من العبث الالتفاف حول ظاهرة العزوف عن المشاركة في الانتخابات
لقد كانت نتائج الانتخابات في المدن المغربية صدمة قوية بالنسبة للسلطة من جهة ، و من جهة أخرى بالنسبة للأحزاب التي قبلت المشاركة في مسرحية انتخابية هزلية إلى جانب مسخ نشأ بين عشية وضحاها من خليط أحزاب أو نشاز ضم كل سالخ جلد كما تفعل الثعابين . ولقد كان من المفروض أن تدعو الأحزاب السياسية التي تحترم الشعب إلى مقاطعة انتخابات معروفة النتائج بسبب المطية التي ركبها حزب عشية وضحاها للفوز على حساب المواطنين البسطاء في أحياء هوامش المدن وفي البوادي المغربية بناء على إحصائيات استغلت على طريقة القمار للإيهام بأن الحزب المطبوخ قد سد الفراغ الذي خلفته ظاهرة العزوف عن الانتخابات البرلمانية السابقة .
والمؤسف حقا أن بعض الأحزاب التي قبلت الانخراط في عملية تسويق هذا الحزب انتخابيا تحاول الإنحاء باللائمة على ظاهرة العزوف عن المشاركة في الانتخابات خصوصا لدى الفئات المثقفة في المدن. و الحقيقة أن ظاهرة مقاطعة الانتخابات في المدن هي عبارة عن موقف سياسي أكثر مما هو عدم اهتمام بالعملية الانتخابية كما يحلو للبعض أن يسميها. لقد نضج الوعي السياسي في المدن المغربية بين النخب المثقفة التي لم تعد تقبل باللعبة الانتخابية البالية التي أكل عليها الدهر وشرب والتي تتخذ من الفئات البسيطة في هوامش المدن وبواديها دروعا بشرية تحتمي بها لاكتساب المشروعية لأنه في نهاية المطاف يعتبر الصوت الانتخابي مجرد صوت بغض الطرف عن المستوى الثقافي لصاحبه ، ومستوى وعيه السياسي . وما أشبه موقف الحزب المطبوخ بحكاية أشعب الطماع الذي كذب على صبية الحي وزعم أن في أحد البيوت حفل وليمة للنجاة بجلده منهم ، ولكنه سرعان ما صدق كذبته وسبق الصبية إلى ذلك البيت .
لقد صرنا نسمع في وسائل الإعلام أصحاب حزب بين عشية وضحاها يتبجحون بالمرتبة التي حصل عليها حزبهم ، فها هم يكذبون ويصدقون كذبتهم كما فعل أشعب الطماع .وهاهم يقولون لمن قبل خوض المسرحية الانتخابية معهم عوض أن يقف مع سواد الشعب المقاطع إن السلطة لا تقبل التعامل معكم . ولا يستغرب أمر هذا الحزب الذي يزعم أنه عرف ما يريد الشعب ، و هاهو يعرف ما تريده السلطة أيضا. فإذا عرف هذا الحزب ما تريده السلطة فهذا ليس بالأمر المستغرب لأنه خرج من عباءة السلطة ، و تحصيل الحاصل أن حزب السلطة وفق الوصفة الجديدة عرف ظاهرة عزوف الشعب عن الانتخابات انطلاقا من إحصائيات دقيقة من أرشيف السلطة لهذا حاول الالتفاف عليها . لقد عرف الداني والقاصي أنه تم الترويج بين فئات البسطاء من أبناء الشعب أن حزب الجرار هو حزب المخزن ، وأن العزوف عن التصويت هو عصيان للمخزن فكان ابتزاز الأصوات واضحا لا غبار عليه في الأحياء الهامشية والبوادي ، الأمر الذي لا يمكن أن يحصل في المدن . وإن السلطة غير منشغلة بنتائج المسرحية الانتخابية التي سدت مسد امتحان تجريبي على شاكلة الامتحانات التجريبية الحالية في قطاع التعليم بقدر ما هي منشغلة بظاهرة العزوف عن المشاركة فيها.
فوزارة التربية الوطنية تجري امتحانات تجريبية ، وهي مذهولة أمام ظاهرة مقاطعة التلاميذ لها ولكنها تلتف حول الظاهرة بالإكثار من الحديث عن هذه الامتحانات التي لا تتجاوز المشاركة فيها أحيانا كتابة المرشحين أسماءهم على أوراق التحرير ثم الانصراف بعد ذلك . فالسلطة تتحدث عما سمته أغلبية نسبة المشاركة برقم أو رقمين كفارق بين نسبة المشاركة ونسبة المقاطعة دون أن تتحدث عن نسبة المقاطعة التي لا يمكن أن تبقى بلا دلالة كما تريد السلطة أ و بدلالة تخدم طروحات بعض الأحزاب التي تريد تعليق فشلها أمام لعبة السلطة على شماعة المقاطعة .إن نسبة المقاطعين للانتخابات تتفرج على أبطال المسرحية الانتخابية الهزلية وهو يتحولون من صراع مسرحي إلى صراع واقعي، في انتظار أن يحين وقت تفشي وعي المدن في جيوب الأحياء الهامشية والبوادي لتنتهي المسرحيات الانتخابية الهزلية نهاية لا رجعة لها ، ولتبدأ انتخابات حقيقية ينخرط فيها الجميع بعد عودة الثقة المفقودة في الانتخابات بشكلها الحالي .
1 Comment
مفهوم مقاطعة الانتخابات الوارد في مقالكم بالتحليل السياسي هو موقف لم يتخده سوى تيار سياسي ماركسي حيث وزع منشورا حول مقاطعة الانتخابات أما الباقي فهو عزوف او عدم اكتراث ومثل هذه المواقف ليس لها أي مدلول سياسي فهي تدخل ضمن أهتم بنفسي ولا يمهمني الشأن العام