الملتقى الثالث لجمعيات مهنيي التربية والتكوين : أي منهاج تربوي لأية تنمية بشرية ؟
نظمت جمعيات مهنيي التربية والتكوين ملتقى حول موضوع: "أي منهاج تربوي لأية تنمية بشرية؟" وذلك يومي 02/03 يونيو 2007 ، وشاركت جمعية الإدارة التربوية بهذه المداخلة، وتعميما للفائدة، ننشرها متوخين من زوار هذا الموقع مناقشة محتواها، واغنائها خدمة للتربية والتعليم عامة وللإدارة التربوية على وجه الخصوص
الملتقى الثالث لجمعيات مهنيي التربية والتكوين : أي منهاج تربوي لأية تنمية بشرية ؟
يومي 02/03 يونيو 2007
ورقة جمعية الإدارة التربوية
التنمية البشرية سيرورة تستطيع الكائنات البشرية من خلالها تنمية شخصيتها واكتساب الثقة في النفس والتمتع بحقها في حياة كريمة ومتفتحة. كما تسمح هذه السيرورة للمجموعات البشرية التحرر من الخوف من الحاجة علاوة على كونها تساهم في تراجع القمع السياسي والاقتصادي والاجتماعي بفتح أبواب المشاركة أمام الجميع وإشباع الرغبات الفردية والجماعية.
وتحقيق هذه التنمية البشرية رهين بوجود مشروع مجتمعي متكامل يتخد منها عموده الفقري في أي تحرك إنمائي.
غير انه لا يمكن أن يتحقق أي إنماء في مجتمع تتفشى الأمية والجهل بين سكانه ، خاصة وان هذه الآفة تمس في المغرب الفئات المنتجة والمسؤولة اجتماعيا وتربويا ( على مستوى الأسرة). كما لا يمكن لهذا النوع من المجتمع ان ينعم بالديمقراطية وحقوق الإنسان مادامت أغلبية الفئات لا تستوعب بشكل جيد مثل هذه المفاهيم ومضامينها .
من هنا تأتي أهمية التفكير في بلورة منهاج تربوي عموما وتعليمي بوجه اخص باعتباره جزءا أساسيا في المشروع المجتمعي المنشود. والمقصود بالمنهاج التعليمي " كلية من العناصر والمكونات المنظمة بشكل مركب خاضع لنظام العلاقات والتحولات، بحيث أنها تكون كلا منسجما ومتسقا يتحدد من خلاله موقع ووظيفة كل عنصر، وكذلك علاقاته وتفاعلاته بالعناصر الأخرى وبالمحيط" وذلك من اجل تمكين كل متعلم من الاستفادة من الفرص التربوية المصممة على نحو يلبي حاجاته الأساسية من التعلم وتشمل كلا من وسائل التعلم الأساسية ( القراءة ، الكتابة ، الحساب وحل المشكلات) ومضامينه الرئيسية( المعرفة ، المهارات ، القيم ، الاتجاهات) التي يحتاجها البشر للبقاء ولتنمية كافة قدراتهم وللعيش والعمل بكرامة والمساهمة بفعالية في عملية التنمية ولتحسين نوعية حياتهم ولاتخاذ قرارات حكيمة ومواصلة التعلم الذاتي.
والإدارة التربوية باعتبارها البنية الأساسية والوظيفة المؤثرة في مسارات النظام التربوي على المستويات الكمية والنوعية وفي حجم انفتاحه على المجتمع ، تحتل مكانة متميزة ضمن هذا المنهاج، اذ بامكانها المساهمة الفعالة في تحقيق غاياته المنشودة والمتمثلة أساسا في تنمية المورد البشري والارتقاء بكفاءته وجعله رافعة أساسية لاي مجهود تنموي ، من خلال تنمية الناشئة وإعدادها للاندماج المنتج في الحياة الاجتماعية وتوفير الموارد البشرية اللازمة لتحقيق أهداف المجتمع القريبة والمتوسطة والبعيدة المدى .
وفي تقديرنا فالإدارة التربوية مطالبة بالقيام بما يلي :
1- توفير المناخ الفكري والنفسي والمادي الذي يساعد على تحفيز الهمم وبعث الرغبة في التعليم والتعلم النشط والمنظم .
2- تكريس ثقافة المشاركة والتربية على حقوق الإنسان وقيم المواطنة.
3- الإسهام في نشر قيم الحوار والتسامح والتعاون والتضامن .
4- المساهمة الفعالة في عملية التوجيه ومساعدة المتعلمين على بناء مشاريعهم الشخصية.
5- التأطير النفسي والاجتماعي للمتعلمين.
6-انفتاح المؤسسة على محيطها وتحويل الشأن التربوي إلى شان محلي ينخرط فيه الجميع وذلك بتعبئة جهود مختلف الفاعلين والمتدخلين.
