Home»National»استثقال ساعة وعظ مقابل استحسان ساعات لهو ولعب

استثقال ساعة وعظ مقابل استحسان ساعات لهو ولعب

0
Shares
PinterestGoogle+

من الغريب حقا ألا يلقي الناس بالا للوقت إلا في شهر الصيام وتحديدا بين العشاءين أثناء إلقاء الوعاظ مواعظهم . ولقد دأب بعض الناس على قضاء الساعات الطوال أمام الشاشة لمتابعة ترهات المسرحيات السمجة والمسلسلات التافهة والسهرات الفارغة ، و على قتل الوقت في المقاهي لتبادل لغو الحديث دون أن يهمهم ضياع الوقت فيما لا طائل من ورائه ، فإذا ما جلسوا إلى واعظ من الوعاظ صار للوقت أهمية عندهم ، وقد بلغ الأمر ببعضهم في بعض المساجد أن زمجروا وصفقوا احتجاجا على أحد الوعاظ لأنه قارب الساعة من الزمن في موعظته ، وفي نفس الوقت تعرض في حديثه لنقد بعض السلوكات المشينة التي تشيع في المجتمع . والحقيقة أن الذين ضاقوا ذرعا بمواعظ هذا الواعظ إنما احتجوا على تناوله قضايا ربما تمسهم أو تمس ذويهم فقاموا بعملية تأويل موعظته واعتبارها استهدافا لهم. وهذا الموقف من شأنه أن يقيد الوعاظ فيجعلهم يتنكبون النهي عن المنكر تجنبا لإثارة مشاعر الغضب عند المقرين للمنكر أو الساكتين عنه .

ومع مرور الزمن ربما تصير بعض المنكرات من الأمور المحرم على الوعاظ والدعاة الحوض فيها. وإذا ما وقفنا وقفة تأمل في مواقف الذين ضاقوا ذرعا بزمن المواعظ والذي لا يمكن أن يتجاوز الساعة في أسوأ الحالات ـ إن صح أن يكون في الوعظ سوء ـ تجدهم يستعجلون الفراغ من العبادة في المساجد من أجل الذهاب إلى بيوتهم في أحسن الحالات ، وفي أسوئها ـ وهنا يصح الحديث عن السوء ـ إلى المقاهي والشوارع والطرقات. وهؤلاء لا يستعجلون الفراغ من العبادة في المساجد من أجل أعمال أفضل من العبادة أبدا. لقد انتفى من واقعنا سلوك الارتباط والتعلق ببيوت الله عز وجل وانتظار الصلوات وهو ما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الرباط . ولم يعد فينا صنف السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله وهو صنف الرجل المعلق قلبه بالمساجد. والملاحظ أن غالبية الناس إنما يلتحقون بالمساجد بعد آذان العشاء ولا يلتحقون مباشرة بعد الإفطار ومع ذلك يستعجلون وقت الموعظة ، ويحاسبون الواعظ حسابا عسيرا وقد شدت عيونهم إلى ساعات المساجد الحائطية أو إلى ساعاتهم اليدوية وهواتفهم الخلوية ، وهم يترقبون خروج الإمام والمؤذن من مقصورة المسجد كإيذان بنهاية وقت الموعظة. وكثير من الناس لا يلقي بالا لما يقوله الواعظ إذ فيهم من يعرض كليا عنه من خلال الانزواء إلى ركن قاص من أركان المسجد في إشارة واضحة إلى عدم الاكتراث أصلا بالوعظ . وفيهم من يسمك المصحف كذريعة لعدم الرغبة في سماع الوعظ ، وفيهم من يبالغ في صلاة النافلة لتبرير عدم الرغبة في سماع الوعظ . وفيهم من يغط في نوم وسبات. وفيهم من ينظر شزرا إلى الواعظ يعرف المنكر في عينيه ، وهو يصدر بين الحين والآخر زفرات التأفف والضجر، وقد يتعمد الكشف عن بعض الحركات بما يدور في خلده من تضجر بالواعظ وموعظته . وفيهم من يثير الانتباه بوضع يده على حذائه والانصراف احتجاجا . وفيهم من يركب تضجر غيره فيرفع عقيرته أو يصفق فيكون ذلك سببا في خروج الضجر المكبوت هنا وهناك . ولو سألت كل هذه الأصناف عن ماذا تحدث الواعظ لما وجدت في جعبة أحدهم شيئا ، وقصارى ما يرددونه أن الواعظ قد أطال في عمر الموعظة ،أو أنه كشف عن آفة رائجة أو منكر لا ينكرونه .

