حقوق وواجبات المغتربين والمقيمين تجاه بعضهم البعض
عرف المغرب ظاهرة الاغتراب عن الوطن منذ فجر الاستقلال حيث تسببت سنوات الاحتلال الفرنسي البغيض في إفقار الشعب المغربي عن طريق استنزاف ثرواته وابتزاز أمواله من خلال ضرائب شملت حتى استنشاق هواء الوطن الرازح تحت نير أبغض احتلال غربي. وأمام الوضعية الاقتصادية المزرية إبان الاستقلال لم تجد شرائح عريضة من الشعب المغربي بدا من التفكير في الهجرة دفعا للفقر وطلبا للرزق. ولم يكن لهذه الشرائح خيار سوى دول الشمال وعلى رأسها الدولة المحتلة التي كانت تستغل طيلة احتلالها للمغرب السواعد المغربية في بناء صرح حضارتها تشق بها الأنفاق والسكك الحديدية والطرق السيارة ، وتشيد بها البنايات ، وتستصلح بها الأراضي الزراعية ، وتدفع بها إلى ساحات الوغى في حربين كونيتين ، وفي حرب الهند الصينية. وبدأ الهجرة المستنزفة للموارد البشرية بعيد الاستقلال فرارا من وضعية اقتصادية مزرية من صنع المحتل لضمان تبعية المغرب له . وكانت الهجرة الثانية بعد هجرة فترة الاحتلال وقد اتسمت كسابقتها بتفكيك أواصر الأسر المغربية حيث رحل أرباب البيوت من الذكور وخلفوا أسرهم وراءهم لأن الهم كان توفير لقمة العيش. وقد ترتبت عن هذا الوضع غير السليم مآس اجتماعية كثيرة أقلها التفكك الأسرى حيث تخلت شريحة من المغتربين عن أسرها ، واختارت تكوين أسر جديدة في بلاد المهجر عن طريق ما يسمى بالزواج المختلط . وقد صارت أسر المغتربين المتخلى عنها عرضة للضياع بدءا بالفقر وانتهاء بالانحرافات الخلقية المختلفة والمترتبة عن العامل الاقتصادي.
وأمام تفاقم مشاكل أسر المغتربين لم يجد هؤلاء بدا من التفكير في تهجير الأسر برمتها فكانت الهجرة الثالثة لجيل الصغار الذين التحقوا بآبائهم فكان مصير البعض التمدرس في حين كان مصير البعض الآخر نفس مصير آبائهم الشغل في أوراش البلاد الغربية. وما لبث جيل الأبناء أن صار جيل آباء جدد بمواصفات فيها بعض الاختلاف عن جيل الآباء الأوائل . وبدأت معالم الهوية الوطنية التي حرص عليها الآباء الأوائل تنطمس شيئا فشيئا بدءا بضياع الألسنة وانتهاء بالتنكر للجنسية وحتى للعقيدة بالنسبة لبعض الشرائح . ونظرا لتكريس وضعية الفقر داخل المغرب مع تراخي الزمن ، وازدياد الهوة سحقا بين المستوى الاقتصادي لدول أوروبا الغربية ودول الجنوب تفاقم مشكل الهجرة من الجنوب نحو الشمال باطراد غير مسبوق. وكانت فترات العطل خصوصا الصيفية هي ظروف الإشهار بالنسبة للاغتراب حيث كان المغتربون يظهرون أو حتى يتظاهرون بالتميز عن المقيمين بمستوى العيش المغري لهؤلاء من خلال بعض المقتنيات من سيارات ومساكن حديثة…. إلى غير ذلك مما جعل معظم المقيمين يجعلون نصب أعينهم الهجرة نحو الشمال مهما كلف الثمن. وبدأت ظاهرة طلب المقيمين الزواج من بنات المغتربين كوسيلة للهجرة ، فضلا عن رغبة بعض المقيمين تزويج بناتهم من أبناء المغتربين لنفس الغرض. وظهرت بسبب ذلك ظاهرة ما يسمى الزواج الأبيض الذي فرضته الرغبة في الهجرة.
