Home»Régional»مملكة الروح في مدينة الوجدان ( المرحوم محمد بنعمارة)

مملكة الروح في مدينة الوجدان ( المرحوم محمد بنعمارة)

0
Shares
PinterestGoogle+

لكل شاعرأو فنان عظيم مدينته الافتراضية ،برع في تصميمها وهندستها وفق منظور الذات ،يهيم في فيافي الخلوة ، ومقامات اللذة والألم يتمتع في مسالكها وبين أحيائها ودروبها . فالمدينة الافتراضية التي شيدها الصوفي تختلف عن المدن الإسمنتية، مدن الرماد كما ذكر الشاعر عبد الرحمن بوعلي في ديوانه الأناشيد والمراثي.
فالشاعر المتصوف حالم بمدينة فاضلة غير مشابهة لمدينة أفلاطون التي حرمها على الشعراء .
فالشاعر يرفض الإنتماء إلى عالم مأساوي وضع الأقوياء قواعده وانتهكوا الشرائع و القيم والأعراف والقوانين الوضعية ، ولا جرم أن يحس المتصوف أو غيره من أهل الفن بالغربة في المكان أو الزمان حيث يلج مدينته معتكفا في محرابها ومتنقلا بين عوالمها حالما يمتص رحيق الألم فيحوله لذة لو عرفها غيره لحسده عليها،ويذوب في الجذبة والوجد.ممتطيا الخيال المجنح الذي يسلمه إلى البرزخ فتنساب اللغة رمزا وإشراقا وفيضا وإشارة في قالب مركز…، يقول النفري( كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة).ويقول المرحوم محمد بنعمارة عن تجربته الشعرية ( إن تجربتي الشعرية، هي تجربة شاعر مسلم دائم التأمل في الكون الذي يؤدي به إلى الوصول إلى الله عز وجل ).
وفي عزلته ومحراب فنه ومدينته أصدر الشاعر محمد بنعمارة مجموعة من الدواوين (ديوان الشمس والبحر والأحزان1972) و( العشق الأزرق) و(عناقيد وادي الصمت) و(نشيد الغرباء) و(مملكة الروح) و(السنبلة1990) و(في الرياح وفي السحابة ..أنشودة الذي يأتي) ويقول الراحل عن شعره:
**كلماتي… ليست خارج ذاتي
**واللحظة في محراب الحرف
**دخول في الزمن العاتي
**لا أكتب إلا بدمي
**أو ما تلهمه صلواتي
**لست الف
**لكن الشعر حصان
**تركبه شطحاتي

أما لغته التي يتواصل بها مع الذات أثناء شطحاته وساعة جذبه فيقول عنها:
**لغة كالأنثى
**أشتاق إليها
**حبلى بحروف
**تنبثق من نار
**وترحل في النورْ
**يتبعها البجع التائه
**والنورسُ..
**والعصفورْ

وفي محرابه يحرر الروح من عالم الشرور خدمة للواقع وإعلاء للقيم الإسلامية ، والنهل من الينابيع الصافية كما تدعو إليه رابطة الأدب الإسلامي وبهذا المعنى فالتصوف لدى الشاعر خروج عن الواقع وعودة إليه بأدوات وأسلحةجديدة تلك النظرة أو الرؤية الجديدة للحياة وطبيعة الأشياء جعلت الفن والفنانين يدفعون في بعض الأحيان حياتهم ثمنا لهذه الرحلة في عوالم الذات حرقا وإعداما وملاحقةلايتسع المجال لذكرهم……
فالتصوف بهذا المفهوم ليس هروبا من الواقع بل تمرد عليه ونقده وهو عملية هدم وبناء وقد يعتري الصوفي المرض في محرابه، والمرض عنده مرضان مرض الجسد والروح وأخطرهما مرض الروح أو القلب أما مرض الجسد فالصبروسيلة للوقوف في وجهه ، فهذا سيدنا يعقوب عليه السلام يقول بعد اشتداد مرضه ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) وقد أصدر اتحاد كتاب المغرب بيانا بعد الوقوف على حالة الشاعر محمد بنعمارة الصحية فتحدث عن الروح العالية في مواجهة الداء. قال أحد الشعراء:
وإذا عراك بلية فاصبر لها *** صبر الكريم فإنه بك أعلم )
وإذا شكوت لابن آدم إنما *** تشكو الرحيم إلى الذي لايرحم)
ورابعة العدوية قاومت المرض إلى أن التحقت بالرفيق الأعلى.
وهذه النظرة الفلسفية في طبيعة الجسد والروح نظرة قديمة في أدبنا العربي فابن سينا في قصيدته العينية يعتبر أن الروح جوهر والجسد مادة وهما جاران في الحياة الدنيا إلى أن ينفصل كل منهما عن الآخر
يقول:
هبطت إليك من المحل الأرفع **** ورقاء ذات تعزز وتمنــــــع )
محجوبة عن كل مقلة عارف**** وهي التي سفرت ولم تتبرقع )
تبكي إذا ذكرت عهودا بالحمى**** بمدامع تهمي ولما تقـــــــلع )
أنفت وما ألفت فلما واصلت **** كرهت مجاورة الخراب البلقع )
فكأنها برق تألق بالحــــــــمى **** ثم انطوى فكأنه لم يلمــــع )

