اشتريها زجاجا
اشتريها زجاجامما يروى من الحكايات الشعبية ، أن شيخا عجوزا ، أنهكه الكبر والفقر ، لا يقدر على شيء ، وله ذرية صغار سرقوا يوما منجلا (آلة للحصاد) وجاءوا به أباهم ، فغضب منهم وأنكر عليهم ، ثم أمرهم بإرجاع المسروق إلى أصحابه . لكن الأطفال ذهبوا بالمنجل إلى السوق، وباعوه واشتروا بثمنه تينا وعادوا به إلى البيت وقدموه إلى أبيهم، فقال لهم: من أين لكم هذا ؟ قالوا له: بعنا المنجل واشترينا بثمنه التين. تبسم الشيخ ومد يده إلى الصحن ،ثم بدأ يلتهم التينة بعد الأخرى، وبعد أن أخذ ثأره من التين،التفت إلى أبنائه شاكرا لهم صنيعهم ، منوها بذكائهم وفطنتهم قائلا لهم : (لله دركم يا أبناء اليوم ، تجعلون من الحرام حلالا) .
هذه الحكاية تشخص لنا صورة نموذجية ، عن التحايل على شريعة الله ، لإباحة الحرام ، أو تحريم الحلال ، وفقا لما يمليه الهوى والمصلحة الآنية .ولقد عرف اليهود على مر التاريخ بهذا النوع من التحايل على شريعتهم ، فحللوا الأعمال والأفعال المحرمة عليهم، وفق ما يسمونه في فقههم [ الإعفاءات الشرعية ] (في الفقه اليهودي باب يسمى الإعفاءات الشرعية يتحايلون وفقها لإباحة ما حرم عليهم ). والقرآن الكريم فضح هذا النوع من التحايل ، في أكثر من آية ، أذكر منها على سبيل المثال { واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تاتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون } (الأعراف الآية 163) . ينهاهم ربهم عن العمل يوم السبت { وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا }(النساء الآية 154) ، فيأتونه تحايلا ، كنصب الشباك يوم الجمعة أو ليلة السبت والصيد يوم الأحد ، أو حلب الأبقار يوم السبت وهو محرم عليهم ، بإشراك عدة أطراف في عملية الحلب ، بعضهم يضع الإناء تحت الضرع ، و الآخر يضغط على الزر الكهربائي وهكذا تتعدد الأدوار والحيل ، إلى أن تتم عملية الحلب. وكذلك يفعلون مع الشحوم المحرمة عليهم .{ …ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوا يا أو ما اختلط بعظم …} ( الأنعام الآية146) إذ يذوبونها ويبيعونها ، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، يفضح هو الآخر تحايلهم على تحليل الشحوم .فيقول : [ لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها ] لم يكتف اليهود بالتحايل على شريعتهم ، لإباحة ما حرم عليهم ،بل تعدوه إلى الزور ،والكذب ، والتبديل ، والتحريف …كما هو ثابت في العديد من الآيات الكريمة كقوله تعالى : { يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به}( المائدة 13) {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه }(النساء آية46) { وقولوا حطة يغفر لكم خطاياكم } فقالوا « حنطة »…. إن شريعة الإعفاءات اليهودية ، ومنطق التحايل على الشريعة ، أفرز عندنا ما يمكن أن نسميه بالعقلية المنجلية (نسبة إلى المنجل ) ، الذي لا يميز عند فعل الحصاد بين أخضرا لزرع ويا بسه .
فالكثيرون من المؤتمنين على المال العام ، لم يعودوا يتورعون عن اختلاس ، أو سرقة مال الأمة ،وأكل أموال الناس بالباطل ، والاعتداء على الممتلكات العامة ، أو استخدامها استخداما سيئا … بحجة جواز سرقة الدولة ، لأنها تهضم حقوقهم ، أو لا تعطيها لهم كاملة . إن اختلاس المال العام والتحايل على سرقته ، بمنهجية دنيئة وماكرة ، تحت غطاء المسوغات الشرعية ، التي لا توجد إلا في فقه » الإعفاءات الشرعية « وفي نفوسهم الفاسدة ، ونواياهم الخبيثة …يقرؤون قوله تعالى : { إن الله يأمركم أن تؤدو الأمانات إلى أهلها }( النساء آية 58) . ويتحدثون بقوله صلى الله عليه وسلم [ أد الأمانة لإلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ] ( أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم والبيهقي عن أب هريرة ) وهم لها خائنون .
إن الاختلاس ، والاستيلاء على المال العام ، والمال الخاص ، أصبح ظاهرة مألوفة وشائعة ، يتعامل بها الموظف ،والمواطن العادي، والشركة العمومية والشبه العمومية …فالمواطن يسرق الكهرباء ،والماء ،ويتحايل على عدم دفع الفواتير المستحقة عليه…والشركات كل حسب منتوجها ، تغش الزبناء وتغرر بهم وتخدعهم عن طريق الوعود الكاذبة ،وتضخيم الفواتير وتزويرها ، والتلاعب بها (مثلا بيع عداد الكهرباء والماء وقبض ثمنه ، مع مواصلة استخلاص أجرة الكراء ،مدى الحياة فالشيء الواحد يباع ويكترى في نفس الوقت – الفواتير الجزافية للاستفادة بقيمة ما يسمى باستهلاك الشطر الثاني أوالثالث) كل ذلك من أجل تحقيق الأرباح الطائلة والمستديمة . إن شبكة الاختلاس المنضوي تحت لوائها شخصيات تتمتع بحماية لوبي يعتبر نفسه فوق القانون ، يضمن لها عدم المحاسبة والمساءل . تنهب مدخرات الدولة ، وتسخرها لأغراضها الخاصة ، وتدمر اقتصاد البلاد ، مستعملة في ذلك كل ما يتاح لها من عوامل وحيل سرية ،ووسائل تبريرية ، ذات صبغة قانونية ، أو شرعية .
كادت أن تحمل البعض على الاعتقاد بإباحيتها ، وأن تقنع آخرين بمشروعيتها . إن من جرائم اختلاس المال العام ، ما قام به أحد المسؤولين ، من أصحاب أللياقات البيضاء ، ذوي المظهر الأنيق ، والنفس المتسخة ،والعقلية » المنجلية » إذ طالب أحد مرؤوسيه ب 5000 درهم على وجه السرعة ،لكن الموظف المسكين ، احتج على استحياء ، واعتذر على استحياء ، وقال بصوت لا يكاد يسمع :و من أين لي بذلك يا سيدي . أجاب الرئيس بكبرياء وغطرسة .أأنا الذي أشرح لك طريقة العمل ؟ وأعلمك كيف تأتي بالمبلغ ؟ ألا تتقن عملك ؟ ألا تعرف كيف تتصرف؟ أنت لا تصلح لتسيير المصالح الاقتصادية ؟ …و كلام آخر كثير…اسمع مني وتعلم ، اشتريها زجاجا يا… فرد المغلوب على أمره، ولكن ماذا أقول للجنة المراقبة ؟ ضحك الرئيس، وعاد لأسلوب التوبيخ والسخرية . ألا تعلم أنني أنا الذي أبعث اللجنة ؟ ولن أبعثها قبل ستة (6) أشهر على الأقل. وعند ذاك يكون الزجاج قد كسر بفعل التخريب، وبفعل التيار الهوائي….وهكذا يكون التطبيع مع الاختلاس والسرقة ،والتعلم من فقه الإعفاءات الشرعية
1 Comment
شكرا لك أخي العزيز حمري الرجل الغيور المجد ،انك وغيرك تحاولون ايقاظ نفوس مريضة مولعة بالتزوير والتدوير والبحث عن النظير بصيغ دنيئة وأساليب رديئة .أمام غياب الرقابة الشرعية والوضعية ما عليك وعلينا الا التذكير عل الضمير يستيقظ يوما ما……