الرد الكامل لفريد الأنصاري على الدكتور أحمد الريسوني
قبل الخطأ السابع..!
رسالة مفتوحة إلى الدكتور أحمد الريسوني
يكتبها: فريد الأنصاري
بسم الله، توكلتُ على الله، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله! اللَّهُمَّ إني أعوذُ بكَ أن أَضِلَّ أو أُضَلَّ، وأعوذُ بكَ أنْ أَزِلَّ أو أُزَلَّ، وأعوذُ بكَ أنْ أَظلِم أو أُظلَم، وأعوذُ بكَ أنْ أَجْهَلَ أو يُجْهَلَ عليَّ، وأعوذُ بكَ أنْ أبْغِيَ أو ُيبْغَى عِليَّ! وأعوذ بكَ من كل بَلِيَّةٍ أو فِتْنَةٍ، ظاهرةٍ أو باطنةٍ، مُقْبِلَةٍ أو مُدْبِرَةٍ!
اللَّهُمَّ إني أعوذُ بكَ من الهمِّ والْحَزَنِ، و أعوذ بكَ من العجز والكسلِ، وأعوذ بك من الجبنِ والبخلِ، وأعوذُ بكَ من غَلَبَةِ الدَّيْنِ وقَهْرِ الرِّجَال!
وبعد،
سيدي أحمد الريسوني:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عندما طلع الإعلان بجريدة "التجديد" منذرا برد فضيلتكم عليَّ، اتصل بي كثير من الإخوة، وحدثوني متشائمين من طريقة عرض الإعلان بأعلى صفحة الجريدة، وبالصيغة التي دبجتها فضيلتكم. فقلتُ لهم بالحرف الواحد: "اطمئنوا! فإن الأستاذ الريسوني لن يقول إلا خيراً". وقرأت الإعلان بما وصمتم به الكتاب من أنه: (مشحون بالأغلاط والمغالطات)! ثم قلت: مهما يكن نقده قاسيا فلن يخلو من فائدة.
ولكن – مع الأسف – ما أن تتابعتْ مقالاتُكم حتى بدا أنها على غير ما توقعتُ تماما من توازنكم وإنصافكم! وخاب ظني!.. ما كنت أظن أن الغضب سيغلق عليكم كل منفذ إلى نقد الكتاب بموضوعية! لقد كان الأسلوب الغاضب الساخط الذي صببتم فيه مقالاتكم قد غلف الحقيقة الكامنة فيه حتى ما صرت أستطيع – لا أنا ولا غيري – أن نفرق بين ما هو نصح مقصود أو عيب مردود، وبين ما هو سَوْرَةٌ غضبية!
لقد كانت الحلقة الأولى – على ما فيها من تقصيد لفريد الأنصاري غير مقصود – أقرب إلى الاعتدال، ولكن ما أن أطلت الحلقة الثانية حتى انجرف الغضب بالحقيقة إلى متاهات الدخان! وصار الرد يمتطي أفراساً جامحة، كما في قول فضيلتكم: ((ويمضي العاشق الولهان في موشحاته إلى أن يستفيق على هول الكارثة المباغتة…))(الحلقة الثانية). إلى السخرية والتعريض بي في أمور النسب والقبيلة!(ح:2) إلى أن تصفوا كتابي بعد ذلك ب: (نظرية العقارب والثعالب)(ح:3)، ثم تخرجون قضاياه عن سياقها النقدي التصحيحي؛ فتصفونها – تهويلا منكم وتضخيما – بأنها اتهام للإخوان (بالعمالة للشيطان!)(ح: 4). وأنه قائم (على مجرد سوء الظن بالمؤمنين والإذاية لهم!)(ح: 4) وأنه أمر: (خطير وخبيث)!(ح: 4) حتى يبلغ بكم الغضبُ سَوْرَتَهُ فَتَسِمُونَ كلامي بالوَلْغِ! فتقول في الحلقة الرابعة: ((لَقَدْ وَلَغْتَ وأوغلتَ كثيراً…)) (كذا!!). والوَلْغُ أو الوُلُوغُ – لمن لا يعرفه – إنما هو شرب الكلب ولعقه! نعم أعزكم الله! والحديث فيه مشهور معروف! ومضت مقالاتكم حتى الحلقة الأخيرة محملة بعبارات الغضب اللاهب، وكثير من اللمز الظاهر، والخفي الذي لا يخفى على اللبيب؛ بما جعلني – شهد الله – غير قادر على معرفة مواطن الخطأ من كتابي! وقد كنتُ حريصا على معرفتها منك أنت شخصيا!
وفي غمرة ذلك توهمتم أن الكتاب هو (محاولة تحطيم الناس بالاتهامات والشبهات!)(ح: 4)؛ فوقعتم – مع الأسف – فيما توهمتموه، وجاءت مقالاتكم رد فعل للتحطيم والاتهام! دون أدنى مناقشة للقضايا الجوهرية في الكتاب!
كيف؟ وها أنا ذا أقرأ نفيك – بغير برهان – لكل ما تم نقده بإطلاق، اللهم إلا برهان (التحيطم والاتهام)! ثم دفعي – بعد ذلك – دفعا لأصنَّفَ ضمن طائفة التكفيريين والخوارج! في الوقت الذي أقرأ فيه منحك صكوك الغفران لأصحابك! فتقول في الحلقة الثانية: ((وإذا صح هذا ولن يصح، فهؤلاء يمكن أن يقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غُفر لكم!))(الحلقة الثانية) فأي ميزان هذا وأي إنصاف؟
مع أن نقدي لم يمس شخصا بعينه، ولا اسما بشخصه، وإنما كان نقدا لمنهج معين في العمل، ولمدرسة خاصة في الحركة! لقد اتفق كثير من الناس، ومن محبيك – ومنهم طائفة من أبناء الحركة نفسها – على طغيان الغضب على ردك، والانفعال الشديد في مقالاتك؛ مما أدى إلى عدم توازنها! وإغراقها في مناقشة الأشكال دون المضامين!
بل هي عقلية ومنهج!
سيدي أحمد الريسوني!
