Home»Régional»سوق لمخــــــــــــــــــــــــوخة

سوق لمخــــــــــــــــــــــــوخة

0
Shares
PinterestGoogle+

"سوق لمْخُوخة*"

إن موقع الدماغ في أعلى جسد الإنسان ( وهو في وضعية الوقوف ،أما في وضعية التمدد فهذه حكاية أخرى) يجعله في موضع يسمح له بالوقوف (بالرغم من كونه بدون أرجل) على كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالوضائف الكبيرة المعقدة التي تقوم بها كل ذرة في هذا الجسد المعقد المركب السريالي الشكل الذي لولا تعودنا عليه لما زالت سرياليته . فمجرد التفكير في تلك الأشكال اللزجة والأحجام المقززة التي تخفيها جلودنا يجعلنا نشعر برغبة جامحة في الهروب من أجسامنا . ولعل أشرطة الخيال العلمي المليئة بالمخلوقات التي تشمئز منها الأنفس وتصيب الأبدان بالغثيان مجرد تنفيس أونفاق على الذات أو حتى كذب عليها بكونها جميلة كاملة لا تمت لها تلك الأجساد الآتية من الفضاء الخارجي بأية صلة فإلقاء الضوء على قبحها ليس غاية في حد ذاته وإنما الغاية هو إلقاء الضوء على حسن الذات ، فكما هو الحال مع المفردات صنع المعنى لايتأتى إلا بوجود شيء ونقيضه .

كان متمددا على سريره وهذه الأفكار تنخر دماغه كقطع زجاج صغيرة . لازالت صور الشريطين الخياليين اللذان شاهدهما البارحة تقض مضجعه بأسئلتها الغريبة الكثيرة المرعبة اللذيذة التي تعطيه سببا للوجود في سطحية الواقع الذي صار بسيطا إلى درجة البلادة .
لهذا السبب بالذات ينادونه رفاقه بصاحب "المخ العيّان" تلك كانت طريقتهم في التعبير عن الفجوة بين سطحيتهم وتقبلهم للأمور كما هي دون مساءلة أو لجان إنصاف أومصالحة وعمقه في التفكير وطرح السؤال تلو الآخر على كل الأمور واكثرها بساطة . تلك كانت عنصرية فكرية لم يعد قادرا على تحملها وأصبح الإقصاء الذي يعانيه يجعله أمام خيار وحيد أوحد لامناص منه ألا وهو شراء "مخ" عفوا دماغا جديدا يلائم بقية الأدمغة لأن السوق " عاوز كذا". على كل حال ليس هناك ما يخجل منه في إقدامه على هذه الخطوة فقد سبقه رواد ورائدات في الإستبدال والتغيير حتى لو كان يعني هذا فقدان الذات .

"من فضلك أيها الجزار عد إلى حديث "لمخوخة " ودعك من القضايا التي لاتفقه فيها شيئا!!"
" أنا لم أقل شيئا وإنما كنت أريد أن أدلل على الحالة النفسية التي وصل إليها صاحبنا بإعطاء أمثلة تساعد على الإفهام وإيصال الأفكار والطرحات . . . على أي أولاد و بنات آدم و حواء على عيني ورأسي ، ولا داعي أن يغضبن مني أو من كاتب هذه السطور أو من قلمه أو مداد قلمه الذي يخط حروفا لا سيطرة له عليها فالقلم في حالة " جدبة " في حالة " صرع" "وشطحات" لاحول ولا قوة له : لذا ومن غير سابق إنذار قرر صاحبنا تغيير مخه واقتناء مخ جديد ، فتوجه إلى " سوق لمخوخة" الكائن بحي " النزوقة*" والذي إن أردت أن تبحث عنه في خرائط وزارة إعداد التراب الوطني فستجده قرب وزارة الداخلية " التسليم!!!".

استيقظ باكرا رغبة منه في الحصول على " مخ" طازج يناسب المواصفات التي يريدها في مخه الجديد ، فنحن لا نتحدث عن عجلة سيارة.
مدخل السوق ككل الأسواق مليئة بالأزبال والناس والدواب والأبواق و الخضار والتوابل والرقيق ، والضجيج الذي يزول بمجرد ولوج جناح الأدمغة ، التي كانت طازجة تُسيّل اللعاب فما ألذ الحصول على طبق من المخ المقلي مع البيض وإبرق شاي" مشحّر". إننا بالطبع نتحدث عن أدمغة ماشية تباع جنبا إلى جنب مع أدمغة أدمية كتب على بعضها صنع بالتايوان – صنع بألمانيا – صنع بأمريكا وعلى الأغلبية العظمى –صنع" بدرب غلّف" وهي أغلى الأنواع وأكثرها رواجا فمثلا سعر رديئها يفوق البقية أربعة أضعاف أوأكثر وذلك لكون مانحيها ترعرعوا في حي " النزوقة" .
فبدأ يتفحصها وبطبيعة الحال فهو لن يشتري واحدا من المصنوعة في " درب غَلّف*" ولا حتى تلك المصنوعة في جهات متنوعة من العالم بل إنه يود الحصول على واحد مهرب ثمنه معقول ، فيتجه نحو الجناح ويطلب من الساهر عليه بكل لباقة أن يبيعه إن كان في الإمكان سلعة من تلك السلع المعلومة المجهولة المصدر التي تباع سرا وعلانية . صاحب المحل الذي ظنه لوهلة أنه من وحدة مكافحة بيع الأدمغة المهربة . صرخ في وجهه ونعته بعدو الوطن لكونه يستهلك سلعة غير محلية ، لكنه وبعد أن شرح له الموقف أبدا بعض المرونة ، فنظر يمينا وشمالا وقال له" لابأس لولا أنني أشفق عليك . . . على كل حال اتبعني.
فيدخله عبر باب سري إلى غرفة خلفية تعرض فيها أدمغة مجهولة المصدر.
" ها نا تبرع* لي !! فعروقه لاتزال حية !"
يتفحصه ويعجب به ، ويأخذ بتقليبه في كل اتجاه وصوب ليكتشف ومن خلال أحرف صغيرة نحتت على المخيخ أنه صنع في إسرائيل ولم يعمل قط! وها هنا تثور ثائرة صاحبنا وتبدىء نغمات أغنية " منتصب القامة أمشي " تدب في عروقه فيصيح في وجه البائع وينعته بأقبح النعوت وأرذلها ويتهمه بالخيانة العظمى للوطن والعروبة . . . يجيبه البائع " تحليك الفم ! لعلمك فالبزنس إز بزنس، المال لا رائحة ولا ذوق له والأدمغة بالرغم من كونها ذات رائحة وذوق إلا أنها تخضع لقواعد السوق والمال والأعمال ، وبالمناسبة أحييك على صحوة ضميرك وروحك القومية العالية التي لازالت حاضرة على الرغم من كل الإخفاقات والخيانات والمؤامرات ، نصيحة مني إليك : احتفظ بمخك وادخل سوق رأسك وإن أحببت أن لا تدخله فلا تدخله – سير بدل الساعة بأخرى!!!"

"لمخوخة" : عامية مغربية تعني مخ أي أمخاخ، أدمغة
"النزوقة" : نزق ،لبق
"درب غلف" : حي في الدار البيضاء حيث تباع الأغراض المستعملة
"تبرع لي" : تمتع وانعم
"التسليم" :ما عدا الله
"مشحّر" : حينما يأخذ إبريق الشاي وقتا طويلا على نار خافثة

الكويت : عبدالقادر الفلالي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *