أحقا الأمة العربية قدرها أن تعيش إما تحت حكم أنظمة مستبدة فاسدة أو تواجه مصير الفوضى والاقتتال ولا خيار ثالث لها ؟؟؟
أحقا الأمة العربية قدرها أن تعيش إما تحت حكم أنظمة مستبدة فاسدة أو تواجه مصير الفوضى والاقتتال ولا خيار ثالث لها ؟؟؟
محمد شركي
جمعتني الظروف ببعض الفضلاء ، ودار بيننا حديث طويل بدأ بالمنظومة التربوية وما تعانيه من مشاكل كبرى، وأفضت بنا شجونه إلى الأوضاع السياسية في الوطن العربي . وقد أبدى أحد هؤلاء الفضلاء تخوفا من استبدال الأنظمة العربية المستبدة الفاسدة بالفوضى والاقتتال بين شعوبها كما هو واقع الحال في بعض الأقطار العربية . وأثار هذا التخوف في ذهني تساؤلا لم أفلح في استبعاده نظرا لإلحاحه ، وهو : أحقا الأمة العربية قدرها أن تعيش إما تحت حكم أنظمة مستبدة فاسدة أو تواجه مصير الفوضى والاقتتال فيما بينها ولا خيار ثالث لها ؟ ولا يمكن أن أقنع نفسي بأن الأمة قدرها هو ثنائية لا ثالث لها . فلماذا لا يمكن التفكير في الخيار الثالث وهو التخلص من الأنظمة الفاسدة وتجنب الفوضى والاقتتال في نفس الوقت والانتقال إلى مرحلة الديمقراطيات الحقيقية ؟ وما المانع من أن تنجح الأمة العربية في التخلص من حكامها المستبدين الفاسدين الذين وجدوا بعد استقلالها عن الاحتلال الغربي من أجل أن يكرسوا التبعية لهذا الغرب عن طريق حكم شعوبهم بالحديد والنار وأجهزة المخابرات والمعتقلات والملاحقات ، وعناصر البلطجية والشبيحة وما إلى ذلك من تسميات تطلق على العصابات الإجرامية التي تستخدم لتركيع الشعوب وترهيبها ؟ ولقد باتت بعض الأصوات في البلاد العربية التي لم تعرف الحركات التي أسقطت بعض الأنظمة الفاسدة المستبدة تحاول إيهام نفسها أن خيار العيش تحت حكم الأنظمة المستبدة خير من الفوضى والاقتتال بعد سقوط هذه الأنظمة الفاسدة . وهذه الأصوات تشفق من أن يصير البديل عن الاستبداد والفساد هو الفوضى والاقتتال والتطاحن . وربما غاب عن أصحاب هذا التخوف أن جهات أجنبية تحاول تسويق هذه النظرة المتشائمة بين الشعوب العربية لتقنعها بأن خيرها في الرضا بالعيش تحت حكم الأنظمة الفاسدة المستبدة التي هي في خدمة هذه الجهات الأجنبية . ومعلوم أن الجهات الأجنبية لا يمكن أن تقبل بأنظمة عربية بديلة عن الأنظمة المستبدة الفاسدة المتهاوية إذا هي لم تقم بنفس الدور وهو خدمة ما تسميه مصالحها الاستراتيجية في المنطقة العربية . ومعلوم أن الأنظمة الفاسدة عندما تشعر بخطر الزوال، فإنها حتما تلعب كل أوراقها بما في ذلك ورقة العنف وزرع الفوضى والاقتتال من خلال ركوب الجيوش النظامية لإشعال فتيل الفتنة ، ثم ترك إضرام نيرانها للشعوب فيما بينها . ولقد علم الحلف الأطلسي من خلال عملية غزو العراق الأنظمة العربية الفاسدة المستبدة كيف تشعل نيران الفتن من خلال تدمير الجيوش النظامية . وتعلمت الأنظمة العربية الفاسدة كيف تدمر القوات العسكرية النظامية عن طريق الزج بها في حروب ضد شعوبها المطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة . وعندما تنهار الجيوش العربية بسبب سوء استخدامها ، وانحرافها عن وظيفتها الأساسية التي هي صون حوزة الوطن العربي ، فإن المناخ يكون مهيئا للفتنة الطائفية كما هو الشأن في العراق ، وهو حال سبق أن جرب في الصومال، لأنه مع غياب جيوش نظامية حامية لحوزة الوطن العربي يبقى البديل هو الفوضى والاقتتال . والخلاصة أن البديل عن حكم الأنظمة العربية المستبدة الذي هو الوقوع في الفوضى والاقتتال بين الشعوب ليس قدرا وإنما هو تخطيط مدبر بمكر وخبث من جهات أجنبية تتربص الشر بالوطن العربي . ومن قصور النظر أو ضيقه أن يفكر البعض في الحال التي صارت عليها بعض الأقطار العربية التي تخلصت شكليا من الأنظمة المستبدة وهي حال الفوضى العارمة والموت والاغتصاب والدمار والنزوح والتهجير ، ويفضل عن ذلك حال الخضوع للأنظمة المستبدة الفاسدة . ومعلوم أن الأنظمة العربية التي لم تشهد أقطارها الحراك المفضي إلى زوالها تحرص كل الحرص على إقناع مواطنيها بأنهم أصحاب حظ عظيم لأنهم بفعل تجنبهم للحراك جنبوا أنفسهم مصير الفوضى والاقتتال الشيء الذي يعني ضمنيا امتداح هذه الأنظمة لنفسها مع أنها في واقع الأمر لا تختلف في شيء عن مثيلاتها المنهارة والساقطة . وتخويف الشعوب العربية من مصير السقوط في الفوضى والتناحر هو دعاية مجانية للبديل الوحيد وهو القبول بحكم الأنظمة العربية الفاسدة والمستبدة . وما يجب التبشير به هو البديل الثالث وهو تخلص الشعوب العربية من الشرين معا ، وهما العيش تحت استبداد الأنظمة الفاسدة ،والسقوط في الفوضى والتناحر ، وذلك عن طريق نشوء ديمقراطيات حقيقية تمكن هذه الشعوب من حكم نفسها بنفسها . ومعلوم أن الأنظمة العربية الفاسدة التي كانت تقوم بدور الدركي بالنسبة للغرب لن تتوانى أبدا مع هذا الغرب في جعل البديل الوحيد عنها هو قدر السقوط في الفوضى والاقتتال من أجل ضمان بقائها ، ومن أجل ضمان مصالح الغرب الذي لن يدخر جهدا في تشجيع بديل الفوضى والاقتتال من أجل خدمة الاستبداد والتمكين له . والمعول عليه في هذه الحال هو مدى وعي الشعوب العربية بما يحاك ضدها من مؤامرات ، وإحباطها عن طريق التوفيق بين فكرتي إسقاط الأنظمة الفاسدة المستبدة دون الانزلاق إلى كمائن الفوضى والاقتتال التي تنصب لها بمشاركة الغرب وعملائه من الأنظمة العربية الفاسدة. ولا يمكن أن نخوف الناس من الجذام من أجل أن نقنعهم بالرضا بالبرص ، مع تيئيسهم من الصحة والعافية بدون جذام أو برص
Aucun commentaire