ولما سدت أبواب الهجرة في وجوه الراغبين فيها عن طريق الإجراءات المتزايدة التعقيد بالنسبة للدول المستقبلة لم يجد المهاجرون بدا من ركوب زوارق الموت ، وهي أحدث ظاهرة عرفها مجال الهجرة من الجنوب إلى الشمال ، وقد أغرت هذه الظاهرة شعوب العديد من الدول الإفريقية التي تعاني من آفات الحروب الطائفية الطاحنة والمجاعات فاتخذت المغرب معبرا نحو الشمال مستفيدة من خبرة المهاجرين المغاربة في الإبحار على متن زوارق الموت. وهكذا عرفت الهجرة إلى الديار الغربية تعقيدات غير مسبوقة تسببت في أزمات اقتصادية واجتماعية كارثية بالنسبة للمغتربين وللمقيمين على حد سواء. فبعدما كانت أواصر القرابة واللحمة الرحمية متينتين بين الفئتين المغتربة والمقيمة تحولت إلى انفصام العرى لعدة أسباب وعلى رأسها التأثر بثقافة الغرب التي لا تهتم باللحمة الرحمية كما هو الشأن في الثقافة الإسلامية حيث بدأت ظاهرة التنكر للأهل والأقارب بما فيهم الآباء والأمهات. وصارت السمة المميزة للعلاقة بين المغتربين والمقيمين شكوك وتخوف فئة المغتربين من فئة المقيمين واتهامهم بالطمع فيما يملكون أو ما يجلبون معهم خلال عطلهم ، وكذا اتهامهم بمحاولة استغلالهم خصوصا بعد ظهور بعض الممارسات اللامسؤولة لبعض المقيمين كاحتلال مساكن المغتربين ، والتحايل عليهم لابتزاز أموالهم ، واستغلالهم في مشاريع ظاهرة الزواج الأبيض إلى غير ذلك من الممارسات التي صارت سببا في التأثير على العلاقة بين المغتربين والمقيمين.
ونشأت لدى شريحة من المغتربين فكرة التوجس من القرابة المقيمة في أرض الوطن فتحولت العلاقة إلى صدام وصراع وعداوة مستحكمة بعدما كانت علاقة حميمة. وقد تشبعت شريحة من المغتربين بالسلبي من الثقافة الغربية دون وعي منها ، وصارت تروج لها وتكرسها تحت وطأة عقدة الانبهار بالغرب دون تمييز بين غث وسمين من قيمه.ومما زاد في الطين بلة ظاهرة التدين في بلاد المهجر حيث عمدت الطوائف الدينية المختلفة إلى التنافس على فئة المغتربين من أجل استقطابهم ، فكانت الساحة الغربية هي مضمار الصراع الطائفي الديني مما جعل فئة المغتربين المتدينة تنقسم على نفسها حسب ولائها لهذه الطائفة أو تلك ، وتسبب ذلك في صراع بين المغتربين انتقل بعد ذلك إلى فئة المقيمين حيث صار بعض المغتربين يشكون في تدين المقيمين ، ولا يثقون إلا في من يؤطرهم دينيا مهما كانت ملته أو نحلته فدخلت إلى أرض الوطن تيارات دينية غير معهودة من سلفية على اختلاف أنواعها وتشيع وطرقية…. وهلم جرا مما جلبه المغتربون معهم مقلدين تقليدا أعمى ومتعصبين لانتماءاتهم الطائفية التعصب الأهوج. وأمام تنامي ظاهرة التدين وفق الطائفيات تزايدت ظاهرة الانسلاخ من الدين حتى بلغ الأمر عند البعض حد التنصر أو التعلمن إن صح التعبير.
