الحوار المفضي إلى العنف مؤشر على التخلف بامتياز في مؤسساتنا الجامعية
الحوار المفضي إلى العنف مؤشر على التخلف بامتياز في مؤسساتنا الجامعية
محمد شركي
استرعى انتباهي نشر موقع وجدة سيتي خبر الصراع بين طلبة جامعة محمد الأول بوجدة ، وهو شيء مؤسف شديد الأسف لأن تقليدا بائدا لا زال يسيطر على بعض العقليات الطلابية في الجامعة المغربية . فالصراع والعنف يعني وصول الحوار إلى طريق مسدود . ومن المعلوم أن العنف دليل قاطع على فشل الحوار ، وعلى انهزام المتحاورين الذين تعوزهم قوة الاقناع والحجة والبرهان ، فلا يجدون مناصا من محاولة الهروب وراء العنف وركوبه كآخر حل أمام الانهزام والفشل. فكل من يؤمن بالعنف أو يجيزه يشهد على قناعته بالاستئصال والإقصاء . ومعلوم أن الذي يجيز لنفسه استخدام الاستئصال والإقصاء في حق غيره يكون أول ضحية لهذا الاستئصال والإقصاء ، إذ لا يمكن أن يتخذ الاستئصال والإقصاء عقيدة تطبق في اتجاه واحد دون أن تؤثر في اتجاهه المعاكس. فمن رضي استئصال وإقصاء غيره فعليه أن ينتظر نفس الموقف من هذا الغير إذ لا يمكن للغير أن يقبل من المستأصل استئصاله له دون أن يكون له رد فعل . ومع أن الزمن تغير ووقعت تطورات كبرى في العالم لا زالت بعض التقاليد التي عفا عنها الزمن تعرف رواجا في أوساط بعض الطلبة مع شديد الأسف . لقد سقط جدار برلين ، وانهار الاتحاد السوفياتي ، وظهر صراع دولي جديد ، ولكن الفصائل الطلابية اليسارية لا زالت كما كانت يوم كان الاتحاد السوفياتي لا رحمه الله . ويبدو مشهد الطلبة اليساريين في الجامعات المغربية مثيرا للسخرية والشفقة في نفس الوقت ، وكأنهم بتعصبهم لفكر بائد كأهل الكهف والرقيم حين استيقظوا من نومهم ، وفي ذاكرتهم عصرهم الذي عفا عنه الزمن . فعوض أن يتغير التنظير الذي كان يقف وراء ما يسمى الطلبة اليساريين لا زال مع شديد الأسف هذا التنظير كما كان على مستوى التعليم الثانوي التأهيلي والعالي لدى الكثير من المدرسين ، إذ لا زال بعضهم ـ غفر الله لهم ـ يجترون ما كان رائجا من مقولات وأفكار صارت بالية وكانت في فترة ولت ، يوم كانوا طلبة جامعيين ، ولا زالوا ينقلون للطلبة قناعاتهم البالية مستغلين مناصبهم التدريسية للعبث بالأغرار ، وحقنهم بأفكار أصبحت مثيرة للسخرية وقد تجاوزها الزمن . فما معنى وجود طلبة يساريين في الجامعة المغربية ، وقد تغير كل شيء في العالم ، وحتى اليسار في مواطنه الأصلية تنكر لنفسه ؟ هل وجود طلبة يساريين في جامعتنا يعني أنهم أكثر وعيا من الطلبة الروس والصينيين الذين رضعوا ألبان اليسار من آبائهم وأجدادهم ، ومع ذلك أعرضوا عن فكرة اليسار ، وحطموا أصنام اليسار في عواصمه ؟ فعندما يتداول ما يسمى الطلبة اليساريون خطاب الماضي المنصرف يكون حالهم كحال أهل الكهف والرقيم الذين أرسلوا أحدهم بورقهم ليأتيهم بطعام . فمن المعلوم أن الخطاب الإيديولوجي يواكب الواقع ويسايره . فما معنى أن يتغير الواقع بشكل كبير، ويظل الخطاب الإيديولوجي على ما كان عليه . ومن المعلوم أن الخطاب اليساري كان يفتخر دائما بمواكبة الواقع ، وكان اليساريون طلبة وأساتذة يتهمون غيرهم بالرجعية ، وهو مصطلح قدحي يعني تناقض الخطاب مع الواقع . ولقد كان وجود اليسار زمن الاتحاد السوفياتي ، وما يسمى الحرب الباردة بين الشرق والغرب مبررا ، ولكنه بعد تغير الوقائع على الأرض لم يعد لوجوده من مبرر . وتمسك بعض الذين ينظرون لليسار مستغلين أغرار الجامعة بيساريتهم التي تجاوزها التاريخ ،يعكس مدى تعصبهم لماضيهم الشخصي ، ومحاولة تسويقه إلى أجيال جديدة من حقها أن تختار حاضرها الشخصي دون أن تحتاج إلى ماضي غيرها من الأجيال التي انقرضت أو هي في طريق الانقراض . والأجيال البشرية يصنعها واقعها وتاريخها ، ولا يتحكم فيها تاريخ غيرها . أجل قد يقول البعض هذا منطق لا يستقيم ،لأن كثيرا من الأفكار والقناعات قد تمتد من الماضي الحاضر. وأنا أقول هذا صحيح، ولكن لا بد لهذه الأفكار والقناعات أن تجد واقعا يساندها لضمان بقائها واستمرارها . ولا أظن أن أفكار اليسار تجد في واقعنا الحالي ما يدعمها ، ويبرر وجودها نظرا لخصوصيات الظرف الحالي الذي خلقه الربيع العربي . وعلى افتراض أن الفكر اليساري لا زال قابلا للتداول في واقعنا ، فهل يبرر ذلك ركوب أصحابه العنف لتسويقه ؟ مع العلم أن مقولة تسويق الإيديولوجيا بالعنف متهافتة بشهادة التاريخ في كل عصر ومصر . فأجيال الطلبة المغاربة يتذكرون جيدا كيف كان العنف معششا في الجامعات لأن الحوار بين مختلف الفصائل الطلابية كان مصيره النفق المسدود في غالب الأحيان مع شديد الأسف. ولا زلت أذكر كيف كان الاستئصال والإقصاء هو السمة الغالبة على العلاقة الطلابية . ولن أنسى جدلا بيزانطيا طيلة ليلة كاملة بين فصيل يساري، و آخر إسلامي في بداية الثمانينات سببه منع الفصيل اليساري الفصيل الإسلامي من إلقاء كلمة في قاعة فلسطين بالحي الجامعي ظهر المهراز بفاس تبدأ بالبسملة . ومع مرور الزمن سافر قائد الطلبة اليساريين الذين كان أكثرهم تشددا ضد البسملة إلى إحدى مدن البلد الرأسمالي الرئيسي في العالم ليحصل على شهادته هناك ، وهو الذي كان خطابه يصم الآذان عندما يتناول الحديث عن الولايات المتحدة الأمريكية ، وكان لا يتورع عن اتهام الفصيل الطلابي الإسلامي بالعمالة والخيانة والرجعية والولاء للامبريالية العالمية ، ولكنه عندما اقتضت مصلحته أن يقيم بين أحضان الإمبريالية لم يجد في ذلك أدنى غضاضة . وصادفته بعد ذلك مدرسا في المركز الوطني لتكوين المفتشين ، وضحكت ملء شدقي منه ، وهو يدافع عن الثقافة الامبريالية ، وقد انقلب من مسوق للفكر اليساري إلى صاحب إشهار للفكر الإمبريالي ،لأنه تشرب الحقد ضد كل ما له علاقة بالإسلام ، وهو يتخندق دائما في المعسكر المعادي للإسلام بغض الطرف عن يسار أو يمين ، ولازال على حقده القديم كما كان طالبا لا هم له سوى تسويق الفكر الاستئصالي والإقصائي دون أن يشعر بأنه أول ضحايا هذا الفكر المتشنج . ومقابل الفكر الاستئصالي والإقصائي اليساري جربت فصائل من الطلبة المحسوبين على الإسلام هذا الفكر أيضا ، فكانت أول ضحاياه كذلك . ولقد تابعت محاضرة المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة التي ألقاها في قصر قرطاج بتونس مؤخرا، والتي لقن فيها التونسيين ، ومن خلالهم كافة الشعوب العربية أن الفكر الاستئصالي والإقصائي لم يعد له مكان في العالم العربي بعد ربيعه . فعلى كل فصيل طلابي في جامعتنا المغربية أن يعلم علم اليقين أنه حين يعطل الحوار ، ويلجأ إلى العنف، يكون شأنه كشأن الذي يقوم بعملية انتحارية فيكون هو أول ضحاياها . وعلى كل فصيل أن يعمق اطلاعه ومعارفه بالجد والاجتهاد، ويراجع مرجعياته ، ويعرض وجهات نظره على غيرها ليسبر نقط ضعفها وتهافتها أو قوتها ، عوض أن يظل تابعا مقلدا إمعة على تعصبه الأعمى الذي يطير العنزة لمجرد أنه يرفض فكرة النعامة ، ولا يقبل تداولها مبدئيا . وعلى المنظرين في التعليم الثانوي التأهيلي والعالي من المدرسين الذين يركبون الطلبة الأغرار لتسويق سقط متاعهم الفكري بينهم أن يخجلوا من أنفسهم عار عليهم أن يظلوا جامدين على قناعاتهم البالية ،ويصدرونها لطلبتهم كما تصدر المأكولات التي انقضت مدة صلاحيتها . وإذا كان المنظرون للعنف في بلادنا قد حملوا مسؤولية من عنف من أتباعهم ، فلا بد أيضا أن يحاسب من لا زالوا ينظرون للعنف بين الفصائل الطلابية مهما كانت توجهاتهم الإيديولوجية . ولا بد أن يصير الحرم الجامعي مكانا آمنا من دخله كان آمنا على فكره وعلى قناعاته ووجهات نظره . ولا مجال لمصادرة نوع من الفكر في الأوساط الجامعية عن طريق الاستئصال والإقصاء ، أو عن طريق الترهيب والعنف والتهديد . ولا بد أن يكون السلوك الوحيد المقبول هو الحوار الهادف وزالبناء ، ولا تفاضل بين الأفكار والقناعات ووجهات النظر إلا بقوة الحجة والبرهان. فإذا كان الله عز وجل ، وهو القاهر فوق عباده القادر على فرض ما شاء عليهم بالقوة والعنف قد جادلهم وأقنعهم بالحجج والأدلة ، فلا يحق بعده لأحد من الخلق أن يفرض رأيه على الآخرين بالقوة والعنف ، ومعلوم أن العنف يولد العنفوان ، فعلى من يراهن على العنف أن يتيقن بوجود من هو أعنف منه ، وهو ما يضطره في النهاية إلى الندم ولات حين مندم .
Aucun commentaire