لقد كان كتاب "الأخطاء الستة" صرخة ألم من جرح عميق تمادى أمدُه! جرح لا يرجع – شهد الله – إلى ضرر لحق بشخصي كما أظنك تعلم، وإنما هو جرح غاص بتجربتي المريرة في "حركة التوحيد والإصلاح" طيلة السنوات التي عرفت! لقد بنينا الآمال العريضة على التجربة، وشيدنا حصونا من خيال ظنناه صادقا، حتى صدمتنا الحقيقة المرة بعد سنوات من الجهد المتواصل، فأدركنا أخيرا أنه كان مجرد حلم كاذب! ولن أكرر ما قلته في الكتاب من حقائق. وإنما أذكر لك في رسالتي هذه أننا عشنا – نحن أبناء الرابطة كفكر وتوجه – كالأضياف غير المرغوب فيهم! وأدركنا أنه علينا أن نقاتل، وأن نناور من أجل البقاء كفكر وكتوجه! ولكننا لم نست؟ لأن ذلك شيء لم نتعلمه في مجالسنا التربوية من قبل!
وأنا هنا – كما في كتاب "الأخطاء الستة" – لا أتهم أبناء (حاتم) جملة وتفصيلا، كلاَّ وحاشا! وقد ذكرتُ بالنص في الكتاب: ((حركة الإصلاح والتجديد" (حاتم)، وهي الوريثة الكبرى لحركة "الشبيبة الإسلامية". والحقيقة أنها بذلت مجهودا كبيرا في التخلص من الآثار السلبية الكثيرة التي خلفتها حركة الشبيبة على العمل الإسلامي بالمغرب، وقطعت أشواطا ومخاضات شتى من أجل تحسين تصوراتها وآلياتها (…) وأسست منهجا أقرب إلى التوازن والاعتدال في إصدار مواقفها السياسية.))(ص: 84) وقلت على هامش ذلك: ((ليس المقصود أن كل أعضاء الشبيبة الإسلامية كانوا على الصفة المطيعية، كلا! بل كان منهم إسلاميون حقيقيون وربانيون صادقون. والتعبير في بداية الفقرة السابقة أعلاه واضح بتخصيص البعض دون الكل))(ص:84)، نعم هكذا بالنص! ثم قلت عن (حاتم) مرة أخرى: ((فقد وجدنا في الحركة مجاهدين مخلصين، وقياديين صالحين – كما بيناه في المتن – ليس في المجال الدعوي فحسب؛ بل حتى في المجال السياسي. وإنني أحترم اجتهاداتهم مهما حصل من خلاف.))(ص: 96). وفي سياق تقديمنا للكتاب قلنا عن مجمل الحركة الإسلامية: ((وما يزال كثير من العاملين في صفوفها من الصالحين المتقين، بل ربما وجدتَ منهم أحيانا بعض الأولياء الربانيين الحقيقيين!))(ص: 12). فلماذا لم يُنتبه إلى هذه التزكيات الواضحة الصريحة؟ أم أنَّ المشكل كما قال الشاعر:
وَعَيْنُ الرِّضَا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ *** ولكِنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي الْمَسَاوِيَا!
لم تكن مشكلتنا مع حركة "حاتم" قء وإنما كانت مع عقلية معينة، ومع تيار معين فيها، له أسلوب في العمل لا يقره خُلُقٌ ولا دين! وكانت له السيطرة – مع ذلك – على كل شيء مع الأسف! وقد كان المستضعفون الصالحون من أبناء حركة (حاتم) قَبْلَنَا ضحايا لهذه العقلية المتجبرة. ولقد عاينتُ أن سر سيطرتها على أصحابها إنما كان راجعا إلى هذا الأسلوب!
لقد كانت أفكارنا تواجَهُ بالغمز وباللمز أحيانا، وبالسخرية الصارخة الصريحة أحيانا أخرى! وبألفاظ رديئة سوقية! ما زالت بوائقها تصخ في أذني! ولذلك فكم كنا نشعر آنئذ بالانهيار! لقد واجهنا منهجا عجيبا غريبا في الحوار ومدافعة الأفكار: هو منهج تحطيم المعنويات من أجل الانتصار! دون مناقشة حقيقية لما عُرِضَ من قضايا وأفكار!
وفي جعبتي من النوازل التي لا تزال كلماتها وصورها راسخة في ذاكرتي، من لقاءات المكتب التنفيذي، إلى مجلس الشورى، إلى الجموع العامة، ما أعتذر عن تفصيله لارتباطه بأشخاصه! نعم، ونحن نظن أننا ندبر أمر الدعوة إلى الله! وهذه ليست قصة نوازل عابرات، ولا زلات جزئيات، ولكنه منهج ثابت مستقر، مشهور معروف مستفيض لدى أصحابه!
لقد عاينتُ أسلوب المخادعة والكذب القراح الصراح! في تجربة الإشراف على القطاع الطلابي، حيث كنا نعقد الأمر في مقر الحركة، ونتفق عليه ثم تجري الأمور بعد ذلك على عكس المتفق عليه تماماً! نضبط على الأوراق بوصلة الاتجاه، وتجري الممارسة في الواقع نحو اتجاه آخر! ثم تدون التقارير مزورة كاذبة على أننا فعلنا وفعلنا، والحقيقة الشاهدة في الواقع على عكس الشهادة المدونة تماماً! وأبناء الحركة يعرفون أن هذه الآفة ليست حكرا على قطاع بعينه، بل هي ممتدة إلى بعض مواقع القطاع العام نفسه.
وإن كنت أنسى فلن أنسى أبداً حواراً طلابيا، كُلِّفْتُ بالإشراف عليه مع بعض الجماعات الأخرى، كم مرة أخجلني فريقي الطلابي مع الفريق الآخر ورموزه! نتفق على الشيء جميعا ثم أجد فريقي في اللقاء المقبل قد بدل وغيَّر، دون علمي ولا حتى إخباري! فأجدني باقيا على ما اتفقنا عليه مع "الطرف الآخر"، وأجد فريقي قد نقض كل شيء! واختلق لنا رواية جديدة لما تم إبرامه وعقده! وقد علق مسؤول "الطرف الآخر" – وهو الآن حي يرزق – على الاضطراب الحاصل بيني وبين أصحابي بقوله: (واضح أن الأمر يتعلق بعقلية معينة يبدو أنها ما تزال مسيطرة!) ويفشل الحوار مع الجماعة الأخرى!
