بين المواطنة و الولاء للقبيلة
الشعب أهم مكون من مكونات الدولة الحديثة، و لا يمكن أن نتصور وطنا بلا مواطنين، أو نجد وطنا فاعلا بأنصاف مواطنين أو بوطنية مجتزأة و منقسمة بين الولاء للوطن و الولاء لهوية قبلية أو إثنية لجزء أو فئة معينة من الوطن. ولا يمكن أن ترتقي هوية جزئية في وطن ما لتكون بديلا عن المواطنة الحقة. الجزء يبقى جزءً و الوطن هو الكل الذي يجمع الأجزاء. إن جمال الفسيفساء أكبر دليل على أن لكل جزء منها دورا في صورتها الكلية.
خرجت علينا كتابات، في الآونة الأخيرة، لا أجد لها توصيفا غير « الأقلام المراهقة »، تتعصّب في مجملها لمكون ثقافي أو لغوي معين: العربية، الأمازيغية، الحسّانية … و لا أجد نفسي منحازا لأحدها، لأنني ببساطة، لا أراها تخدم الوطن في شيء. بل هي حتما تفرق بين مكونات الأمة و تزرع شقاقا في الجسد الواحد بإبراز النعرات الإثنية و الإعلاء من شأنها، وتحويل مواقع الأنترنت و صفحات الفيسبوك إلى ساحات مسايفة بالأقلام الخشبية. و يُخيّل إلى كل متجادل أنه يدافع عن وطن حقيقي رَسّم له بنفسه حدوده المفترضة و انتمى إلى شعبه المختار. لن يستفيد الوطن في شيء من هذه السجالات العقيمة و غير العاقلة، والتي تبرز بدون شك، أسباب التخلف الفكري و الثقافي و الحضاري.
الكتابة مسؤولية قبل أن تكون هواية أو وسيلة للاسترزاق. يجب أن لا ينسى الكاتب أو يتناسى قول الله عز و جل: « والفتنة أشد من القتل »، و أنه على الكتابة أن تكون وسيلة لإبراز القواسم المشتركة و الصفات الجامعة لكل فئات الوطن، عوض البحث عما يفرق و يُشتت. كم من كلمة خبيثة أشعلت فتنا نائمة، و كم من كلمة طيبة على قلة حروفها حقنت الدماء و ألفت بين القلوب و فعلت ما لم تفعله السيوف.
لو عرف التاريخ أوطانا بعدد اللغات أو الثقافات لكان العالم قبائل مشتتة ولما تشكلت الحضارات أصلا. فالحضارة نِتاج لتلاقح ثقافات عِدّة بالضرورة، و في التاريخ الإنساني خير عبرة لمن يعتبر. الحضارة الرومانية لم يسطرها الرومان وحدهم، و الحضارة الإسلامية لم تكن يوما عربية خالصة. لا يتوهم أحد، إذاً، أن عشيرته عرق آري جديد مُتفوق على غيره من الأعراق و أنه محظوظ بانتمائه لقبيلته، في الوقت الذي يتوجب فيه تربية الأجيال على حب الوطن و التمسك بديننا. إن التعصب للانتماء القبلي من أهم تجليات الإفلاس الفكري. لا ضرر في الاعتزاز بالهوية الثقافية أو اللغوية و المطالبة بما يكفل المساواة بين الجميع في الاعتراف بالثقافة أو اللغة، لكن العيب في التعصب للإثنية بشكل يَحُطّ من الآخر و يُروّج لدونيته العرقية المفترضة، في مقابل تفوق عرق واحد على حساب الشعور بالمواطنة التي تجمع الجميع. إن إعادة إحياء بنود الظهير البربري المقيت أمر غير مقبول و غير مجدي في القرن الواحد و العشرين.
الوطن هو الكل الجامع للأجزاء كلها، وتكامل الأجزاء و تَراصُّها هو ما يعطي للكل ملامحه الجماعية. ولا يمكن للجزء وحده أن يصبح كلاّ مُتفرّدا قائما بذاته. في الوقت الذي تسعى فيه شعوب العالم إلى التوحد والتكتل نجد في وطننا للأسف من يروج لتقسيمات غريبة و أفكار عنصرية في حق الآخر – الشريك في الوطن – ، و كأن قدرنا أن نبقى أبدا في دوامة السجالات الخشبية و النقاشات الفارغة و تضييع فرص الالتحاق بركب التقدم الذي تزداد المسافة عنه يوما بعد يوم.
لم أُرد أن أزايد على أحد في المواطنة، لكنني أردت التأكيد على أن الوطن فوق الجميع، ولا يمكن أن نسمح بتبني فكر متعصب لثقافة معينة أيا كانت على حساب المواطنة الجامعة لكل الأطياف و الألوان.