ومن شان القيام بهذه المهام، تحسين مردودية المؤسسات التعليمية وجودة الخدمات التربوية التي تقدمها والتي ستنعكس ايجابيا من خلال الحد من الظواهر السلبية التي أصبحت تميز نظامنا التعليمي وتشكل ابرز عناوين أزمته وبالخصوص : الهدر المدرسي، التعثر الدراسي، العنف، الغياب وجميع أشكال الانحراف، والتي تعتبر مؤشرات فاضحة لضعف المردودية الداخلية للمنظومة التعليمية.
غيرانه للأسف مازالت إدارتنا التربوية بعيدة كل البعد عن القيام بهذه المهام وذلك للأسباب التالية :
1- عرفت المنظومة التربوية سلسلة من الإصلاحات المتتالية مست، رغم قصورها، مختلف مكونات النسق التربوي من مناهج وبرامج وكتب مدرسية وهيكلة الخ… غير أن الإدارة التربوية بقيت في منأى عن التغييرات التي أحدثتها هذه الإصلاحات وظلت حبيسة الممارسات البيروقراطية ولم تتمكن من التموقع في صلب العملية التربوية والاطلاع بدورها كعنصر مسهل للاندماج والانسجام الداخلي. ولعل إغفال الميثاق الوطني للتربية والتكوين لموضوع الإدارة التربوية خير دليل على ذلك حيث اقتصر ذكرها على بعض الجمل وبطريقة عرضية . وبسبب ذلك بقيت المؤسسة التعليمية تعيش حالة انعزال وانغلاق، وعدم مسايرة الدينامية والحركية القائمة في المستويات الأخرى .
2- في الوقت الذي يتم فيه الحديث على المستوى الرسمي على تعزيز آليات اللامركزية واللاتركيز سعيا لإرساء سياسة القرب في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وممارسة الديمقراطية المحلية والجهوية والشروع عمليا في تصريف هذه المفاهيم ، بطريقة او بأخرى، كأساليب لتدبير الشأن المحلي على مستوى الجماعات المحلية والإقليمية والجهوية ، مازالت المنظومة التربوية تعيش زمن المركزية المفرطة في الوقت الذي كان من المفروض أن تشكل المختبر الأول لهذه المفاهيم لكي تصبح المؤسسات التعليمية مناطق إشعاع في المجتمع ونموذجا يحتدى به في مجال التدبير التشاركي وترسيخ إدارة القرب .
3- إضافة إلى ما سبق وفي ارتباط به، تعاني الإدارة التربوية من اكراهات ذاتية تحد من مجالات تدخلها نوردها كما يلي :
× ضعف التكوين الأساسي للأطر الإدارية في مجال التسيير والتدبير الإداري وانعدام التكوين المستمر .
× اعتماد أساليب وتقنيات إدارية تقليدية ومتجاوزة في غياب ادخال التقنيات الحديثة للإدارة من حواسيب وأجهزة معلوماتية .
× نقص الموارد البشرية كما وكيفا وغياب اختصاصات ضرورية ( مستشارون نفسيون واجتماعيون ، اطر صحية الخ…)
× نقص الموارد المالية وعدم التحكم فيما هو متوفر .
× كثرة المهام والاختصاصات الإدارية وتصريفها على حساب الجوانب التربوية .
× الخ…
فما هو المطلوب لتغيير هذا الوضع؟
نعتقد أن تجاوز ضعف الفعالية و النجاعة الذي يكبل الإدارة التربوية على المستويات المحلية و العمل على الارتقاء بها يستلزم القيام بتغييرات جدرية والإنتقال من مستوى الخطابات و النوايا الى مستوى التخطيط و الإنجاز المستنير بالمبادىء التالية :
– الإنتقال نحو إدارة ديموقراطية منفتحة تتوسل الى القواعد الحديثة و منها الإشراك و الفاعلية والتحفيز، وإيلاء الكفاءة والمسؤولية والمحاسبة الأهمية القصوى في الممارسة الإدارية التربوية .
– ارساء منهجية التعاقد و التدبير المتمحور حول النتائج.
– امتداد نهج اللامركزية الذي تم تقريره في تدبير الشأن التعليمي الى المؤسسة التعليمية.
– ترسيخ تقافة التجديد و الإبتكار و المبادرة .
و في تقديرنا فهذه النقلة النوعية تتطلب القيام بالإجراءات التاليــة :
1- القطيعة النهائية مع بنية التسيير التي أصبحت متجاوزة في الواقع التعليمي المتحول والمتفاعل مع المستجدات المتلاحقة التي يعرفها المجتمع والعالم . إن نموذج المدير النمطي الحريص على تنفيد التوجيهات و التعليمات يجب وضعه على طريق الإنقراض .
