فنان تشكيلي عاد إلى وطنه في خريف العمر ليجد نفسه في دار للعجزة بوجدة.
عبد الرحمان
بن خليفة حفر اسمه في الأوساط الجزائرية
ويسعى إلى كسب الاعتراف به في المغرب
عبدالرحمان
بنخليفة، الملقَّب ب«حمانو»، فنان مغربي
ينتمي إلى المدرسة التعبيرية، ازداد بمدينة
بجاية في الجزائر، في فاتح من غشت 1944، مطلق
وأب لخمسة أبناء، رحلت عنه الزوجة والأبناء
البالغون من العمر على التوالي (40 – 37 – -35
-21 و18 سنة)، نحو فرنسا، فظل يعيش وحيدا في
مدينة بجاية، إلى جانب والدته، إلا أنها
هي الأخرى، ستنتقل إلى بارئها سنة 2008، مخلفة
لديه صدمة قوية، فقد معها أيضا العناية
والمحبة التي كانت تغمره من جانب أصدقائه
الكثر الذين انفضوا عنه ولم يعد أحد منهم
يسأل عن أحواله، فلم يعد يجد عزاءه إلا
في لوحاته الفنية التي كانت تملأ وحدته
في شقته في مدينة بجاية، وكان يعتاش منها
أيضا..«الفنّ c’est un bouclier (درع واق) نجَّاني
من كُلّشي»، يقول بنخليفة، «كنت محبُوبا
في بجاية والحمد لله، وكان لدي أصدقاء كثر».
أثثت لوحاته
الفنية فيلات وصالات وفنادق مدينة بجاية
الجزائرية ونواحيها وعرفت معارضه إقبالا
كبيرا. وبفضل ذلك، حصل على شهادات عديدة
تقديرية لفنه وموهبته، وكان من الأعلام
الفنية للمدينة وأصبح اسمه «حمانو» (تصغيرا
لعبد الرحمان) يجري على لسان كلّ بجاوي،
صغير وكبير…
بعد وفاة
الأم، يقول عبد الرحمان، «راحت المحبّة
ولم يبق منها إلا ما ندر، وهو ما جعلني أحس
بوقع أثقل لفراق الوالدة الأبدي».. عبر
«حمانو» عن ذلك، بلكنة فرنسية جزائرية:Il
n’y a que ta mère qui peut t’aimer.. «فقدت أغلى حب».
ويحكي
عبد الرحمان أنه أصيب بأزمة نفسية حادة،
سِمَتُها الكآبة والحزن. وللخروج من هذه
الوضعية، ذهب إلى شاطئ مدينة بجاية ليمكث
هناك في كوخ منحه إياه أحد أصدقائه، مدةَ
أربع سنوات، دون أن يقلقه أحد… وتذكر والده
الذي تم طرده من الجزائر سنة 1975، ومات في
الراشدية ودفن في مقبرتها.
وفي 16 يوليوز 2008، سيقرر في لحظة هيمن عليه
فيها الإحساس بالغربة، في أن يترك الجزائر
ويعود إلى المغرب لم يزره قطّ في حياته،
ولم يكن يعرف عن أهله وأحبابه ومسقط رأسه
إلا ما سبق وتركه له والده من وثائق تثبت
مغربيته وانتماءه إلى قبيلة «جوندي» قصر
أولاد جلال في الجماعة القروية «أنجرف»،
ضواحي مدينة الراشدية، حيث يتوفر على أرض
والده يتخيلها لكن لم يرها أبدا:
«قررت
أن أعود إلى بلدي وعائلتي التي توجد في
مدينة مكناس».