وليس غريبا أن نجد جبران خليل جبران في محرابه يعاني من الغربة في هذا العالم القذر ويتمنى أن يعود إلى وطنه الأول في العالم العلوي حيث العدالة المطلقة **والنعيم الأبدي يقول في كتابه العواصف:
**أنا غريب في هذا العالم
**أنا غريب وفي الغربة وحدة قاسية ووحشة موجعة
**غير أنها تجعلني أفكر بوطن سحري لا أعرفه
**وتملأ أحلامي بأشباح أرض قصية ما رأتها عيني
**أنا غريب عن أهلي وخلاني
………………
**أنا شاعر أنظم ما تنثره الحياة
**وأنثر ما تنظمه
**ولهذا أنا غريب
**وسأبقى غريبا حتى تخطفني المنايا وتحملني إلى وطني.
وهذا الجسد عند الشاعر بنعمارة هو مملكة الروح هذه المملكة إلى زوال كما قال أحد الشعراء:
من بات بعدك في ملك يسر به *** كأنما بات بالأحلام مغرورا
يقول أدونيس متحدثا عن الفلسفة والشعرفي كتابه زمن الشعر( الفرق اليوم بين الشاعرالكبير والشاعر الصغير… وأن الصغير حين يعبرعن نفسه لايعبر إلا عنها، أما الكبيرفحين يعبر عن نفسه فإنه يعبر عن عصره كله أي عن جوهره الحضاري.
ومحمد بنعمارة إذ يعود إلى وطنه جنة الرضوان رحمه الله فإننا نذكر كذلك
معاناة الموسيقى الصوفية لدى كناوة وناس الغيوان وأهل الحال والجذبة مع المرض وكتاب أدب الهامش ومدن الفقر(محمد زفزاف) و(مليكة مستظرف) وغيرهم كثيرممن تركوا الدنيا وفي نفسهم شيء من حتى، ورحلوا في صمت رحيل محمد الحلوي وتكريمه بقطع معاشه .
رحم الله الفقيد وألهم ذويه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.

.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. hamidollah
    18/05/2007 at 23:52

    عزاؤنا في الأحياء
    نعم مات السي محمد بنعمارة٬ مات• دفناه بأيدينا زوال أمس٬ وقرأنا عليه الفاتحة• دفنا جسدا واهيا٬ صحيح٬ لكنا لم ندفن الفكر والشعر والدكربات∙
    لم ندفن السنبلة والنشبد٬ والعشق والعناقيد٬ والروح والشمس والسحابة٬ لم ندفن أثره الصوفي ولاالمفاهيم و التجلبات؛ انها أوطاننا التي نرحل البها٬ وأحضاننا التي نفزع البها٬وحدائقنا التي نتنزه فيها٬ ومحرابنا الدي نتحنث فيه كلما حركت العقل والقلب أطباف الدكرى ولهفة الشوق الى اللقاء•
    مضى السي محمد الى غير رجعة٬ لكن صوت الأسد غير الباكي باق فينا الى الأبد٬ يعلمنا فرائض الغضب على الخانعين المتملقين المداهنين الراكعين الساجدين لبعضهم٬ المسبحين بحمدهم٬ الخائفين من بعضهم٬ الصانعين لأنفسهم دوائر الانغلاق الحجري٬ المنهزمين المنهزمين المنهزمين بين يدي من قالوا لا في وجه من قالوا نعم∙
    رحل السي محمد بعدما علمنا وعلمهم أن الحباة جميلة بالحب واﻹباء وعزة النفس وعنفوانها٬ لا باﻹنحناء والتدلل٬ مهما اشتدت ريح الكراهية والتهميش والانكسار∙ألم يقل وهو في عز المرض اللعين:” أقاوم مرفوع الهامة”‼ فليفرح بموته أحياء عزيناه فيهم قبل الولادة•
    سلام عليك أيها الممتد فينا ليلا ونهارا
    سلام عليك أيها الممتد فينا سرا وجهارا
    سلام عليك أيها الممتد فينا روحا وفكرا وأشعارا

  2. عكاشـــــة البخيت
    20/05/2007 at 00:03

    أشكر الأخ على عواطفه الرقيقة، وعزاؤنا واحد في الفقيد والأعمار بيد الله ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ) ولايسعنا إلا أن نقول :
    إنا لله وإنا إليه راجعون.

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *