Home»National»ضرورة إصلاح قوانين الصحافة ضمن حركة المطالبة بالتغيير والإصلاح

ضرورة إصلاح قوانين الصحافة ضمن حركة المطالبة بالتغيير والإصلاح

0
Shares
PinterestGoogle+

يبدو أن كل الدعوات التي رفعتها مختلف المنظمات الحقوقية والهيئات الإعلامية وجمعيات المجتمع المدني المطالبة بإخلاء سبيل الصحفي في جريدة المساء السيد رشيد نيني لم تجد آذانا صاغية بل تم تجاهلها ، وهو أمر جد مؤسف. وعلى خلفية محاكمة هذا الصحافي المتميز بالجرأة والشجاعة الإعلامية لا بد من رفع دعوات من أجل إصلاح قوانين الصحافة خصوصا في شقها التجريمي أي عندما يجرم الصحفي. وللتذكير فإن القوانين ما لم تكن شرع الله عز وجل الذي لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه لا تعلو عن قاعدة المراجعة والتعديل والتصويب لتدارك ما قد يشوبها من عيوب. وللتذكير أيضا تكمن آفة القوانين الوضعية في تأويلها لأن القوانين بطبيعتها حمالة أوجه ، والقضاء يختلف في تأويلها وتخريجها ، ذلك أنه كم من نازلة تناولها القضاة فيما بينهم واختلفوا في الفصل فيها حسب اختلاف تأويلاتهم لنصوص القوانين المتعلقة بها . ولغة القوانين مهما حاول فقهاء القانون حصرها في دلالات معينة فإنها لا تنجو من الطابع الزئبقي للغة البشرية التي لا تخلو من شحنات عاطفية تؤثر بشكل أو بآخر على الأحكام وتزيحها عن الموضوعية ومن ثم عن القسط والعدل ، وتورطها في شوائب الانطباع المسبب للحيف والجور والظلم .

فإذا ما ألقينا نظرة عابرة على قوانين الصحافة وتحديدا الفصول المجرمة للصحفي نجدها بعد ديباجة حق ممارسة حرية التعبير الصحفي في إطار مبادىء الدستور وأحكام القانون وأخلاقيات المهنة تحتاج إلى مراجعات . فإذا ما وقفنا عند هذه الديباجة لا نجد من يعارضها ما دامت تجعل الدستور والقانون والأخلاق حكاما. والمشكلة لا تكمن في القوانين في حد ذاته بل تكمن في طرق تأويلها . فقوانين الصحافة تجرم كل صحفي يقوم بالتحريض على التمييز العنصري وعلى الكراهية، وعلى العنف ، أو يشيد بجرائم الحرب ضد الإنسانية ، أو ينشر أخبارا زائفة ومدلسة ، أو يشيع الفزع بين الناس، أو يمس بثوابت الأمة من قبيل الملكية والوحدة الترابية ، والعقيدة الإسلامية ، أو يقوم بالوشاية الماسة بسلامة الدولة الداخلية والخارجية ، أو يمس بشرف وكرامة المسؤولين بدءا بالوزير وانتهاء بالعون ، ومرور بكافة موظفي الوزارة ، وهو ما عبر عنه قانون الصحافة بالسب والشتم أو التعبير الشائن أو المشين المتضمن للتحقير ، أو يمس برؤساء الدول وبالبعثات الأجنبية ، أو ينشر كلاما وصورا خليعة منافية للأخلاق. هذه باختصار شديد ما سمتها قوانين الصحافة جنحا يتهم بها المشتغل بالإعلام . ولا أحد يعارض أو يشكك في أنها جنح ، ولكن لن يتفق اثنان أبدا في تأويلها . فعلى سبيل المثال لا الحصر عندما ينتقد الصحفي عمل المسؤول سواء كان وزيرا أوعونا أوما بينهما ويصف عمل بالمشين ، فإن ذلك سيعني في نظر المسؤول قذفا وسبا وشتما وتعبيرا مشينا أو شائنا ماسا بالكرامة في حين سيعني ذلك نقدا في نظر الصحفي ، علما بأن النقد هو التمييز بين الزائف والصحيح وفق معايير التمييز المتعارف عليها في كل مجال . فإذا ما أنجز مسوؤل ما مشروعا ما بكلفة ما فانتقد الصحفي الكلفة قياسا ومقارنة مع حجم المشروع ، واعتمادا على خبرة أهل العلم بالمشروع فلا يجب أن يتضجر المسؤول من نقده ويعتبر ذلك اتهاما له بالسرقة والسطو على المال العام ، إذ قد يكون صرفه للمال عن حسن نية ولكن عن قلة خبرة ، ويكون النقد هنا يعني نقد قلة الخبرة ولا علاقة له بقذف أو سب أو شتم . وإذا كان رئيس دولة أجنبية ما قد مس مقدسات الدين فانتقده صحفي بسبب ذلك فلا يجب أن يجرم لأنه مس شخص رئيس دولة أجنبية لها علاقة بالوطن دون الأخذ في الاعتبار مساسه بمقدسات الأمة . وإذا ما نشر صورة في سياق نقل خبر آفة أخلاقية فلا يجب أن تؤول الصورة على أنها صورة نشرت بنية المس بالأخلاق . وإذا حكى الصحفي قولا ماسا بالمقدسات ونسبه لقائله في سياق نقده فلا يجب أن يحسب ذلك عليه لأن حاكي الكفر ليس بكافر كما يقال ، وقد حكى الله عز وجل في القرآن الكريم أقوال الكفار وهي قرآن يتلى ويتعبد به دون أن يعتبر ذلك جرما أو خطيئة . ومشكلة القوانين المجرمة للصحفي أنها لا تطبق على الإعلام الرسمي كما تطبق على الإعلام المستقل ذلك أن قنواتنا التلفزية وإذاعاتنا تقدم الأفلام والصور والكلام المنافي للأخلاق ، والماس بالدين ، ولا حرج عليها لمجرد أنها وسائل إعلام رسمية مما يعني أنها فوق القانون . وقد تنشر الخبر المزيف والمدلس الذي يكذبه شهود عيان ولا حرج عليها . وقد تنال من المواطنين في كرامتهم وأعراضهم من خلال برامج لا تحترم ما يسمى الأحوال الشخصية ، و هي ما يستوجب السرية صيانة للكرامة الإنسانية .

ولقد عاينت على شاشاتنا يوما ما التعريض بمواطن له أربع زوجات والسخرية منه ،لأن البرنامج كان معدا ضد تعدد الزوجات فلم يحترم هذا الشخص وأهانه ، وتم العبث به كأقبح ما يكون العبث ولم يعتبر ذلك جرما ولا خطيئة بل مكسبا للبرنامج التلفزي . وآخر ما عاينته على شاشة البي بي سي القسم العربي شتم مدير موازين لشاب كان يحاوره حيث قال له بالحرف : « أنت لا تعرف إلا أمك وخالتك  » ولم يسر مفعول مسطرة القذف والشتم على صاحب موازين . والأمثلة كثيرة إذا ما تتبعناها عبر وسائل الإعلام الرسمية التي لا يجرؤ أحد على محاسبتها لمجرد أنها رسمية. ولا أريد الحديث عن البرامج التي تخدش الأخلاق وأقلها العري والرقص الماجن . فأمام غياب محاسبة الإعلام الرسمي تبدو محاسبة الإعلام المستقل مظلمة غير مقبولة كما هو الحال بالنسبة للصحفي رشيد نيني . لا أحد ينكر أن طريقة رشيد نيني هي طريق العرض الساخر أو الكوميدي المأساوي ، ولكن لا أحد يستطيع أن يثبت بأنها شتم وقذف وتحقير بل هي نقد ساخر متعارف عليه حتى في التراث الشعري الإنساني وتحديدا في فن الهجاء حيث تكون السخرية من الأفعال لا من الذوات . فالبخيل إنما يسخر من بخله لا من شخصه ، وكذلك الجبان ، وكذلك ذو الوجهين ، وكذلك المرتشي … وهلم جرا . فمثل هذه الأفعال مذمومة في المجتمع ويوجد إجماع على ذمها ، ولا يعقل أن يحاسب الصحفي إذا ما تناولها بالنقد لغرض التصحيح لا لمجرد التشهير . ومشكلة الصحفي رشيد نيني أن ما كتبه تم تأويله التأويلات المطابقة لنصوص التجريم من أجل مصادرة حريته الصحفية التي يضمنها الدستور ، ويضمنها القانون ، وتضمنها أخلاقيات الصحافة . وإذا كان القانون قد أدان الصحفي رشيد نيني فعليه أن يدين كل من استهلك مادته الإعلامية لأنه يشاركه فيها الرأي ووجهة النظر. فإذا كان ما جاء في مقالاته قد اعتبر سبا أو شتما في حق بعض المسؤولين فإن من قرأ ذلك كان في حكم الشاتم أيضا . إن هذه المحاكمة السياسية بامتياز لهذا الصحفي تدعو وبإلحاح إلى فصل السياسة عن القضاء ، وإلى ضرورة مراجعة قوانين تجريم الصحفيين ، ولا بد من وجود النقابات الصحفية ضمن المشرعين لهذه القوانين صيانة لحرية الصحافة ، ولكرامة الصحفيين ولحق المواطنين في الوصول إلى الخبر ومعرفته دون قيد أو شرط.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *