مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب قراءة في السياق العام 3
يمثل مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب كأهم قانون أولي لتفعيل توجيهات ومقتضيات الدستور الحداثي الجديد من ناحية احترام إرادة الشعب عبر الاختيار الحر والنزيه لتمثيل هذه الإرادة،وكذا من خلاله ستعين أول حكومة ورئيسها في ظل الدستور الجديد .
فمن البديهي أن يكون هذا القانون راقي في المستوى التخطيطي والاستراتيجي والتواصلي في مقتضياته وبنوده ليكون تعبيرا حقيقيا عن الإرادة السياسية التي أسست لدستور 2011.
لكن ما أجمعت عليه معظم القوى السياسية والفكرية والجمعوية والمؤسسات الحزبية ،هو عدم استجابة هذا القانون للترجمة الحرفية لمبادئ وأسس إعادة الثقة في الحياة الحزبية السياسية المغربية التي جاء بها الدستور :
وذلك من خلال :
1- التقطيع الانتخابي : (كان موضوع المقال الأول)
2- شروط الترشح لعضوية مجلس النواب (كان موضوع المقال الثاني )
3- جدلية العتبة و نسبتها :
من المعلوم أن العتبات الانتخابية شائعة بكثرة في معظم النظم الديمقراطية المتعددة الأحزاب، وهي تحديد نسبة من الأصوات لا تعتبر دونها نتائج أي حزب ،وتهدف تبني العتبة وبنسب متفاوتة لغاية ضبط الأحزاب التي ستصل إلى البرلمان وتقنينها ،وبذلك تحدد الحزب أو الحزبين اللذان سيشكلان الحكومة .
فهي بهذا الأسلوب تهدف أساسا إلى عقلنت المشهد الحزبي بدل من بلقنته ..لكن ..
أمام الوضع المتردي للحياة السياسية الحزبية بالمغرب والتي تتمثل خاصة في :
1 – تنامي ظاهرة العزوف : فقدان الثقة
وهو عزوف ليس على الحياة السياسية بقدر ما هو عزوف ممنهج على الحياة الحزبية ، بالرغم من شرف عدد أحزابنا على 40 حزب..
وبلغة الأرقام، فأول حزب سياسي مغربي حصل على حوالي 500 ألف صوت من أصل كثلة ناخبة تجاوز عددها 17 مليون ناخب في شعب يفوق عدد أفراده 30 مليون نسمة ، أي أن نسبة الممتنعين بلغت 63% ،ونسبة مما أدلو بأوراق ملغاة 17% من بين 37% من المشاركين في العملية الانتخابية في استحقاقات شتنبر 2007
بالإضافة إلى – التقهقر الحزبي المصاحب للغوغائية في العملية السياسية
والتي يمكن أن نجملها إن الأحزاب في رأي أغلبية الشعب المغربي هي فقط : سوق لترويج السراب والكذب والاحتيال وشراء الذمم وتمديد عمر الأزمة والبقاء على تجارتها المغشوشة والتي أصبحت مكشوفة مفضوحة ،ونحن نقر بأن كل حزب فيه فضلاء وشرفاء إلا أن أصواتهم ضعيفة وعددهم قليل ..
2- إقرار دستور حداثي تشاركي جديد : تجديد الثقة
حيث إن الانتخابات التشريعية المقبلة حددها إقرار الدستور الجديد الذي أتى بمقتضيات جد ايجابية وذات فعالية في العملية السياسية بالمغرب .
وستكون هذه الانتخابات هي الاختبار الحقيقي لهذا الدستور الذي وضع بصيغة تشاركية مع مختلف مكونات المشهد السياسي والحقوقي والجمعوي بالمملكة .
والأكثر من ذلك أن متمنيات أغلبية الشعب المغربي التي صوتت لصالح هذا الدستور تنتظر تغيير الحياة السياسية المتردية بالمغرب في ظل الانتخابات التشريعية القادمة والعمل على تفعيل مقتضيات الدستور على ارض الواقع .
3-مرحلة انتقالية صعبة : مرحلة مصيرية للمغرب
بالرغم من التصويت على الدستور الجديد وبداية العمل به ،والإسراع بتنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها تعطي القيمة الفعلية لترسيخ الدستور الجديد ،فإننا نلاحظ لحد الآن خروج حركة 20 فبراير وما يدور في كنفها إلى الشارع .
أي انقسام الساحة السياسية المغربية بين مؤيد وبين رافض أو بالتعبير الصحيح بين فئة متفائلة دخلت لورش الإصلاح من بابه الواسع وفئة فاقدة للثقة على ضوء ما تعيشه على أرض الواقع .
وانطلاقا مما سبق :
فان إقرار عتبة مرتفعة ( اقصائية ) لا يخدم المرحلة الراهنة الانتقالية ولا يخدم بالتالي المصلحة العليا للوطن .
لا سيما أننا نعلم أن نظام العتبة هو أكبر من إمكانات أكثر من 30 حزب سياسي بالمغرب ،حيث أن اعتماد العتبة يتطلب تحقيق نتائج انتخابية مرتفعة في حين أن أول حزب عندنا لا يتجاوز 13 % ،وكذا أن القاعدة الأساسية هي أنه كلما كان عدد المصوتين مرتفعا كان الوصول إلى العتبة سهل ،والعكس انه كلما كان عدد المصوتين ضعيفا والعزوف كبيرا كان الوصول إلى العتبة أمر صعب
فالمرحلة الراهنة تتطلب إدماج كل الأحزاب الحقيقية الوطنية للتفعيل الايجابي لمقتضيات الدستور الجديد ،ويتطلب الآمر إشراك ومشاركة الجميع بإرادة ملتزمة وفكر راقي وخلق سياسي سامي .
يتبع
محفوظ كيطوني
mahfoud.guitouni@gmail.com
Aucun commentaire