنفقات العمومية وحفاظا على المال العام والدفع باقتصاد البلاد إلى الازدهار .
بقلم عمر حيمري
Aucun commentaire