2- إرساء بنية التدبير كمرحلة انتقالية وذلك بفتح المجال أمام الأطر الإدارية ( تكوينا وتشريعا) لتلعب دور القيادة التربوية واعتماد الوسائل والطرق الكفيلة للقيام بالتقييم المستمر للمنهاج التعليمي وتحسينه اعتمادا على المعطيات الميدانية بدل التقيد بالقوانين والقوالب الجاهزة، مع تفعيل حقيقي للآليات الجديدة للمؤسسة التعليمية وإعادة النظر في تركيبتها بغية تحقيق
الإنسجام بين مكوناتها و زرع ثقافة العمل الجماعي. و في هذا الإطار نعتقد أن مجلس التدبيرالذي أسندت اليه، ضمن اختصاصاته، دراسة برنامج العمل السنوي و تتيع مراحل انجازه والمصادقة على التقريرالسنوي العام المتعلق بنشاط وسيرالمؤسسة المتضمن للمعطيات المتعلقة بالتدبيرالمالي والإداري والمحاسباتي للمؤسسة، يعتبرخطوة متقدمة على طريق التدبير التشاركي المنشود .
3- التأسيس لمرحلة التدبير التشاركي الحقيقي للشأن التعليمي من خلال تعبئة كل الفاعلين الداخليين والخارجيين وإشراكهم في تحمل المسؤولية من خلال إنتخاب مجلس تدبيري بطريقة ديمقراطية على أساس مشاريع و مخططات محلية يتم الحرص على متابعة إنجازها خلال ولاية محددة زمنيا. و يعمل المجلس المنتخب على توزيع الأدوار بين أعضائه مع العلم أن احداث هذة البنية المستقلة لا تتنافى و الحضور الفعلي للدولة في سير المؤسسة من خلال دور المراقبة و التتبع .
غير أن نجاح مثل هذا التدبير التشاركي على مستوى المؤسسة التعليمية يستلزم عدة إجراءات مصاحبة نذكر منها:
– في مرحلة أولى، العمل على تسهيل صرف اعتمادات مالية ووضعها رهن إشارة مجالس التدبير بناء على المشاريع المقترحة.
– وفي مرحلة ثانية، منح الاستقلال المالي الكامل للمؤسسات التعليمية والاكتفاء جهويا بدور المراقبة والتتبع الميدانيين.
– تحفيز الموارد البشرية في المؤسسات التعليمية قصد انخراطها في مجالس التدبير.
– فتح المجال أمام المؤسسات التعليمية لعقد شراكات مباشرة وذلك بإيجاد الآليات القانونية والتنظيمية المرنة التي تسمح بذلك.
محمد العرجوني رئيس جمعية الأدارة التربوية
4 Comments
جميل جدا ان يطل علينا استاد عزيز ومناضل ثقافي ترك بصماتك خالدة عبر المدى… جميل ان نعانق شخصا مثل الاستاد القدير محمد العرجوني عبر هدا القضاء الانترنيتي..فقط اقول كم نحن في حاجة لامثالك ولكرنفال من كلمات من المهد الى الحد.
تحية احترام وتقدير للأخ العرجوني على هذه المبادرة الطيبة باخراج هذه المداخلة القيمة الى القارئ الكريم قصد الاطلاع عليها والتعليق والاضافة لاغنائها .وبكل صدق رغم انني كنت حاضرا الى أن مقالك هذا أمتعني بكلام معقول واقتراح مقبول وآراء نيرة جدية صريحة واقعية.
أتمنى من اخوة أطر الادارة التربوية تتبع هذا المقال وعقد جلسات أو يوم دراسي لبحث مثل هذه الافكار التي تنبعث من أعماق الواقع وفقك الله وأكثر من أمثالك.
توضيح:
إن هذه الورقة، هي من انجاز أعضاء مكتب الجمعية كما يمكن فهمه من المقدمة التي ألححت على نشرها، بحيث أشرت بالحرف على أنها » ورقة جمعبة الإدارة التربوية »، وعليه، ليست لدي أية مسؤولية في الإخراج، وبالتالي لست أنا من كتب « بقلم ». وبالمناسبة أرجو من الأستاذ قدوري أن يتدارك الموقف ويكتب اسم الجمعية عوض اسمي. أما بالنسبة لوجود اسمي فذلك بصفتي رئيسا للجمعية ومسؤولا عن المراسلة. وبه وجب الإعلام.
محمد العرجوني
شكرا سيدي لغزارة ما ورد في مقالكم . لقد اثرتم بحديثكم هدا مجموعة كثيرة من الظواهر التي تحتاج الى كل منها الى بحث مستقل. مهمة الادارة التربوية تبدو ضخمة في ظل الوضع الحالي.
الهدر المدرسي، التعثر الدراسي، العنف، الغياب وجميع أشكال الانحراف. هذه الظواهر تحتاج في معالجتها الى اختصاصيين- لوضع برامج العمل, وطرق المعالجة , بالاضافة الى التدخلات اليومية-, طبعا تفتقدهم مؤسساتنا التعليمية وتحيرنا الوزارة التي زار مدراؤها كل دول ووقفوا على تجارب الاخرين و هم يعلمون علم اليقين اهمية الموضوع و مع دلك يستمرون بالتجاهل. ماهي الوسائل المتاحة للادارة. هل يطالبون باموال اكثر: هل تسير الموارد الحالية بعقلانية. و اما جامعاتنا تقرفنا بغيابها وانفصالها في سد الخصاص المعرفي والبشري الهائل مع ان الحلول لن تاتي من غير المعرفة والتكوين. وشكرا على مسامتكم القيمة