ثم أكتشف – بعد ذلك – أن إخوتي قد كانوا يعقدون لقاءات أخرى عند شخص قيادي آخر من حركتنا، فيتم ترتيب الأمور على غير المتفق عليه! ثم يقال لي بعد ذلك: (إن الأنصاري يريد أن يُدخل علينا منهج الدعوة؛ إذا أراد هذا فليذهب إلى جماعة التبليغ!) وعندها قدمت استقالتي للمكتب التنفيذي – ولعلك تذكر – من مسؤولية الإشراف الطلابي!
وعندما دافعتُ على أحد إخواننا الفقهاء بالمكتب التنفيذي في غيبته انتفض ضدي أحدهم فقال لي بالحرف: (لاَ رأي للفقهاء هنا! الرأي إنما هو للسياسيين!)
وعندما شكونا انكماش إخواننا من (الرابطة سابقا) – كما كنا نحب أن نصفهم آنئذ – وعدم حصول الاندماج النفسي داخل الوحدة؛ للأسباب المذكورة وغيرها، رد عليَّ أحدهم بكلمات ما تزال تجرح مسامعي إلى الآن! فقال لي بلسان دارج: (سيدورون في الماكينة! فمن دار دار، وإلا لفظته الماكينة!) وهناك أيقنت أن الوحدة فاشلة لا محالة، ما دامت القصة هي قصة ماكينة! ونحن ببساطة ما جئنا إلى الوحدة لندور في الماكينة! ولكننا جئنا لنصنع تكاملا دعويا بتجارب مختلفة!
ثم عشنا غربة روحية ونفسية داخل الحركة (الموحدة)! ولم نستطع التكيف مع رموز المناورة، فالمقرات مقراتهم، والولاء ولاؤهم! والأتباع جنودهم! ولا شيء يكون إلا بإذنهم!
يا سيدي أحمد! إذا لم تجد أنت ذلك فنحن قد وجدناه! وإذا لم تره أنت فنحن قد عشناه وكابدناه! فأرجوك لا تصادر أحزاننا بغضبك الرهيب! فإذا لم تدعنا نتكلم فدعنا على الأقل نتألم!
يا سيدي أحمد! بعيني رأيت الصراع على المواقع والمسؤوليات على الصعيدين: الوطني والجهوي، بما أدخلنا غير ما مرة في حمى شديدة من الاتهام والاتهام المضاد! في مهزلة ما كنا نسميه ظلما وعدوانا (بالجرح والتعديل!).. ورأيت الأنانيات المقيتة تقاتل بضراوة! والاستعراض السافر للعضلات على الإخوان والأخوات! كل ذلك على الصعيد الوطني والجهوي سواء! ورأيت الكبرياء الشديد يطأ شعور البسطاء منا في صلف عنيد! فإذا كنتَ أنت – يا سيدي – تطيق ذلك كله بما آتاك الله من (تقريب وتغليب) فهينئا لك! أما نحن فلم نطق من ذلك شيئا، ولم نَسْطِعْ هضمَه ولا قبوله سلوكا بين الإخوان! لبناء حركة الإيمان!
ورأيت بعيني – ما بين الحركة والحزب – من يؤصل لفقه الانحراف في الأخلاق والسلوك! ويتحدث – من أجل ذلك – عن مبدأ (فتح الذرائع) وهو أمي في علوم الشريعة! جاهل بأصولها وفروعها! فَيُوَطِّنُ الإخوانَ والأخوات على لين الدين وضعفه في أخلاقهم وصلواتهم، بأحكام (شرعية) ما أنزل الله بها من سلطان! وصنعوا بذلك مدرسة وتيارا على الصعيد الوطني! ووالله لقد فتحوها فتحا؛ فدخل علينا الفساد من كل باب!
وإني لأذكر الصراع الذي دار في المكتب التنفيذي بين بعض القيادات السياسية، وبين بعض القيادات الجامعة ما بين الحركة والحزب – ولم أكن طرفا فيه والحمد لله – وحصل تنابز وصل – بالنسبة لي – إلى حد لا يطاق! فكان ذلك لي دمارا نفسيا وانهياراً! وكان من حالي ما الله به عليم، فلم أستطع النطق بكلمة! كان المشهد أشد من أن أتحمله! وكنت أرى الوحدة آنئذ تنهار بين يدي! وبعد جهد جهيد علقتُ بجملة واحدة، فقلتُ: (إنني أشكو إلى الله من يسعى لتدمير هذه الوحدة التي أعطيناها جهدنا صادقين!) لقد صبرتُ – يا سيدي – زمنا ليس باليسير، وحاولتُ الإصلاح من الداخل لكن دون جدوى! وراهنتُ على حُلم، لكنني خسرت الرهان في نهاية المطاف!
ثم تصنفني بعد ذلك مع الهالكين المهلكين، وتتكرم على أصحابك بمقام (أهل بدر)! فتقول لهم: (اعملوا ما شئتم فقد غفر لكم!) ألا هكذا يكون العدل والإنصاف وإلا فلا!
وإذ أنني لم أنقطع عن التدريس، ولا عن زيارة المواقع الجاميعة هنا وهناك، ولا عن ملابسة قضايا العمل الإسلامي على مستوى القواعد في المجتمں فإنني أعاين مدى الانحراف الرهيب الذي آل إليه الوضع التربوي للحركة، والانجراف الحاصل نحو السقوط الأخلاقي؛ بسبب طغيان السياسي، والإلقاء بالبرامج التربوية في رفوف النسيان! فلو تفقدتَ يا سيدي المواقع هنا وهناك – بشرط ألا تعتمد تقارير جاهزة ومنمقة – لرأيتَ بعينك مستوى ما صرنا إليه فيما بيننا من الغش والتزوير، والحلف على الكذب، والسب واللعن – وبأقذع العبارات أحيانا – للإخوان فيما بينهم! في سياق الصراع الداخلي الجاري الآن – وقبل الآن – من أجل لوائح انتخابية ومناصب مرتقبة! نعم، نحن الذين نقدم للناس منتوج "الأمانة"! إن هذا الأمر قد تواتر واستفاض بيننا! وكثير من الإخوان يعرفون جيدا أنَّ مَا أجملتُه الآن – وفي الكتاب – إجمالاً له تفصيلات! وقد وقع العتب عليَّ شديداً لَمَّا أبديتُ منه – في سياق النصح والمراجعة – إشارات؛ بسبب إشفاقهم من ظروف الانتخابات، التي ضخَّمها بعضُ أحبتنا حتى كادوا أن يلحقوها بـ(الأشهر الْحُرُمِ)!