نزل بمدينة
الدار البيضاء، ولأول مرة في حياته، يطأ
تراب وطنه المغرب، حيث استقبله عمّه وأخذه
إلى بيته في مكناس وأخبره، بعد وجبة العشاء،
بأن والده باع له نصيبه في الأرض بأشجار
النخيل.. «لم أعرف لماذا فاتحني في الموضوع
وأجبته بأنني ألفت العيش في مدينة شاطئية
وأتغذى بالسمك، أما التمر فأشتريه»… اسودّت
الدنيا في وجهي وقلت في نفسي إنني ربما
أخطأت في بلدي، مع العلم بأنني شرّفت وطني
المغرب في الجزائر…
مكث في
مدينة الرباط، قرابة سنتين، في أحد الفنادق
وعاش بفضل لوحاته الفنية التي كان يبيعها
بأثمنة متواضعة تكفيه فقط للاستجابة لمتطلباته
الحياتية اليومية الضرورية. وتُعرَض لوحاته
في أبهاء وصالات بعض الفنادق في العاصمة
المغربية، حيث كابد كثيرا وما زال يكابد،
خاصة وأنه مرهف الحس، زادته الوحدة والعزلة
والإحساس بالغربة والشيخوخة والفقر والحاجة
معاناة وهما وتعاسة.
دقّ في جميع الأبواب علّه يجد مساعدة، واضطر
إلى الالتجاء إلى خيرية الرباط، دون جدوى.
رغم ذلك، حلّ بدار العجزة في مدينة وجدة،
في بداية السنة الجارية، وكان عزاؤه في
لقائه مع بعض المواطنين المغاربة في وجدة،
آزروه وساعدوه وشجعوه ووفروا له بعض المواد
من الصباغة لتفجير ما بدواخله من هموم وترجمة
هواجس وأحاسيس في لوحاته الفنية.. «جيت
لهنا لوجدة، جْبَرْت الرجال الله يْبَارك،
صَبْتهُومْ، عاونوني، si j’expose c’est grâce à
eux (إذا عرضت لوحاتي فذلك بفضلهم)، أشكرهم
كثيرا…»، حيث يصطحبونه معهم للتجوال في
مدينة وجدة، التي لا يعرفها، وقد يضل فيها
الطريق. كما يعاملونه كفرد منهم ويتناول
معهم الوجبات، كلما سمحت لهم الفرصة لذلك:
«عطاوني شوية نتاع الروح…(زرعوا في روح
الحياة والأمل).
يعيش الفنان
عبد الرحمان بنخليفة في دار العجزة في مدينة
وجدة، وهو بصدد تحضير معرض للوحاته من تنظيم
مجموعة من الأساتذة للتعريف به وبفنه الذي
قد يصنَّف في خانة الفن التعبيري، يطغى
على لوحاته اللون الرمادي والأسود والأزرق
القاتم «تلك حياتي القاتمة مملوءة بالهم
والغم والقلق… أكابد وأعاني في دواخلي
مثل حلزون»…«لا أستحق هذه الحياة…ما نْستهلهاشْ…شرَّفتُ
المغربَ بفني في الجزائر، وكنت أفتخر بأنني
فنان مغربي».
أشار الفنان
بنخليفة إلى أنه نظم معارض عديدة في مدينة
بجاية في الجزائر وشارك في أفلام، وأخرج
عددا من الوثائق وقصاصات الجرائد والشهادات
التقديرية، التي تتحدث عنه وعن معارضه
في بجاية، وتمنى أن يُعترَف به كفنان: «عُدت
إلى بلادي لأصنع اسمي، ولم آت لأشيد عمارة…».
وكرر في كلمة أخيرة له أنه عاد إلى المغرب
ليعبر، عبر معارض لوحاته الفنية عن موهبته
وكفاءته ويعترف بلدُه بفنّه، كما اعترفت
به الجزائر، التي رأى فيها النور وترعرع
وسط مدينة بجاية الجزائرية وشاخ فيها وهرم
إلى أن قدر له الله العودة إلى وطنه: «أريد
الاحترام، أريد أن أُحترَم»…
2 Comments
Où sont nos mécènes pour permettre à Si Abderrahmane de vivre dignement?. Les autorités locales peuvent-elles faire quelque chose et assurer le minimum ? Il faut tout faire pour agir au plus vite.
Je garde confiance.
والله يحز في النفس ان ترى مثل هذه الوجوه تذوب وتصفروتموت في صمت,,,شكرا للاعلام الهادف وللصحافيين الذين فيهم الحس الانساني والاخلاقي الذين يولون الاهتمام للجانب الانساني وقبح الله اشباه الاعلاميين الذين يتآكلون ويأكلون في بعضهم,,,,