والمشكل أن العلاقة بين المغتربين والمقيمين جدلية إذ تؤثر كل فئة في الأخرى بفعل الاحتكاك في فترات العطل ، ذلك أن شريحة من المقيمين خصوصا الأغرار منهم يستهويها الجانب الاقتصادي والمادي عند فئة المغتربين فتتلقف عنهم كل غث وسمين مما يجعلها ضحية لظواهر نشأت تحديدا في المهجر وانتقلت إلى أرض الوطن. وفي المقابل يتأثر أغرار الفئة المغتربة بالفئة المقيمة خلال وجودهم بأرض الوطن فيتلقفون أيضا كل غث وسمين فتنتقل الظواهر الناشئة تحديدا في أرض الوطن إلى أرض المهجر. والطامة الكبرى أن تتفاعل الظواهر السلبية بين الضفتين الشمالية والجنوبية فيكون الناتج ظواهر مدمرة للكيان الوطني والديني لدى الفئتين معا. وأمام هذه المعضلة لا بد من حلول جذرية للعلاقة بين المغتربين والمقيمين وأول خطوة هي استعادة الثقة المفقودة بين الفئتين ، وتكريس الوعي بطبيعة الثقافة الوطنية المفارقة للثقافة الغربية ، وكذا تكريس الوعي بدور الثقافة الوطنية في المحافظة على الهوية والكيان الوطنيين ، ثم تكريس الوعي بضرورة التفاعل والانفعال الإيجابيين مع الثقافة الغربية عوض الانصهار الأعمى فيها ذلك أن الثقافة الغربية لا تقدر المنصهرين بقدر ما تقدر المتميزين بثقافتهم. ومن أجل تقليص الهوة بين فئتي المغتربين والمقيمين لا بد من خطط معدة بدقة خلال فترات العطل ليكون التفاعل بين الفئتين إيجابيا عوض مراكمة سلبيات الفئتين سنة بعد أخرى لتكون خسارة الوطن فادحة وآثارها ممتدة لأجيال متلاحقة.
2 Comments
سلام الله عليك اخي محمد، على أي موضوع الهجرة ليس لصيقا بالمغرب وحده، في الحدود بين ولاية تكساس والميكسيك في قرية إسمها »إلباسو » وضعت السلطات الأمريكية أسلاكا جد مرتفعة وعالية الشحناة الكهربائية حيث تسمع كل صباح عن تفحم مهاجرين قادمين من امريكا اللاتينية. المهاجر يخفي الوجه الحقيقي لبلدان الإستقبال بل يدافع عنها اكثر من دفاعه عن وطنه، فيصنع الحكايات المحبوكة عن نبل وشهامة الغرب ويُسر الإدارة، إن الجالية بالمهجر تعيش تشردما سببه إسقاطات شخصية لأفراد ففي مدينة « تورنتو » الكندية مثلا حيث يوجد حوالي عشرين ألف مغربي نصفهم يصوم مع السنة والآخر مع الشيعة وسمعنا قصص تشيع بعضهم في غياب جالية فعالة تحمل هم العقيدة الصحيحة
فعلا الاحتلال الفرنسى كان سببا فى فقر الشعب المغربى،لكن وبكل موضوعية هناك سببا اخر خفى وخطير وهو القابلية.الشعب المغربى كان مهيا للجهاد والقتال فى سبيل الله،معناه هناك صناعة الموت ولم تكن صناعة الحياة الحياة فى سبيل الله من عمارة الارض والاستخلاف والتمكين.امتنا عاشت بطولة الجهاد ودحرت الاستعمار الفرنسى لكنها غفلت طلب الدعوة والعلم والتربية ولم تلعب فيه دور البطولة،احكى طرفة ان رجلا كان يمشى على حافة جرف.ثم تعثر فجاة وسقط،لكن احسن حظه مسك فى نتوء صخرى وتعلق به، وظل متعلقا لفترة واخيرا صرخ.اهناك من يساعدنى فى اعلى الجبل؟ ولم يجبه احد.وظل يردد سؤاله مرات ومرات واخيرا رد عليه قوى.انا جنى، يمكننى ان اساعدك.فقد اترك الحافة وضع ثقتك فى.بعدها صار الرجل يصرخ.هل هناك احد غير هذا الجنى يمكنه مساعدتى؟ الدرس مفهوم هو الاعتماد على الذات.