فهلا كلفت نفسك – يا سيدي – زيارة مواقع هؤلاء الذين: ((نعدهم مجاهدين في سبيل الله، ونعرفهم رُكَّعاً وسجودا)) كما وصفتهم في الحلقة الرابعة من مقالاتك؟ أم أن العلم قد سبق عندك بالبرءاة التامة والغفران الشامل: أنِ (اعملوا ما شئتم فقد غُفِرَ لكم!)؟ ألا كذلك يكون التوجيه التربوي وإلا فلا!
يا سيدي أحمد.. إن ثمة انحرافا خطيراً في صلب المنهج! انحرافا يستحق وقفة حقيقية للمساءلة والمراجعة! وقفة أقل ما نستفيد منها أن نعرف هذا الأنصاري إذا كان قد جُنَّ فكتب ما كتب؛ فسنتمكن من معرفة السبب؛ عسى ألا يبتلي الله الحركة بمثله في مسقبل الأيام!
والعجيب أن هذا الذي عيب عليَّ من الاتهام أمر تعترف به الورقات الرسمية للحركة اعترافا! ففي نص (الرؤية التربوية) المنشور أخيرا، جاء تحت عنوان: ((الواقع التربوي للحركة)) ذِكْرٌ لمجموعة من الإيجابيات التي أعرف أن بعضها حبر على ورق! وذكر مجموعة من السلبيات التي أرجو أن تقارنها مع مقام (المجاهدين السُّجَّدِ الرُّكَّعِ) – كما زعمتم – وهو النص التالي:
– ((رصد مجموعة من الآفات التربوية، وعجز الحملات التربوية عن إزالتها، مثل التهاون في حضور الصلاة في المسجد، والقيام لصلاة الصبح بانتظام، وعدم استثمار الأوقات، وإهمال الأسرة، وترك الدعوة، وعدم احترام المواعيد))!
– ((تراجع في مستوى الجندية والتضحية، وإسراف في ممارسة الحرية على حساب الوفاء بالالتزامات، والقيام بالمسؤوليات، وأداء الواجبات والتكليفات))!
– ((ضعف التحصيل العلمي وفقدان صفة طلب العلم، وتراجع أو توقف الكثيرين عن النظر في كتب العلم أو تنمية الزاد العلمي))!
– ((عدم انتظام كل أبناء الحركة في الأنشطة التربوية؛ لانقطاع عدد منهم عن البرامج التربوية، أو تعثرهم في ذلك))!
– ((تنامي الاهتمامات الدنيوية والمعاشية، وطغيان الميول الاستهلاكية!))(الرؤية التربوية ص:9). فنسأل الله أن يستر عيوبنا ويصلح أحوالنا أجمعين.
ثم تقول لي بعد ذلك يا سيدي: إنني أتهم النيات! بما فَصَّلْتَ في الحلقة الخامسة من: (لـمز المؤلف للمؤمنين في إيمانهم، والطعن عليهم في دينهم)! إنها يا سيدي ليست قضية نيات بل هي قضية عقليات! إن الأمر مع الأسف أكبر من ذلك! إنه (فقه) معين في العمل الإسلامي! تواتر وترسخ لدى أصحابه حتى صار قواعد وأصولا! وإنك إذْ قَاتَلْتَ بمرارة من أجل إقناع الناس بأن الأنصاري يتهم النيات، ويطعن على (المجاهدين) في دينهم، إنما تريد مني أن أقبل ما تدعيه أمريكا كلما قصفتْ أحياء المدنيين في البلاد الإسلامية، من أنه كان مجرد (خطأ)! فلا نكاد نخرج من محاولة استيعاب الخطأ الأول، حتى تكون قد أدخلتنا في سلسلة من الأخطاء، وأغرقتنا في بحر من الدماء! إنه يا سيدي منهج معين، وتصور معين! فإلى متى ونحن نحمي الانحراف في الصف الإسلامي!؟
وأرجو ألا تصفني هذه المرة بأنني أُشَبِّهُ الإخوان بالأمريكان! فما عبته عليَّ من الاستشهاد أو التضمين والاقتباس للآيات الواردة في بني إسرائيل أو الكفار والمنافقين – وقد جعلتَ منه قضية كبرى – إنما هو تعبير أصيل في البلاغة العربية، وأسلوب مطرد في التراث التربوي الإسلامي؛ لبيان طبيعة الأمراض والأدواء، أو المنـزلقات المنهجية على سبيل التمثيل والبيان، ولا علاقة لذلك بمنهج استنباط الأحكام الشرعية، الذي حاولتَ – بكل إصرار – أن تجعلني أبوء بإثمه! سامحك الله!
فاقرأ إن شئت كتب علماء الأمة الأقدمين، كيف اقتبسوا من آيات بني إسرائيل، وسائر الكفار والمنافقين، في سياق علاج الأمراض القلبية لهذا الأمة الكثير الكثير! ودونك مؤلفات أبي حامد الغزالي، وابن الجوزي، وابن القيم، وغيرهم. ولماذا نذهب بعيدا؟ أليس في الأحاديث الصحاح أن المسلم قد يصاب بما يصاب به المنافق، أو الكافر، من أمراض خلقية وسلوكية؟ ففي المتفق عليه ما ورد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا! إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ!)) وفي سنن الترمذي بسند صحيح عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رضي الله عنه: ((أَنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ، قَالَ: وَكَانَ لِلْكُفَّارِ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا وَيُعَلِّقُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا "ذَاتُ أَنْوَاطٍ"، قَالَ: فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ خَضْرَاءَ عَظِيمَةٍ، قَالَ: فَقُلْنَا: "يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ!" فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُلْتُمْ – وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ – كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمُ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ!) إِنَّهَا لَسُنَنٌ! لَتَرْكَبُنَّ سنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ سُنَّةً سُنَّةً!)). ولا أحد من أهل العلم قال إن محمدا – صلى الله عليه وسلم – قد كَفَّرَ بذلك أصحابَه!
