تدبير الشأن المحلي واشراك الوداديات
أعلن منذ البداية، أنني سأكون صارما، لا أحابي، لا أجامل، ولا أتحامل، غايتي الأولى المقاربة، والمساهمة في البناء. كلنا سنمضي… وسيبقى التاريخ والوطن؛ والعاقل يربأ بنفسه، أن يسجل التاريخ عليه، الإذعان، والصمت…
ليس النقد الذي أنشده هنا ذما ولا تجريحا، إلغاء ولا تجاوزا، إنما هو في العمق، اعترافٌ بالآخر، تقوية له، مهما كان الخلاف عميقا… ومهما انفرجت زاويا النظر وتباعدت…وعليه، إن معيار حياة الأفكار، تداولُها، ومؤشرَ فنائها تركُها أو تجاهلُها.. ولما كان تدبير الشأن المحلي والسهر على مصلحة السكان هَمًّا مصيريا يجمعنا، وجب على الفاعلين الجمعويين في حقله أن يكون لهم رأيٌ، في كل ما يمت إلى العملية بصلة، وهذا حتى تتم المساهمة في مشروع التنمية البشرية المطروح اليوم.
تدبير الشأن المحلي واقصد تفعيل دور الوداديات واشراكها ، فضاء متشعب جدا، يتجاوز الطاقمَ البشري الصرف، إلى آفاق أخرى أرحب وأوسع، فيها البرامجُ…، بل كلُّ المرتكزات والمفاهيم التي تؤطر و تؤثر على العملية ، ولما كان هذا كذلك، و تجاوزا للتيه والتداخل، فإنني سأركز اليوم على نقطة واحدة. إشراك الوداديات في تدبيرالشأن المحلي.
كثر الحديث مؤخرا عن دور الجمعيات و الوداديات، و في المقابل، هب بعض المسئولين المنتخبين ومن يواليهم ، ومن مختلف المواقع، يدافعون ، تارة، بشعارات… ، وأخرى، بلقاءات… ، وحيث أصبح هذا هو حال بعض المسئولين في وطننا المسكين:" أذنٌ من طين، وأخرى من عجين"، عيْن فيها قَرَد، وأخرى تشكو الرَّمد، وجب بَرْيُ الأقلام، و شحذ مرهفات الأحلام، فإننا لا نملك غير الكلمات ، تشُد الفِكَرَ، تؤد البصيرة والبصر…
من هنا، لزم طرح الإشكال أعلاه: إشراك وتفعيل الوداديات في تدبير الشأن المحلي بين العقـلانية والعكـلانية.
فالعقلانية ، مذهب فلسفي، ومن ثم منهج في التفكير، تمتد جذورها من الحكيم أفلاطون، إلى الفارابي، فابن رشد، إلى ديكارت – أب العقلانية الحديثة -، فكانء فهيجل- رواد العقلانية المعاصرة-، إلى غيرهم من الحكماء الذين أبلوا بلاء حسنا، في سبيل فهم سنن الكون، وإدراك حيثيات الواقع من حولنا، تنويرا للفعل البشري، وتسديدا لمساعيه…والعقلانيةُ فلسفةً، لا تعنينا فيما نحن فيه الآن، ولكن باعتبارها منهجا، فهذا مناط ذكرها، في إشكاليتنا، وذلك لأن المسئولين عندنا، يعجبهم لَـوْكُها مقترنةً بالحداثة، للدلالة على أنها نِحْلَتَهم في التسيير، وأنهم بالتالي معاصرون، حداثيون، يعيشون زمانهم، يدركون متغيراته، ويحسبون بالتالي للمستقبل…فإلى أي حد يعتبر إشراك الوداديات في تدبير الشأن المحلي معقلنا، خاصة في تنزيل تجاهل وإقصاء من طرف المسئولين المنتخبين. وما هي نسبة حضور العقلانية عندهم بالتالي.
أما العكـلانيـة ورد في لسان العرب: عَكَلَ الشيء يعكِله ويعكُله عَكْلا، جمعه، وعكل في الأمر، قال فيه برأيه، وعكل عليه الأمر، التبس واشتبه، والعاكل المخمن الذي يظن فيصيب، وعكلت المتاع، نضدت بعضه على بعض، وعكل السائق الخيل والإبل، حازها وساقها، وعكل البعير، شد رسغ يديه إلى عضده بحبل، وعن يعقوب، المعكول، المحبوس، وعكَل حبس، ويقال عكلوهم مَعْكَلَ سوء، والعَكِل من الرجال، اللئيم…والعُكْلِيُّ، نسبةً إلى قبيلة فيها… وقلة فهم…
بناء عليه، فالعكلانية قياسا على العقلانية، ليست فلسفة تتأسس على بناء نظري نسقي، يتأمل الوجود والقيم والمعرفة، ولا منهجا ينماز بقواعده الصارمة الضابطة، كالضرورة والسببية مثلا، إنها ما جاء في لسان العرب، جمعٌ وتنضيد للملفات والقضايا على أساس البث فيها لاحقا، تخمينٌ، وضربٌ للخء وقراءة للفنجان، حبس للطاقات، وقيد يكبل الهمم الأبية والطموحات…
هكذا، فإذا كانت العقلانية تقوم على أساس إحلال العقل محلا مركزيا في نظرية المعرفة، وفهم العالم، والإجابة عن التساؤلات المطروحة فيه قدر الإمكان، وإذا كانت تسعى جاهدةً للتحلي بالمنطق، حتى تتـناغم النتائج مع المقدمات، فالعكلانيةُ تعامُلٌ لا يعنيه المنطق في شيء، سلوك سياسي اجتماعي اقتصادي عبثي، تدبير يقوم على برغماتية نفعية ضيقة، عباءة تُطيق كل الشعارات والألوان، من اليمين إلى اليسار…
وعليه، ماذا عن إشراك الوداديات في تدبير الشأن المحلي من طرف المسئولين المنتخبين؟ لماذا الإقصاء أصلا؟ إنه إما لتجاوز خطأ تم ارتكابه، وإما لكون المُقَدَّر خطأً لا يتوافق وأهواءَ أهل الرأي عندنا، وإما هو من قبيل التخمين العفوي لا غير.
فهل وُضِعَ إذن، لأن إشراك الوداديات في تدبير الشأن المحلي ، تتناقض وأهواءَ المسئولين النتخبين؟ هذا احتمال لا أريد الأخذ بـه، لأنـه قتـلٌ للثقـة التـي ينبـغي أن تكـون متبـادلـةً بين المسئولين النتخبين والمجتمع المدني، كمـا أنـه" نذيرٌ بحدوث نكبات "، كما يقول بول نيزون.
نحن إذن أمام سمة من سمات العكلانية المحددة من قبل؛ وبحضور هذه، تنعدم آليا العقلانية، التي ترى أن إشراك الوداديات في تدبير الشأن المحلي. لا ينبغي كسره، وإنما نشره، ليعُم كل القطاعات، باعتباره حافزا كبيرا للعقل حتى يتقد، ليحقق الوعي بالواقع، وليجعل المدمنين على الموت انتحارا في المقاهي، وأمام الشاشات الرقمية، يدمنون على الحياة، والفاعلية المُجْتَمَعية، والإبداع، من خلال الكلمة والرقم والرمز، هكذا يكون الإقلاع، وتتحقق المشاركة، فتنعدم السلبية… هكذا يكون حب الوطن، وخدمة الوطن، وصيانة الوطن…
في إحدى التبريرات الشفوية لأحد المسئولين ونحن لا نتعامل حاليا معه على تجاوزاته على إشراك الودادية والتعامل معها لخدمة الوطن ، أخبر أن" بعض الودادية حسن الجوار حي المير علي لا تميل حيت تميل الرياح وهدا يؤرقه فقط " إلخ…
ما هو نصيب العقلانية في هذا الكلام؟ هل صاحبه- مع احتراماتنا الكاملة له – يعرف معنى إشراك الوداديات في تدبير الشأن المحلي وما يستلزمه من تضحيات وإمكانيات ؟ هل يتسلح بالتخطيط المستقبلي البعيد؟ هل يفقه الظاهرة الإنسانية؟ هل يفهم أن إشراك الوداديات في تدبير الشأن المحلي من شأنها أن يصنع العجائب؟ إنه من العار، ومن المؤسف، أن نسجل أن الكثير من مسئولين المنتخبين، بعيدون كل البعد عن العقلانية، مهما تشدقت بها أفواههم، وتجملت بها عروضهم، فما هم بالتالي، غير جماعة من العكلانيين الجدد، الذين لا ترى عقولهم في إشراك الوداديات في تدبير الشأن المحلي غير العَرَضِ، والذين لا هَمَّ لَهُمْ، سوى حبسِ الطاقات، وإلغاء الكفاءات، وفي المقابل، لا بأس في أن يراكموا الامتيازات الحقيقية، ليزدادوا غنى، و ليزداد غناهم فحشا، ولو على حساب الآخرين…
Aucun commentaire