كل الشعوب عرفت على مر الأزمنة و الحقب فن النكتة،و التي تنفس عن مجتمع ما باعتبارها ترصد تناقضاته ، و تنتقدها بطريقة هزلية مما يؤسس لثقافة جماعية مشتركة لهذا المجتمع أو ذاك، كما يمكن للنكتة أن تشكل تنفيسا و آلية للتعبير في كنف سلطة سياسية قمعية….الخ، و هي ظاهرة صحية بامتياز في كل الشعوب و الثقافات،لكن ما يشغل بالي في هذا المقام هو هيمنة النكتة المشينة ذات الطابع العرقي في المغرب كالحديث مثلا عن « سواسة » أو الطابع الجغرافي كالكلام مثلا عن أهل بركان أو ما يسمونه ب »لبراكنة » ،و التي تصور ساكنة بركان و كأنهم أناس لا يفقهون في شيء، و حين تذهب إلى إحدى المدن المغربية النائية عن الجهة الشرقية ، فكثيرا ما تحاصر بأسئلة عن الجديد في النكتة حول « لبراكنة » مما يؤكد أن هناك فكرة عامة سلبية و غير صحيحة أخذت عن أهل بركان عبر النكتة.
لقد حز في نفسي هذا  » stéréotype « 

البعيد عن الحقيقة ،باعتباري أقطن بركان لما يزيد عن ثلاث سنوات، و اكتشفت طيبوبة ساكنتها و جديتهم وإبداعهم و تشبثهم بأصالتهم.
لقد أنجبت مدينة بركان شهداء الذين دافعوا عن حوزة الوطن ضد المستعمر الفرنسي، و معركة تافوغالت الشهيرة في بداية القرن العشرين التي تكبد فيها الفرنسيون خسائر فادحة من العتاد و الجيش أمام زمرة من المقاومين مسلحين بالإيمان بقضيتهم.كما أن « البركانيين » و لجوا كل المجالات : السياسية و الاقتصادية والرياضية …. فللإشارة أن أول رئيس حكومة مغربية هو مبارك البكاي لهبيل المنحدر من مدينة بركان، كما أن آخر وزير أول الذي هو عباس الفاسي و هو مزداد بمدينة بركان حين كان والده قاضيا على المدينة و عبر أكثر من مرة حين حلوله في تراءس لقاءت حزبية عن اعتزازه بالانتماء إلى هذه المدينة المناضلة ، دون أن ننسى أن هناك وزير في الحكومة المغربية الحالية هو ابن بركان، زيادة على أن رؤساء أحد الأحزاب السياسية هو من بركان.
وفي الجانب الإقتصادي تعتبر مدينة بركان مزودا حقيقيا للأسواق الوطنية من الخضر، و مصدرا أساسيا للبرتقال ذي الشهرة العالمية، كما أن هناك منعشين اقتصاديين من العيار الثقيل الذين يتربعون على رأس شركات وطنية كبرى من قبيل الماء المعدني و الطيران و الصناعة الغذائية ….الخ.

أما في الجانب الرياضي ، فكلنا اقتسمنا لحظات الفرح مع عداء المسافات المتوسطة العالمي و بدون منازع ،هشام الكروج الذي عرف ببلاده ، و أثلج صدور المغاربة ، كما ساهم لاعبو كرة القدم من قبيل الشاوش ، و آخرون في إعطاء دفعة كبيرة للفريق الوطني.أو ليس كل هؤلاء من بركان؟؟؟؟؟؟؟؟.
إن طابع الأصالة يميز أغلبية قبائل بني زناسن ، فهم يعبرون عن حاجاتهم بشكل بريء، و لا يلجأون إلى طرق ملتوية و التي يعتبرونها نتاج نفاق المجتمع. كما أن البعض من أهل سوس الذين ولجوا عالم التجارة الصغرى تعرضوا لوابل من الإهانة عبر النكتة لا لشيء إلا أنهم و لجوا ميدان التجارة الذي كان حكرا على البورجوازية الفاسية منذ القرن السادس عشر و التي خشيت من مضايقات مستقبلية لمشاريعها من طرف هؤلاء الوافدين الجدد.

إن المجتمعات في أحلك الظروف التي تمر منها ، تتعاطى للنكتة للترويح عن النفس وهروبا من مآسيها ، لكن نلاحظ هنا في المغرب أن النكتة تساهم في إيقاظ نعرات و صراعات جوفاء و تصفية حسابات واهية،هدفها إعادة إنتاج قيم لا تخدم التطور و تكرس » الستاتيكو ».فكفانا من هذه الخزعبلات.

رشيد حمزاوي