واشنطن قلقة من تصاعد العنف ضد المسيحيين في الشرق الأوسط وإفريقيا لكنها مرتاحة للعنف ضد المسلمين في العالم
واشنطن قلقة من تصاعد العنف ضد المسيحيين في الشرق الأوسط وإفريقيا لكنها مرتاحة للعنف ضد المسلمين في العالم
محمد شركي
غريب موقف واشنطن ، فهي من جهة تصرح رسميا بعلمانيتها ، ومن جهة ثانية تبطن صليبيتها المتصهينة التي تطفو على السطح بين الحين والآخر عبر فلتات ألسنة زعمائها ، ومن جهة ثالثة تشعل فتيل النعرات الدينية والطائفية كما هو الحال في العراق والسودان ولبنان ، ومن جهة رابعة تعرب عن قلقها من تصاعد العنف ضد المسيحيين مع أن مخابراتها ومخابرات الكيان الصهيوني هي المسؤولة الأولى عن هذا العنف الذي لم يكن عبر التاريخ إلا في زمن هيمنة واشنطن على مقاليد السياسة العالمية ، وهو عنف مخابراتي موجه ومقصود من أجل تبرير التدخل الأمريكي في العالم الإسلامي والعربي تحديدا. فما معنى قلق واشنطن العميق من تزايد العنف ضد المسيحيين في الشرق الأوسط وإفريقيا مقابل الارتياح العميق لما يحصل للمسلمين في العالم . واشنطن التي صرح رئيسها الحالي بأنه سيغلق معتقل كوانتنامو الرهيب الذي تعرف دهاليزه أبشع أنواع التنكيل في التاريخ البشري بعدما تجاوزت درجات إهانة البشر فيه كل الحدود بما فيها مقاييس جينز التي كانت بحوزة النازية.
ومعلوم أن معتقل كوانتنامو إنما يوجد فيه مسلمون ولا يوجد فيه مسيحيون . وفضلا عن هذا المعتقل توجد معتقلات سرية في دول أوروبية وغير أوربية تديرها المخابرات الأمريكية ولا يعلم ما يجري فيها من تنكيل بالمسلمين إلا الله عز وجل. وواشنطن القلقة على المسيحيين في الشرق الأوسط وإفريقيا تفرض على دول الشرق الأوسط العربية ودول إفريقيا العربية وغير العربية الإمعان في التنكيل بالمسلمين الرافضين للسياسة الأمريكية وللعدوان الصهيوني . فالمعهود أن الجرائم الحاصلة في البلاد العربية والإسلامية لأسباب طائفية إنما بدأت مع حملات الغزو الأمريكي والعدوان الصهيوني . لقد عاشت الطوائف المختلفة في البلاد العربية والإسلامية لقرون دون أن يكون بينها أدنى خلاف يعود إلى المعتقدات . وما كانت التفجيرات لأسباب طائفية إلا بوجود قوات أمريكية أو مخابرات أمريكية وصهيونية . ولئن كان البعض يتحدث عن التطرف الإسلامي ويقسم المسلمين إلى معتدلين ومتطرفين فإنهم يغضون الطرف عن أسباب وجود الفئات التي يسمونها متطرفة . فما يسمى التطرف الإسلامي هو المقابل الحتمي للتطرف الأمريكي والصهيوني. ولا يمكن للتطرف الإسلامي أن ينتهي إلا بانتهاء التطرف الأمريكي والصهيوني . فواشنطن تريد فرض الأمر الواقع على العرب والمسلمين وهو التمكين للكيان الصهيوني في أرض فلسطين والعالم العربي والإسلامي ، وتسمي من يقبل هذا الأمر الواقع مسلما معتدلا بينما تنعت من يرفضه بالمتطرف والإرهابي. ولقد جربت واشنطن سياسة العزف على وتر الطائفية في العراق بعدما جربته في لبنان من قبل ، ووجدت ضالتها في الطائفية المتعصبة والعميلة في العراق بعدما دمرته ومزقته كل ممزق. وبدأ تطبيق التفرقة الطائفية في السودان الذي سارعت واشنطن إلى تزكية انفصال جنوبه المسيحي عن شماله المسلم قبل مسرحية الاستفتاء المحبوكة . وهذه السياسة ستستمر حيث توجد الطائفية الحاملة لفيروس الانفصال في البلاد العربية والإسلامية . ولن نستبعد أن تركب واشنطن ومن خلفها الكيان الصهيوني قضية الأقباط في مصر للمطالبة بانفصالهم بذريعة حمايتهم من العنف المتزايد ضدهم . ولا نستبعد أن تطالب كل الطوائف المسيحية في البلاد العربية والإسلامية بالانفصال بنفس الذريعة ، بل لا نستبعد مستقبلا أن تطالب كل الطوائف بالانفصال بما فيها طوائف الشواذ والمثليين بنفس الذريعة.
وعلى واشنطن قبل التعبير عن قلقها العميق من تزايد العنف ضد المسيحيين في الشرق الأوسط وإفريقيا أن تراجع حساباتها سواء فيما يتعلق باحتلالها للبلاد العربية والإسلامية أو فيما يتعلق بسياساتها الهادفة إلى تمزيق الوطن العربي والإسلامي طائفيا ، وإلى دعمها اللامشروط للكيان الصهيوني الغاشم الذي يعتبر أصل كل الصراعات مع العالم العربي والإسلامي . والمؤسف أن بعض الطوائف في البلاد العربية والإسلامية عندما تحدث جرائم لأسباب طائفية تصدق بسرعة إلصاق التهم ببعضها البعض دون أن تفكر في طرح فرضية تورط المخابرات الأمريكية والصهيونية في هذه الجرائم مجرد الطرح مع أنه يوجد أكثر من سبب لتورط هذه المخابرات في هذه الجرائم بل قد تكون الطائفية مجرد وسيلة لتنفذ المخابرات الأمريكية والصهيونية جرائمها البشعة . وإذا كان لا بد من أسف عميق على تصاعد العنف الطائفي سواء تعلق بالمسحيين أو بغيرهم فالمسلمون في البلاد العربية وغير العربية أولى بهذا الأسف لأنهم لا يقبلون أن تلصق تهمة الإرهاب بدين الإسلام أو دين السلام . وعلى واشنطن أن تبحث عن ذرائع أخرى للتدخل في الشرق الأوسط وإفريقيا بعدما أصبحت ذرائع الجرائم لأسباب طائفية واهية ومكشوفة ومفضوحة .
Aucun commentaire