المــسرح والفـلــسفـة
المــسرح والفـلــسفـة
مــحـمــد كــيــحــل
لعل من المفيد التصريح بأن التفكير في هذا الموضوع ظل محكوما بتجربتنا في السابق ومن هنا التوجه إلى بيان طبيعة الحوار في الوجود وأهمية التواصل فيه، وبما أن المحيط السوسيوثقافي عموما يعاني من فرص الحوار وتخفض درجة التواصل مما يجعل هذا المحيط يتعثر ويقصر عن تحقيق الأهداف المحددة فإنه من المعروف أن الشخص وهو في حالة تفكير إنما يكون في حوار صامت مع ذاته حيث ينطلق المتفلسف من سؤال يطرحه على نفسه يحفزه على التفكير من خلال منهجية في التفكير وفحص الإشكالات وإيجاد طريقة في العرض، وبما أن خشبة المسرح لا تحتوي على أدوات أو أناس أو واقع أو حوادث كما يريدها الممثل فإن هذا الأخير يضطر لأن يتعامل بصورة أكثر استشكالا مع هذه المواضيع عبر تحويله لهذه الأشياء ومن خلالها لهذه العلاقات، لذلك فإن تدريس فلسفة المسرح من خلال مفاهيم ستحدد نظام جديد للتشخيص وللإخراج على اعتبار أن الأسلوب يتحكم في التقنية ويضبط حدود التفسير المبدع
إن المسرح قضية حضارية أساسية لذلك فإنه ينشأ ويتطور عبر حتمية تكاملية المجتمع لذلك فإن طبيعة المسرح تظهر في ضرورته الاجتماعية والفلسفية والجمالية والفينومنولوجيا – الظاهراتية – كي يعبر بشكل بصري عن التصورات والأسس الفكرية الفلسفية والمشكلات الاجتماعية للإنسان
قبل نشوء الفلسفة شكلت الأسطورة إحدى أسس حضارات اليونان والمسرح ارتبط بتــكامل نشوء المدينة الــيونانية تـــماما كمـــا
تطورت الفلسفة بظهور الذاتية الواعية بعد أن سادت الديمقراطية. إن الفلسفة والمسرح وليدا سيادة النظام الديمقراطي الذي أسهم في
خلق حرية الفكر وتجريبية الإبداع في شتى المجالات.
إن الفن هو أحد أشكال الوعي الاجتماعي وهو أيضا حاجة جمالية لا تجد نفسها إلا داخل الفلسفة، هذه الأخيرة التي تقدم مواضيع غذائية للمسرح حيث لا يختلف اثنان في كون المسرح الناجح هو الذي يفكر في مصير الإنسان وعبثه
فبالسؤال يراكم المسرح وعيه المعرفي والحضاري فيدهش المتفرج المهتم بالبعد الاختراقي للحياة الإنسانية لذلك نقول حينما نشتغل بالمسرح: الفلسفة هدفنا
يقدم فن التمثيل انطباعات عن الحياة وعن البيئة المحيطة بالإنسان التي تتطلب منه استيعابها على اعتبار أنها تعبر عن الخبرة الإنسانية وعن تراكم التجارب التي استوعبها الإنسان في مختلف مراحله العمرية لذلك يبقى التمثيل هو فن مراقبة الحياة بالمعنى الذي يفيد محاولة إعادة رسم التجارب السابقة ونسخها في قالب درامي يحاكي وقائع الحياة برمتها في مختلف نواحيها على اعتبار أن الحياة هي التي تجعل الإنسان يستنبط منها قوانين الإبداع الدرامي الذي ينعكس فيه السلوك السيكولوجي والفيزيولوجي للممثل بغية خلق أشكال من الحياة الفريدة الخاصة والمرتبطة بكل دور على حدة والغرض هو تجسيد اللاشعور وإقحامه في الشعور ولتنمية الخيال والعاطفة وتهذيب الطبيعة النفسية والجسمية
يجب على الممثل أن يخلق شخصيته من خلال الكشف عن روحه الإنسانية عبر تجسيدها على نحو طبيعي على خشبة المسرح في شكل فني للكشف عن العالم الداخلي للإنسان، لذلك يجب الجمع بين العمل الجسدي والنشاط العقلي فهذا الأخير يتطلب أقصى حد من الهدوء العضلي وهذا معناه أن الممثل حينما ينجح في تركيز انتباهه على الموضوع المطلوب يختفي التوتر العضلي الزائد، إن الغرض هو أن نكشف عن العالم السيكولوجي المعقد للممثل فكلما تحكمنا في النشاط العصبي كلما استعد الجسم كله لأنه مرتبط بالإحساس بقوته الكاملة واستعداده للخروج من حالة السكون للقيام بأية مهمة عضلية، فسيطرة الممثل على جسمه أمر ضروري ومؤكد للانسجام مع عمله وهذه الأمور لا يمكن أن تنجح إلا بإتقان الممثل لفن الإلقاء وتشكيل كلامه على نحو جيد وواضح لإيصال المعنى، فالقراءة السليمة والرنة المؤثرة أمور
مكملة للأداء وهي كلما توفرت كلما كان الممثل ناجح في أدائه وأثبتت براعته فوق خشبة المسرح
فمعلوم أن المسرح يبني حياة النفس الإنسانية ويجسدها في شكل فني، فهو عمل جماعي لأنه لا يمكن أن يعتمد على ممثل واحد داخل الفرقة وعليه فمن الضروري أن يتلق الممثلون كلهم تداريب مشتركة لأن الممثلين يعتمدون على بعضهم البعض. إن الممثل يجب أن يبدع شخصيته من خلال الفعل الذي يظهر على شكل كلمات وحركات لذلك فالمسرح يمتلك قوة تأثيرية كبيرة لأن الممثل من خلالها يعيش الخبرات الشخصية ويجسدها وعليه ندعو إلى المسرح الفني التربوي في آن واحد
Aucun commentaire