وفي الصحيحين: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ؛ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ! قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ؟))
وشهد الله أننا ما قصدنا ولا حتى هذا! وإنما هو تنبيه على منهج! وإنَّ التحزب في المجال الدعوي – كما أراه إذا سمحتم يا سيدي أن يكون لي رأيٌ – ضرب من اتباع سَنن الآخرين! تلك هي قصة ما أوردناه من آية الأعراف: (قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمُ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ!) وعلى ذلك يجري كل ما أوردنا من أمثالها من تمثيلات أو تضمينات أو اقتباسات، ولا حاجة للتهويل والتطويل!
لازم المذهب ليس بمذهب
ثم تصر يا سيدي على أن تلزمني بما لم ألتزم به! بتتميم الآيات التي لم أتمها قصدا؛ إصرارا من فضيلتكم على إيقاعي في (لازم المذهب) كما يقول علماء الجدل والمناظرة! والقاعدة عندهم أن: (لازم المذهب ليس بمذهب!) ولو حاكمتك بلازم المذهب كما حاكمتني لقلتُ: إنك جعلتني من الخوارج – في سياق نقدي للحركة – بسبب خروجي من "الحركة"! وأنا أعلم أنك لا تقصده، ولكن من يضمن لي عدم استغلال ذلك من لدن الحزبيين المتعصبين؟ فيحكمون عليَّ وعلى أمثالي بتلك التهمة! ثم يلحقونني بعد ذلك – بسبب تحاملك الشديد عليَّ – "بالتكفيريين"! وأقول لك: لقد حصل بالفعل! وقيل ما قيل!
يا سيدي أحمد! إنني إذا ضمنت تعبيري معنى قوله تعالى: (ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى) فلا حق لك في تكميل ما لم أقصد إليه قط! ولا حق لك في الإتيان بسوابقها ولواحقها! من قوله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً. مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً!)(النساء: 143). بل كان عليك أن تحللها في السياق التربوي الذي ضمنتها إياه. ومعلوم أن جزءا من هذا قد يكون في المسلم وقد يقع فيه، ولا يخرجه ذلك إلى حد النفاق العَقَدِي! كما هو مقرر في عقيدة أهل السنة بإجماع العلماء. بل الشرك نفسه قد صح فيه الحديث أنه قد يقع فيه المؤمن ولا يخرجه عن حد الإيمان! وفي حديث أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (("يا أبا بكر! للَشِّرْكُ فيكم أخفى من دبيب النمل!" فقال أبو بكر: وهل الشرك إلا من جعل مع الله إلها آخر؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده! للَشِّرْكُ أخفى من دبيب النمل! ألا أدلك على شيء إذا قلتَه ذهب عنك قليلُه وكثيرُه؟ قال قل: "اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم!)) رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير.
وما ذكرنا نحن في كتابنا غير لفظ (الشرك الخفي) على ما اصطلح عليه العلماء منذ القديم – أخذا من نص الحديث المذكور وغيره – لِمَا قد يصاب به المسلم من أمراض روحية واختلالات منهجية، مما يخرم الإخلاص.
وأما هذه الآية عينها فغير واحد من أهل العلم بالمشرق والمغرب – من شيوخ الإسلام الكبار – قد وظفوها هي نفسها بكامل سياقها، لا ببعض مضمونها فحسب؛ لنقد أحوال المسلمين في صلواتهم، وهم مجمعون على أنها نزلت في المنافقين! فقد أوردها الإمام ابن تيمية رحمه الله بنصها لهذا الغرض، فقال: ((الصلاة نفسها إذا فعلها كما أمر فهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما رُوي عن ابن مسعود وابن عباس: أن في الصلاة مُنْتَهًى ومزدجراً عن معاصي الله. فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدا. وقوله [يعني قول الصحابي]: "لم يزدد إلا بعدا": إذا كان ما ترك من الواجب منها أعظم مما فعله؛ أبعده ترك الواجب الأكثر من الله، أكثر مما قربه فعل الواجب الأقل! وهذا كما في الصحيح عن النبي أنه قال: "تلك صلاة المنافق! تلك صلاة المنافق! تلك صلاة المنافق! يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا!" وقد قال تعالى: "إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا". وفى السنن عن عمار عن النبي أنه قال: "إن العبد لينصرف من صلاته ولم يكتب له منها إلا نصفها، إلا ثلثها، حتى قال: إلا عشرها!" وهذا وإن لم يؤمر باعادة الصلاة عند أكثر العلماء لكن يؤمر بأن يأتي من التطوعات بما يجبر نقص فرضه!))(مجموع فتاوى ابن تيمية: 7/30-31).
ثم قال في موطن آخر: ((وقال تعالى: "إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا" وهذا وعيد شديد لمن ينقر فى صلاته، فلا يتم ركوعه وسجوده بالاعتدال والطمأنينة.)) (مجموع الفتاوى: 22/537-538).
وقبله قال حافظ المغرب أبو عمر ابن عبد البر الأندلسي رحمه الله: ((وأما قوله في صلاة المنافقين: إنها كانت عند اصفرار الشمس، فذلك ذَمٌّ منه لمن أخر صلاته ذاكراً إلى ذلك الوقت، وتحذير من التشبه بأفعال المنافقين الذين كانوا لا يأتون الصلاة إلا كسالى، وقد كان من أمراء بني أمية من لا يصلي إلا ذلك الوقت وبعده!))(الاستذكار: 1/111).
وأما توظيف غير هذه الآية مما نزل في بني إسرائيل والكفار عموما، في علاج أدواء الأمة – بل حتى في استدلالات الخلاف الفقهي – فهو في التراث الإسلامي أكثر من أن يحصى! مما لو استقريته لجئت فيه بمجلد كامل! ولا أحد عاب على العلماء ذلك، ولا أدخل مقالاتهم تحت مشارط التحليل النفسي!
والعجيب أن يغيب عن مثلك هذا!!
هذا، إضافةً إلى ما هَوَّلْتَ به شأن الكتاب من إضافة عبارات شتى لم أتفوه بها قغ فأوردتَها أنت على سبيل البيان منك والتفسير لمقصودي! سامحك الله! وذلك مثل عبارة (حزب الدمار الشامل!) وأضرابها؛ حتى ظن بعض من لم يقرأ الكتاب من الحزبيين – مكتفيا بردكم عليَّ – أنها عبارتي أنا، وأنا منها بريء!
وما كان عندي من غرض بـ(حزب العدالة والتنمية) من حيث هو حزب؛ حتى أنتقده لذاته، فالأحزاب في الدنيا كثير! وليس ذلك من اهتماماتي. وإنما كان غرضي متعلقا بالعمق الاستراتيجي للعمل الإسلامي. ولذلك فالكلام عنه جاء تبعاً لا أصالةً. فالحزب هو أحد إفرازات العمل الإسلامي بالمغرب. وهو – أحببنا أم كرهنا – تجربة محسوبة على (حركة التوحيد والإصلاح)، ارتهن بها وارتهنت به! في سياق جدل (الفصل والوصل)، أو ما سماه الإخوان في ورقتهم الرسمية بقضية: (خنـزير البحر!) كما هو مفصل في منشورهم: (عشر سنوات من التوحيد والإصلاح)(ص:36)؛ إحالةً على الجدل الفقهي الوهمي في حكم لحمه؛ تعريضاً بمن قالوا بفصل الحزب عن الحركة! ولا يعنيني هنا أن يكون الحزبُ خِنْـزِيرَ بَحْرٍ، أو خنـزيرَ بَرٍّ! وإنما يعنيني أثره على العمل الإسلامي الأصلي، وكذلك الطريقة الملتوية التي تم بها وضعنا في حرج الأمر الواقع! بعد القرار الذي خرجنا به من مجلس الشورى الانتقالي بالفصل، تصويتا بالأغلبية! وأُوكِلَ إلى المكتب التنفيذي تصريف القرار بالتدريج. فأبى الحزبيون إلا التمادي في الوصل، وأصروا على أن يكونوا هنا وهناك، وفي كل مكان! فتمادوا حتى تُنُوسِيَ القرار..! وصرنا إلى الأمر الواقع، على عادتهم في نقض القرارات التي لا تروق لهم! ثم صارت الأحوال إلى هرولة الالتحاق بالحزب من هنا وهناك؛ فكان ما فصلته في الكتاب من مآس! والبقية تأتي الآن مُنْـتِنَةً من مواقع الحركة والحزب! وما تزال تأتي في هذا الواقع الجديد لمن أراد المزيد!
أما بالنسبة لقضية (الوحدة) التي حاولتم نقض فكرة فشلها بكل قوة، فالمسألة راجعة إلى الاختلاف في مفهوم (الوحدة)، وقد وضحتُ رأيي في كتاب "الأخطاء الستة" بما فيه الكفاية. وأكرره ههنا بكل قوة: لقد كانت الوحدة المزعومة لقاحا حيويا لحركة (حاتم)، وإعداما منهجيا لرابطة المستقبل الإسلامي! وقد كان الفرق بينهما واضحا في صلب المنهاج وفي صميم التصورات. هذا بغض النظر عن صحة أو فساد ما كانت تتبناه هذه الحركة أو تلك من منهاج وتصورات. فلا شك في أن لكل جماعة سلبياتها وإيجابياتها. ذلك رأيي الذي أتحمل مسؤوليته التاريخية كاملة، والله وحده المستعان!
ثم إن كان لا يضيركم يا سيدي أن يؤول أمر الوحدة إلى صورة التحاق بجمعية "حاتم" – كما عبرتم في الحلقة الثالثة – فإنه يضيرنا جدا أن نُسْتَدْرَجَ إلى ذلك عن طريق سياسة الأمر الواقع! ثم يُفرض علينا بالتدريج منهج معين للعمل، وهذا أمر في صلب الأخلاق. والأخلاق هي الدين!
خاتمة في قصة هذا الكتاب
بقيت كلمة في سبب تأليف هذا الكتاب. وقد ذهبت الظنون ببعض أصحاب المقالات المنشورة في الأنترنيت مذاهب عجيبة! والقضية ببساطة أنه لم تكن ثمة نية لكتابته بهذا الشمول أصلا. وإنما القصد كان قديما ومستمرا في كتابة ورقات في نقد العمل الطلابي بالجامعة! وكنت أتحدث في نفسي ومع بعض إخواني عن (الأخطاء الثلاثة – أو نحو ذلك – للعمل الطلابي) ولم يتيسر لي ذلك زمنا. وأنا ما زلت أُدَرِّسُ بالجامعة، وأزور مواقعها هنا وهناك، ألاحظ تواتر الانهيار الخلقي والمنهاجي للعمل الطلابي بشتى توجهاته الإسلامية. فتزداد الرغبة رسوخا في كتابة الورقات نصحا لله وللمؤمنين. لكنني عندما سنحت الفرصة وجدتني غير منطقي في كتابتي، ذلك أن هذا القطاع إنما هو وليد تصورات أشمل، ونتاج منهاج أعم، هو منهاج الحركة التي أفرزته؛ فاتجه النظر آنئذ إلى نقد الأصل قبل الفرں فتناسلت الذاكرة، وسال الجرح من جديد؛ فكان من قدر الله ما كان. والله المستعان.
سيدي أحمد، كم كنت أود لو استفدت منك حقيقة في نقد الكتاب، ولكن غضبك أبقاك حبيس فعل واحد: هو الدفاع عن حركة واحدة! وعن حزب واحد! والحال أن أغلب ورقات الكتاب، بل أكثر من ثلثيه هو في نقد ظواهر أخرى للعمل الإسلامي بالمغرب. وكم كنت أود أن أستفيد منك في نقد جوهر الكتاب فيما أسميته بالأخطاء الستة! من أمور التصورات المنهجية! لكن ردك – مع الأسف – كان ردا سياسيا أكثر مما كان ردا علميا!
ولعلمك يا سيدي إن هناك ما يشبه الإجماع من المؤالفين والمخالفين – وأغلبهم من أبناء الحركة – على صحة أغلب ما ورد في الكتاب! اللهم إلا نقدا مستفيضا سمعته من كثير من الإخوة لمسألتين اثنتين: الأولى: حول الظرف والتوقيت الذي صدر فيه الكتاب. والثانية: حول شكل الإخراج غلافا وأسلوبا. وأستغفر الله من ذلك، قبل ذلك وبعد ذلك. وإلا فلا أحد اعترض على مضمونه النقدي، ولا على حقائقه المتواترة، وخاصة منه استمرار منهج المناورة في تدبير السير الحركي! وهذا لا يغرني بحول الله! وإنما العجب ممن يغطي أشعة الشمس بالغربال!