وقد تتفتق عبقرية بعضهم عن تخريجات غريبة لموعظة الواعظ حيث تلصق بصاحبها تهمة التعريض بهم عن قصد وسبق إصرار وترصد حتى صارت هذه التخريجات عبارة عن أسباب نزول جديدة نسخت أسباب النزول السابقة . وقد صار من المحرم أن يتحدث الواعظ عن النفاق أو التبرج في الشواطىء أو ارتياد أماكن بيع الخمور أو الرشوة أو الغش في أداء الواجب أو التزوير…. إلى غير ذلك من الآفات التي يعاني منها المجتمع والتي من المفروض أن تكون حديث المواعظ في شهر العبادة والتقرب إلى الله بغرض التخلص مما تقدم من ذنب. فلا يكاد الواعظ يتناول آفة من هذه الآفات حتى تقوم قيامة من لهم صلة بها ويزبدون ويرغون وينددون ، ومنهم من يسرع إلى المجلس العلمي وإلى مندوبية وزارة الأوقاف لتسجيل الشكاوى والتظلمات ، وقد يجدون في المجلس أو المندوبية من يصدق تظلماتهم بسهولة أو تستهويه هذه التظلمات لحاجة في نفس يعقوب ولحسابات سابقة ضد بعض الوعاظ فيتم استدعاء الواعظ المغضوب عليه والمرصود عن قصد وسبق إصرار ليوبخ ، ويتسلى بتوبيخه ليكون عبرة لغيره.

وليت من يوبخ الواعظ يعظ أصحاب الشكاوى والتظلمات حتى لا أقول يوبخهم على غرار توبيخه للواعظ لأنه لا يستطيع توبيخهم كما يستطيع توبيخ الواعظ الذي صار خرقة تنظيف عند الجمهور وعند المسؤول على حد سواء.
سيقول البعض إن بعض المواعظ دون المستوى ، وهي مضيعة للوقت إلى غير ذلك من الانتقادات فنقول لهم قد يكون بعض ذلك صحيحا عند بعض ذوي العلم والاطلاع المحدود المتواضع ، أو عند بعض المتطاولين على الوعظ طلبا لشهرة أو لامتياز، وفيهم من يجوب حتى البحار والأجواء طلبا للارتزاق بدين الله خلال شهر رمضان ،ومقايضته بعرض الدنيا الزائل ، ولكن ليس كل الواعظين على هذه الشاكلة ، ففيهم أهل ورع وعلم وتقوى مشهود لهم بذلك ومع ذلك يكونون عرضة للإساءة .وقد بلغ الأمر ببعضهم أن عاملوا السيد رئيس المجلس العلمي المحلي بوجدة في مواسم رمضاينة سابقة نفس المعاملة حيث لم يتورعوا عن التصفيق احتجاجا على وقت موعظته مع أنه لا يشكك في علمه وطول باعه في العلم أحد ، لهذا اختار لموعظته ودرسه فترة ما بعد صلاة التراويح تجنبا لسوء الأدب مع المواعظ الرمضانية من طرف من لا يقدرون علما ولا يحترمونه.فيا ليت من يظهرون حرصا على الوقت بالنسبة لمواعظ رمضان يفعلون ذلك مع الساعات الطوال التي يهدرونها فيما لا طائل وراءه من لغو ولهو وعبث.

ويا ليت زمن السلف الصالح يعود حيث كان الواعظ يوجز والمتعظون يستزيدون من وعظه ، أو يطلبون الموعظة التي تذرف لها العيون لاستفراغها من المحارم.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *