بين التوافق والتراضي يضيع الحق أو يكاد
صباح يومه الثلاثاء 05 ماي 2009، حوالي الساعة الثامنة وخمسون دقيقة، وفي طريقي إلى مقر عملي مشيا على الأقدام ، أثار انتباهي تجمهر الناس حول شاحنة كبيرة واقفة وسط الطريق تعرقل حركة المرور، عند ملتقى الطريقين المزدوجين القادمين من حي لازاري والطريق القادم من حديقة لالة عائشة قرب مصالح اتصالات المغرب في حي المقسم،كنت أتصور أن الأمر يتعلق بعطب أصاب الشاحنة،و لما اقتربت من المكان اتضح لي أن الأمر يتعلق بحادثة سير كانت ضحيتها تلميذة تمتطي دراجة هوائية متجهة إلى مؤسستها التعليمية، لقد كان المنظر مريعا ومفجعا حيث امتد جسم تلميذة مع دراجتها المكسرة أسفل الشاحنة بين العجلات الأولى للشاحنة والعجلات الأخيرة، وحسب شهود عيان أن صاحب الشاحنة داس التلميذة ولم يعبأ بصدمها، ولولا صراخ الحضور لداسها بالعجلات الأخيرة،لقد تمددت التلميذة البريئة على جانبها الأيمن، وقد اصفر وجهها ، وقلت حركتها ، ومن حسن حظها حضور مجموعة من السيدات و أحد الأطباء الجراحين الذي عمل على دعمها نفسيا والتهديء من روعها في انتظار حضور رجال الشرطة،و سيارة الإسعاف التي حضرت إلى عين المكان حوالي 20 دقيقة على وقوع الحادث،نغتنم هذه المناسبة لتقديم الشكر الجزيل للسيدات وللدكتور الجراح الذي لازم الضحية وحاول التخفيف عليها وهي في حالة الصدمة، ونشكره على مهنيته العالية ،وإخلاصه لقسمه، وإنسانيته النبيلة، ووطنيته ، نيابة عن كل الآباء والأمهات الذين يرسلون أبناءهم وبناتهم،كل يوم، وأيدهم على قلوبهم، إلى المؤسسات التعليمية البعيدة عن مقر سكناهم، وتضطرهم ظروفهم المادية إلى اللجوء إلى استعمال الدراجات النارية أو العادية كوسيلة للتنقل بسبب غياب النقل المدرسي.وفي نفس الوقت نرفض وندين هذه الحرب الشرسة التي يشنها أصحاب السيارات والشاحنات ضد تلامذتنا وتلميذاتنا، دون أن نذهب إلى حد مساندة مدونة السير والجولان « السويدية ».
تابعت السير في اتجاه مؤسستي وأنا أفكر في الفتاة الضحية ونحن على أبواب الامتحانات وأواخر السنة الدراسية،وأفكر في عائلتها التي تم إخبارها عبر الهاتف من طرف بعض السيدات الحاضرات ،وأفكر في ما سأقول في الاجتماع المقرر عقده مساء ذات اليوم بمقر النيابة،والذي دعينا إليه شفويا باقتراح من جمعية آباء وأولياء تلاميذ ثانوية القاضي ا بن العربي، والذين تأخروا 20دقيقة عن الوقت المحدد، وحضره كل من السادة رؤساء جمعية إعدادية سيدي امعافة و إعدادية القدس وثانوية القاضي بن عربية وكل من السادة مدراء المؤسسات المعنية، وترأسه السيد على بزاوي الذي ناب عن السيد النائب الإقليمي الذي غاب عن الاجتماع، وخير فعل، لأنني أشك في قانونية وشرعية هذا الاجتماع، الذي لا دعوات رسمية،و لا محضر له ،ولا يحزنون، وتحول إلى حوار الطرشان.لقد قالت لنا الإدارة أن الهدف من حضورنا هو « التنازل » عن توجيه جزء من تلامذتنا الناجحين في شهادة نهاية التعليم الثانوي الإعدادي من مؤسسة استقبالهم الرسمية القاضي ابن العربي إلى ثانوية زيري بن عطية، حتى يتسنى للجمعية الداعية للاجتماع، إضافة مستوى » الثانية باكالوريا » إلى المستويات الموجودة، الجذوع المشتركة والأوائل،وبالتالي تستكمل المؤسسة جميع المستويات ، وهو مطلب مشروع ومعقول نسانده وندعمه، وهذا ما توصلنا إليه في آخر الحوار، إلا أن المقاربة والتكتيك المتبع من طرف أعضاء المشروع، كانت خاطئا،عندما حاول هؤلاء إغراق السمكة،واستفزاز من يطالبونهم بالتنازل عن حقهم، وإعطاء الدروس للطرف الآخر، والاستغراب من مواقف المحاور، الذي كانوا يريدون منه التوقيع على البياض، ورهن مصير ومستقبل مؤسسات بأكملها، وتحول النقاش إلى انتقاد الخريطة المدرسية وفي نفس الوقت السياسة التعليمية وسياسة الارتجال التي تنهجها الوزارة ومؤسساتها، ورفض الجهات المحلية التوسيع الرأسي للمؤسسة ، بدعوى ضعف الأساسات ، وبالتالي ضياع 06 حجر وميزانيتها .نحن لسنا ضد استكمال كل المستويات بالمؤسسة المذكورة، ولكن لا نقبل أن يكون ذلك على حساب تلامذة إعداديتي القدس وسيدي امعافة، خاصة أن الأمر يتعلق بتلاميذ في بداية مراهقتهم ولا تتعدى أعمارهم 15 سنة، وعددهم 136 تلميذ وتلميذة من إعدادية القدس، وحوالي 70 تلميذ وتلميذة من ثانوية سيدي امعافة الذين عبروا عن رغبتهم في متابعة دراستهم في ثانوية القاضي بن العربي، وهذا حقهم ، ورئيس الجمعية ليس مخولا باتخاذ قرارات بهذه الخطورة دون الرجوع إلى الجمع العام.إن الحوار النقابي والسياسي يختلفان عن الحوار التربوي والقانوني.، ولا يجوز أن نستعملهما ضد بعضنا البعض، ولا يجوز لنا كجمعيات الآباء أن نشكك في مهنية ونزاهة وكفاءة رجال ونساء التعليم ، تحت أي مبرر، وأن نحتفظ بالكلمات غير الواضحة لأنفسنا، وكما قال أستاذي الفاضل عبد العزيز قريش، « أن للتاريخ ذاكرته التي تحاسب الجميع »…ولا يمكن أن يكون الحق مجالا للتفاوض والحوار والمساومة، ولا يجوز لرئيس جمعية آباء أن يطالب زميله بالتنازل عن حقوق من انتخبوه، وأن الاستمرار في الحديث عن « التوافق والتراضي » يضيع الحق أو يكاد ، والتوافق الذين يريدوننا القبول به هو الذي أوصل هذا البلد السعيد إلى الهاوية ،وعطل الانتقال الديمقراطي،وهو من الأسماء المستعارة لفكرة الإجماع، علماً بأن من المسلّم به أن الإجماع في الشؤون العامة يكاد يكون من المستحيلات.
تجدر الإشارة في الأخير ، بأننا مع الاقتراح الوجيه الذي قدمه رئيس الجلسة الأستاذ علي بزاوي ، وسوف نرى كيف سيتم تصريفه من طرف المعنيين بالأمر، و نغتنم الفرصة لنهمس في أذن السيد النائب الإقليمي ونقول له ، بأننا لسنا مستعدين للتنازل عن حق متمدرسين في اختيار مؤسسة استقبالهم لإرضاء أي طرف مهما كان، و »اللي أسقى شي قربة تقطر عليه ».
Aucun commentaire