هل سنرى د.الجابري من جديد ؟
صباح يوم الثلاثاء، ومباشرة بعد قراءتي للخبر المحزن، خبر رحيل الدكتور العظيم محمد عابد الجابري على صفحة أحد الأصدقاء على أحد المواقع، لم أصدق الخبر للوهلة الأولى، وأخشى أنني اللحظة أيضا لا أفعل.بحثت عن كتابه – حفريات في الداكرة من بعيد – بدون اختيار شعوري مني، فقرأت منه بعض الصفحات وكأنني أحاول أن اتأكد من أنني لم أكن في حلم، وعندما وصلت الفقرة أسفله – النص الأول – اندهشت كثيراً لأني لم أكن أتوقع أن الجابري كان مهتما بفكرة السفر عبر الزمن نحو الماضي، بل لم أتوقع أنه قد كتب عنها يوماً، لدا شعرت بحزن عميق وأنا أربط خبر وفاته بما قرأته عن حلمه ورغبته في السفر عبر الزمن لزيارة والدته وصديقه وعائلته. لكن ما زاد دهشتي كان فقرة أخرى – النص الثاني أسفله – حيث تحدث عن علاقة الوجود بالصيرورة، لأني سبق وتحدثت في أقصوصة متواضعة كتبتها قبل سنتين تقريباً، فوجدته يعبر عن الفكرة داتها وتقريبا بنفس الأسلوب الدي كتبتها به أيضا، مع العلم أنني لم أكن بعد قد اطلعت على أي كتاب للجابري.
بعد دلك قلت في نفسي إنه يستحيل أن يكون قد سافر عبر الزمن، تاركاً عشاقه وتلامدته ومحبيه ونقاده وعائلته كي يلتقي بصديقه ووالدته وجدته هناك في العالم الدي لا يعلمه إلا الله.
ت
رى هل يمكنني القول إن حلم الجابري قد تحقق وها هو في نفس العالم مع والدته وصديقه؟
أم أن السفر الدي كان يتمناه الجابري هو سفر قد يتحقق مستقبلا، ونستطيع بدورنا رؤية الجابري من جديد ؟
مع دعواتي الخالصة الله أن يتغمد روح الفقيد بواسع الرحمة والغفران، وأن يسكنه فسيح جناته.
–كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك دو الجلال والإكرام.
إليكم النصين الأول والثاني، ولاتنسوا فقيدنا بالدعاء :
النص الأول :
الداكرة أمرها عجيب، لقد شعر صاحبنا حينما كان يسترجع لأول مرة، وبعد ستة وأربعين سنة، تفاصيل وصية والدته له، أنه يسافر في الداكرة عكس خط اتجاه الزمن، يسافر إلى الوراء بلمح البصر ولكن عبر عدة مراحل، كل مرحلة ترتبط بأخرى.
كان أشبه بمن يفتح الملفات على جهاز الحاسوب يمر من ملف رئيسي إلى الملفات الفرعية التابعة له، واحدة بعد الأخرى، فكأن الحفر في الداكرة كالنقر على الملفات داخل الحاسوب.
لا، إن صاحبنا يجد نفسه الآن مشدوداً إلى فكرة # السفر عكس اتجاه الزمن # وكانت هده الفكرة قد راجت في أوائل هدا القرن عندما خرج أينشتاين للناس بنظريته النسبية. لقد تقرر أن الشعاع الضوئي الدي ينقل صور الأشياء إلى أعيننا يجري بسرعة ثلاثين ألف كيلومتر في الثانية، وبالتالي فما نراه الآن، لا نراه كما هو في لحظة رؤيتنا له، بل نراه كما كان عندما انبثق منه أو انعكس عليه شعاع الضوء الدي ينقل إلينا صورته.
وهكدا فالشمس التي نراها الآن ليست الشمس كما هي الآن، بل كما كانت قبل ثمان دقائق، وهو الوقت اللازم لوصول أشعتها إلينا، والنجوم التي نراها في كبد السماء نراها، لا كما هي حين نشاهدها، بل كما كانت قبل الزمن الدي يقضيه الشعاع الضوئي الدي ينبعث منها للوصول إلا أبصارنا. وهناك من بين النجوم ما نراه الآن كما كانت عليه قبل ملايين السنين التي قضاها الشعاع الضوئي في طريقه إلينا.
وبناءً على هدا يرى أينشتاين أنه إدا وجدت وسيلة يسافر الإنسان عليها بسرعة أعلى من سرعة الضوء فإنه سيكون في إمكانه ان يسافر إلى الماضي عبر ملاحقة أشعة الضوء الحاملة لصور الموجودات ليشاهد الناس الدين رحلوا مند زمن قريب أو بعيد.
وإدا كان صاحبنا قد تدكر الآن هدا النوع من التصورات العلمية-التي ما زالت خيالية حتى الآن على كل حال- فإنه يحلو له أن يتخيل ويتمنى لو أن العلم يحقق هده المعجزة أثناء حياته ليغدو في إمكانه أن يسافر عبر الزمن إلى الماضي ليرى والدته ويجلس معها ويحدثها محفوفاً بجدته وجده وجميع من تحدثنا عنهم في هده الحفريات وفي مقدمتهم صديق طفولته الأول حمو زايد.
حلم يقظة…؟ جنون .. ؟ لا، كل ما في الامر أنه يستعجل قيام الساعة للقاء الأهل والأصدقاء في دار الخلد.
الراحل محمد عابد الجابري – حفريات في الداكرة من بعيد – الفصل الفريد صفحة 174-.175
النص الثاني :
نعم، إن الأشياء ليست البوم كما كانت عليه مند ملايين القرون ولكنها على كل حال كانت موجودة وما تبدلها بناف عنها صفة الوجود.
إن الإنسان يظل موجودا من يوم أن يكون طفلا حتى يكون كهلا، فرغم التغيرات التي تطرأ له في هده الحقبة من الزمان فإنه على كل حال متصف بصفة الوجود.
وهنا يجب أن نتساءل : هل يمكن أن يوجد شيء مستقل عن التغيير، أو بعبارة أخرى هل يمكن أن يستقل الوجود عن الصيرورة؟
إن هده المشاهد تدل على عدم امكان افتراقهما.
إن هدا الكتاب الدي أمامي لم يكن كتاباً أول الأمر، وربما كان جزءاً من شجرة أو من نبات، ولن يبقى كما هو إلى الأبد بل سيتلاشى فيصبح تراباً أو يحرق فيصبح رماداً. فالمادة ستكون موجودة على كل حال، ولكن الدي ينعدم هو الصيغة التي تأخدها تلك المادة، أي أن الوجود مقترن بالصيرورة
مقتطف من مؤلف الدكتور الكبير والراحل محمد عابد الجابري
من مؤلفه # حفريات في الداكرة من بعيد #
تحديداً من كتاباته أثناء فترة شبابه – 24 سنة- حول موضوع الله.
1 Comment
هناك ملاحظة بسيطة على النص، وقد ارتكبت خطأ بسيطا أثناء نقله، لذا وجب تصحيحه ، وقد ورد في نص الجابري أن سرعة الضوء هي 300 ألف كيلومتر في الثانية وليس 30 ألف كما ذكرت عن خطأ.