المواطنة حقوق وواجبات. ولا شك أن أهم مقوماتها المساواة و التشارك، فالإحساس بأن الآخر يشاركني الوطن بشكل متساوي هو الأساس الاجتماعي والسياسي و الاقتصادي الذي يجعل من الفرد عنصرا و يجعل من الوطن عناصر متكاملة، أي أن الآخر يكملني و لا وجود للوطن الحقيقي بدونه و أن أي انتقاص من مواطنته يمس مواطنتي أيضا.
بقلم: ذ. عبد الرزاق النقاشي
enamaroc@hotmail.com
4 Comments
إن إعادة إحياء بنود الظهير البربري المقيت أمر غير مقبول و غير مجدي في القرن الواحد و العشرين.
هل يمكن للكاتب ان يفسر لنا تلك البنود ان كان اطلع ولو لمرة واحدة عليها؟ الشيئ الذي لااظنه.
ومنذ متى بفوم ,,البرابرة,, كما سميتنا باصدار الظهائر؟ اليس المخزن هو الذي يقوم بذلك ؟
ثم الكلام عن المساواة شيءجميل. الم يفرأ الاستاد الفاضل نص الدستور الذي كرس الميز العنصري ضد الامازيغ لانه وضعهم في المرتبة الثانية ,حتى أن ترسيم الغة الامازيغية كان جد مبهما ؟
الذين يشجعون العنصرية والبغضاء معروفون بشوفينيتهم العروبية ولاشيئ . ولكن لاتراهم لانك من ملتهم
إن إعادة إحياء بنود الظهير البربري المقيت أمر غير مقبول و غير مجدي في القرن الواحد و العشرين.
هل يمكن للكاتب ان يفسر لنا تلك البنود ان كان اطلع ولو لمرة واحدة عليها؟ الشيئ الذي لااظنه.
ومنذ متى بفوم ,,البرابرة,, كما سميتنا باصدار الظهائر؟ اليس المخزن هو الذي يقوم بذلك ؟
ثم الكلام عن المساواة شيءجميل. الم يفرأ الاستاد الفاضل نص الدستور الذي كرس الميز العنصري ضد الامازيغ لانه وضعهم في المرتبة الثانية ,حتى أن ترسيم الغة الامازيغية كان جد مبهما ؟
الذين يشجعون العنصرية والبغضاء معروفون بشوفينيتهم العروبية ولاشيئ . ولكن لاتراهم لانك من ملتهم
المقال لامس واقعا مريرا يعيشه المغرب منذ فترة و الدليل على هذا هو التعليق السابق الذي هاجم الكاتب و نعته بالشوفينية لا لشيء إلا لأنه تحدث عن رفضه للعنصرية. أمر غريب جدا من صاحب التعليق. ثم ان الظهير البربري معروف و لم يضعه الكاتب ولا السلطات المغربية إنما كان بنودا تفريقية بين المغاربة بالاستناد على العامل العرقي وإذا ظلمك الدستور يا أخي الأمازيغي فهذا لا يجعل العرب ملة عنصرية. و من حقك الاحتجاج في وجه من وضع الدستور و أنا أساندك. وهذا تعريف موسوعة ويكيبيديا للظهير البربري:
« ونص هذا الظهير على جعل سير العدالة في بعض مناطق القبائل الأمازيغية تحت سلطة محاكم عرفية تستند إلى قوانين وأعراف أمازيغية محلية، وفق ما كان الأمر عليه قبل دخول الاستعمار. فيما تبقى المناطق المخزنية السلطانية (مثل فاس والرباط) تحت سلطة قضاء حكومة المخزن والسلطان المغربي.
ظهير 16 ماي 1930 جاء بعد ظهير 1914 الذي هم التحفيظ العقاري، حيث قامت الإقامة الفرنسية بنزع أراضي القبائل الأمازيغية الخاضعة للعرف والمستغلة بشكل جماعي. وبالرغم من الأثر الكبير لهذا الظهير (نزع ملكية الأراضي بشكل واسع) فإنه لم يخلق ضجة خلافا لظهير 16 ماي …. إن السبب االاحمق للضجة التي أثارها صدور الظهير البربري هو صدوره في مرحلة كان النضال الوطني ضد المستعمر قد وصل أوجه و بدأت المعالم الأولى لانفراج الغمة الاستعمارية على المغرب. »
ومسألة الظهير البربري قضية معروفة و تم ذكرها حتى من طرف المؤرخين الفرنسيين.
أرى أن نعت العرب بكونهم من اخترعوا العنصرية هو قمة الشوفينية من طرف أخي صاحب التعليق.
عندما قرأت المقال لأول مرة ظننت أن الكاتب قد بالغ في تضخيم ظاهرة العنصرية ولكن عند قراءتي لأول تعليق عرفت أن الأمر ليست فيه مبالغة و أن ما ناقشه المقال حقيقة واقعة.
نتمنى لهذا الوطن خيرا وكل من يريد التفريق بين أبنائه سيلعنه الوطن. و شكرا لكاتب المقال و للموقع المحترم
مقالتك رائعة يا أستاذ و شكرا على المضمون الوطني الذي يؤكد أن المغاربة لا زالوا بخير رغم كيد الكائدين