ومع ذلك أقول: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(يوسف: 53).
يا سيدي أحمد! لقد قاتلتَ قتالا مريراً في ردك عليَّ! لكنك لن تجدني – إن شاء الله – على جبهة حربك، كما يحب الذين أرادوا أن يتترسوا بك! وإني لأعوذ بالله أن أتخذ مثلك من أهل الفضل خصما! وإن كنتُ لست ملزما بأن أرى الأشياء بعينك، ولا أن أسمعها بأذنك!
ويؤسفني أن أقول لك: إن نظريتك في (التقريب والتغليب) كانت حاضرة في ردك عليَّ من جانب واحد فقط: أما (التغليب) فقد رأيته، وأما (التقريب) فلم أر منه شيئا!
لقد كنتُ أعتقد أنك – يا سيدي أحمد – أكبرُ أفقاً من حزب! وأوسع صدراً من جماعة! وكنت أرى أنك رجل أمة! وقد كتبتُه في مقدمة سابقة لبعض كتبك. وأقول لك: إنني ما زلت على اعتقادي وعهدي، ولعلها سورة غضب منك عابرة. وأنت عندي هو أنت! لن تزداد في ضميري إلا تقديرا وتوقيرا. وأعوذ بالله أن أقصد إلى إيذائك قصداً!
لقد كانت تجربة (التوحيد والإصلاح) – بالنسبة لي – صدمة منهاجية مفيدة جداً! بل كانت فرصة تاريخية في عمري! راجعتُ فيها كثيرا من المفاهيم الدينية، بدءا بمفهوم (الدين) نفسه! وما تفرع عنه من مفاهيم العمل الإسلامي جملة، طبيعته، ومراتب أولوياته. فعانيتُ – شهد الله – أرَقاً وحسرةً على ما ضيعت وعلى ما فرطت! وفي غمرة ذلك بدأت أشاهد معاينةً أنَّ سفينة العمر إنما تتقدم بي نحو الآخرة! وانتصب سيف الآية الكريمة يقصم قلبي ليل نهار: ((قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً؟ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً!))(الكهف: 99). وأتحدث بهذا عن نفسي فقط! ثم اتَّبَعْتُ سبباً، فأجريتُ عمليات جراحية عميقة على نفسي؛ لاستئصال أورامها الخبيثة! وما زلتُ! فَمَنَّ الله بعد ذلك باجتهادات أخرى في الدعوة والعمل، وباختيارات أخرى في الفكر والممارسة، وبطريقة أخرى في التصريف والتدبير. وقد صدر شيء من ذلك في بعض كتبي، وستصدر تتماته في ورقات أخرى لاحقا إن شاء الله. وإنما الموفق من وفقه الله.
وأما ذلك التاريخ الجريح، الذي لك الحق في أن تراه كما تريد، كما أن لي الحق في أن أراه كما عشته وكابدته، فأقول فيه لنفسي أولا، ثم أقول لك، وللذين تترسوا بك: ((إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ! ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ!))(الزمر:31).
وحتى لا نقع جميعا في (الخطأ السابع!) وعدد "السبعة" في العربية رقم متناسل إلى السبعين إلى السبعمائة، إلى ما لا ينحصر..! وهو – في هذا السياق – مآلٌ خطير! لن يتأذى منه – في نهاية المطاف – إلا الدين نفسه والعياذ بالله! أقول: حتى لا نقع في ذلك، أغلق من جهتي هذا الملف إلا أن يشاء الله. وأختم بقوله تعالى: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)(الحشر: 10) وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخوكم: فريد الأنصاري.
ـــــــــــانتهى.
18 Comments
اتق الله يا سي فريد الانصاري
اتق الله يا سي ريسوني
هل هدا هو ما ينقصنا؟؟؟؟؟؟؟؟اترضون ان تكتب عنكم الصحف اليسارية بكل سخرسة؟؟؟؟
اله يهديكم ويهدينا
ومتفركعوش الرمانة مرة اخرى
لقد وصلت الرسالة يا أستاذ بل أصبحت تقاريرنا الداخلية تنشر على الأنترنيت بعدما قرأناها في لقاءاتنا الداخلية وتدارسناها واقترحنا لها الحلول المناسبة ، فإذا كان الهدف هو النصح فقد تحقق وزيادة. أرجو من الأستاذين الاكتفاء بهذا واحترام ذكائنا واختياراتنا وعدم الوصاية علينا… والكمال لله، ولنترك التاريخ يمحص تجربة الوحدة الناشئة ، ونحن لم ولن نتوقف من التصحيح من الداخل…والله ولي التوفيق.
A nos professeurs que nous réspéctons tous, Al-Ansari et Arrisouni, et d’autres, laisons si vous plais ces débats artificiels au jour convenable. et merci bien.
الذي أعرفه عن خركة التؤحيد و الإصلاح أنها تمارس النقد الذاتي في ممارستها الدعوية لذلك نجدها تجدد وسائلها و آليات اشتغالها . ففي مدينة وجدة التي أعيش بها ألاحظ العكس تماما لما أورده الأستاذ الانصاري ، فمقر الحركة يعرف نشاطا وحيوية طيلة أيام الأسبوع تقريبا وحاصة يومي السبت و الأحد حيث الدرسين الأسبوعيين للنساء و الرجال، في حين مقر الحزب لا يلجه إلا المسؤولون عن الحزب أو بعض المواطنين ذوي الاحتياجات الخاصة . ومن حقي أن أتسائل أليس صدور الكتاب في هذا الوقت بالذات ليس بريئا ؟ ألا يندرج في إطار الحملة التي يتعرض لها حزب العدالة و التنمية من أجل إضعافه حتى لا يحصل على عدد من المقاعد تخيف خصومه العلنيين و المستترين ؟ ألا يجدر بك وأنت تمثل إمارة المومنين في البلد بوصفك رئيسا للمجلس العلمي أن تلتزم الحياد ولا تدخل نفسك في من يدخل غمار المنافسة السياسية بالنيابة عن الآخرين .
جزاكم الله كل خير على هده الردود
واقترح من مكتب حركة التوحيد والاصلاح ان ينظم لقاء مع المهتمين والمتتبعين بمسار الحركة من اجل تدارس الكتاب، حتى لا تكون عملية استفهام
وإني انتظر جوابكم والمرجو ان اكون من المدعوين
السلام عليكم نطلب من الاحوة الرسوني والانصاري ات يتحلوا بالصبر وان لا يفتحوا بابا لاعداء للدخول منه والخاسر في هده المواجه هو الدبن ولا يحق لاحد ان ينوب عن الدين وارجو النشر وشكرا
يا أخي الخلاف لا يخيفنا بل إننا نطلبه ونحبذه كما صرح بذلك الدكتور أحمد الريسوني على موقع الحركة وذلك للاستفادة من كل وجهات النظر…وعلى المستوى المحلي كانت الحركة قد حضرت لمائدة مستديرة تدعو لها أهل الرأي والفكر بالمدينة والموضوع المقترح كان »الحركة من منظور الآخرين » والمناسبة كانت هي الاحتفال بالذكرى العشرية للوحدة لكن ظروف موضوعية حالت دون ذلك، والفكرة لا زالت مطروحة … ما آخذناه على أخينا الدكتور فريد الأنصاري هو الطريقة والأسلوب وبعض المبالغات والأحكام المطلقة … فكونه الآن ينشر تقارير اللجنة التربوية التي رصدت بعض الآفات لدى الإخوان دليل على أنه لم يقل لنا جديدا، فتلك تقاريرنا نشتغل عليها ونحن واعون بعيوبنا…وربما يكون لذلك علاقة بمنهج المشاركة والمخالطة الإجابية والانخراط في مؤسسات المجتمع…وطبيعي لمن اختار ذلك من الوقوع في بعض الأخطاء… أما الشخص الرافض للعمل السياسي أصلا ويعتبره رجس من عمل الشيطان أو الذي يعيش في تنظيم مغلق فإنه لا يحتك بالمجتمع وبالتالي يبقى نظيفا كما يقال. وهذا المنهج لا نعتمده في الحركة ونحترم من يتبناه.
لقد سقط القناع عنكم أيها الحزبيون من حركة التوحيد والإصلاح أو حزب العدالة والتنمية، فهما وجهان لعملة واحدة كما عبر الدكتور الأنصاري حفظه الله. والله إن تصرفكم مع الكتاب ومؤلفه ليدل فعلا على صدق الانتقادات التي وجهها لكم. إن هذا التحالف الغريب ضده بهذه الصورة الجنونية لدليل قاطع على الحزبية المقيتة، وعلى الاستصنام الخطير الذي آل إليه أمر العمل الإسلامي بينكم. ونحسب أن الرجل قد كان صادقا فيما قال، مهما حاولتم التشنيع عليه. أفلا تراجعون خياراتكم وأولوياتكم؟ أم أن الحزبية أعمت بصائركم؟ وصدق الله العظيم: « فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض » وإن غدا لناظره قريب. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والله أكبر ولله الحمد
مسلم غيور على العمل الإسلامي
الله الله في علمائنا الدكتور فريد معروف عنه أنه ليس من أصحاب المزايدالت ولا المنورات ، فالكل يعرفه أنه من أهل الإخلاص وللدعوة لله تعالى لالحزب ولا لجماعة ،فكل كتاباته وأطروحاته مركزة على الدعوة لله لالأي صنم من الأصنام الحجرية أو البشرية فجزاه الله خيرا وكثر من أمثاله
الله الله في علمائنا الدكتور فريد معروف عنه أنه ليس من أصحاب المزايدالت ولا المنورات ، فالكل يعرفه أنه من أهل الإخلاص وللدعوة لله تعالى لالحزب ولا لجماعة ،فكل كتاباته وأطروحاته مركزة على الدعوة لله لالأي صنم من الأصنام الحجرية أو البشرية فجزاه الله خيرا وكثر من أمثاله
يبدو أن كتاب الأخطاء الستة للدكتور فريد الأنصاري قد بدأ يؤتي أكله النقدي، فبعد هدوء العاصفة العاطفية التنظيمية التي أثارها أعضاء الجماعات ورغم محاولة الدكتور أحمد الريسوني الرئيس السابق للحركة إخماد جذوة النقد برده المتحيز جدا ضد الدكتور فريد الأنصاري والمشحون بالتوظيف السياسي للنصوص الشرعية – مما لا يغيب على عارف بالواقع الحركي بالمغرب – فإن كثيرا من شباب الحركة يعقدون الآن حلقا لمدارسة الكتاب بصورة جدية، والحديث يدور حول تأكيد صحة ما ورد فيه. خاصة بعد الفضائح التي خرجت إلى السطح والمتعلقة بتزوير الإخوان في حزب العدالة والتنمية التابع للحركة للانتخابات الداخلية والتهافت الذي حصل في أكثر من موقع على المناصب و الرغبة الجامعة إلى حد العراك للحصول على تزكية الجزب واحتلال رأس اللائحة الانتخابية.. والنقاش الآن هو حول كيفية التصحيح وجدواه؟
كتبه عضو في الحركة
اللهم ارحم فريد الاءنصاري
اللهم ارحم فريد الاءنصاري
اللهم رحم فريد الأنصاري رحمة واسعة
اللهم ارحم الشيخ الدكتور الفاضل فريد الانصاري وارحمه رحمة واسعة رجل متواضع وطيب القلب كان يزورنا كل سنة في منزلنا في الامارات وهو صديق ابي رحمهما الله
رحم الله الشيخ الدكتور فريد الأنصاري لقد كان حقا فريدا في كتاباته ويحصل لي الشرف أن يكون بحث تخرجي حول فكره الإصلاحي الشامل في جميع المجالات
الدكتور العلامة فديد الأنصاري مدرسة تربوية وعلمية ومنهجية رائدة .. ومن قرأ أعماله وهي مطبوعة ومتوفرة وكان متجردا للمعلومة استفاد غاية الاستفادة .. رحمه الله وأكرم مثواه
رحم الله الشيخ المربي سيدي فريد الأنصاري
رجل أخلص لله وها نحن الآن نعرف صدق الرجل