خيرية النَّاظور.. عَلى خُطَى عين الشقّ
تقع دار الأطفال للجمعية الخيرية الإسلامية بالناظور على مساحة مهمّة، ولا تبعد إلاّ بأمتار قلائل عن كورنيش مدينة الناظور، وقبالة الجدار الأيمن لضريح سيدي علي، وغير بعيدة عن مبنى الدائرة الأمنية الثانية بالمدينة. يتكوّن مبناها من إدارة ومطعم ومطبخ ومخزن وقاعة للأنشطة ومراقد..، وجناح حديث دشّن صيف سنة 2008 من طرف صاحب الجلالة الملك محمّد السادس في إطار مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بتوفّره على ورشات تكوين وقاعة للإعلاميات وأخرى للمطالعة، حيث تتلقّى هذه الدّار تموينات من مختلف المتدخّلين المؤسّساتيين والاجتماعيين وفق ما يبيحه قانونها الأساسي، وتحقّق بذلك فائضا يُلجأ إلى تفريغه في مؤسّسات خيرية أخرى بالمغرب تفاديا للتلف وتفعيلا لبنود التعاون وروح التضامن والتآزر، وينتظر أن تشهد المؤسّسة صيف هذه السّنة تدشين جناح ثانٍ مَا زال في طور التشييد.
« عْتْقُونَا.. رَاحْنَا فْالحْبْسْ »
خرج يوم الجمعة 24 أبريل 2009 ثلّة من نزلاء الجمعية الخيرية الإسلامية بالناظور إلى شوارع المدينة طالبين التدخّل لوضع حدّ لثلّة من الممارسات التي يعرفها الفضاء المذكور، حيث لم يجدوا من سبيل لإبلاغ شكواهم إلاّ عبر محاولة الالتقاء بعدد من الصحفيين المحليين ومراسلي بعض المنابر الإعلامية الوطنية والمتعاونين مع وسائل الإعلام. بأن عمل الأطفال النزلاء على وصف وضعيتهم بالمهينة والغير المراعية لأبسط شروط الإنسانية.
ويتعلّق الأمر بأربع نزلاء متوسّط أعمارهم ستّة عشر سنة يتابعون دراستهم بالسلكين الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي، استهلكوا ما ينيف عن الساعة والنصف في الحديث عن وضعيتهم التي ربطوها بالوضعية السجنية العقابية أكثر من ربطها بوضعية رعاية اجتماعية، ذاكرين تعرّض أغلب النزلاء إلى الضرب والتنكيل (خصوصا صغار السنّ) من طرف بعض الأطر التربوية للجمعية، ومعاناتهم من تقديم وجبات هزيلة، واضطرارهم للعيش بدون إنارة كهربائية منذ أشهر عدّة جرّاء انعدام الصيانة التي جعلت أيضا ما يزيد عن المائتي نزيل يتناوبون على مرافق صحّية بصنبورين، إضافة إلى ثلّة من المعيقات المنعكسة على الدراسة والتحصيل كفتح قاعة المطالعة لمدّة نصف ساعة بالليل وغياب ربط الأنترنيت مؤخّرا عن قاعة الإعلاميات.
كما كان لقاء هؤلاء النزلاء فرصة لإلقاء إطلالة على الوضعية التربوية والأخلاقية بأعين من داخل الفضاء الخيري المعني بالأمر ، بتسجيل حالة حمل غير شرعي لإحدى الفتيات، كما أكّد الشاكون أنّ استهلاك الخمور والسجائر والأقراص المهلوسة أصبح شيئا عاديا في ظل غياب التقارب بين النزلاء والمؤطرين التربويين في ظلّ ما سمّي تباعدا نافرا بين المكتب الإداري للجمعية الخيرية الإسلامية وباقي هياكل هذا المرفق الذي يعرف صراعا علنيا بين رئيس الجمعية الذي يجاهر بعزمه انتزاع صلاحيات مدير دار الأطفال لأسباب خفيّة، وهو ما امتدّ إلى طرد النزيل حكُّو ومنع ولوج النزيلين ميمون وكريم بأن فرض عليهما التشرّد رغم كونهما يتيمين، واختفاء أحد سيارات الجمعية بعد أن ساقها لآخر مرّة أحد أقرباء الرئيس.
« صَافِي..؟ شْبْعُوا خُبْزْ..؟ »
زيارة ليلية إلى مقرّ الجمعية الخيرية الإسلامية بالناظور، على الساعة السابعة والنصف ليلا من نفس اليوم، كانت بهدف نقل أقوال النزلاء المشتكين إلى المسؤولين هناك لا لشيء إلاّ لتحرّي الوضع والتمكّن من الدّقة واستقصاء الأمر، فكان الاستقبال من السيد ميمون البالي بعد أن كان بصدد مغادرة المؤسّسة، قبل أن يرتجل من سيّارته ويسمع منّا ما صدر عن نزلائه من اتهامات، و لم يجد من جواب للردّ إلاّ قوله: « هَادُو رَاهُمْ شْبْعُو خُبْزْ.. »، مؤكّدا في معرض حديثه أنّ القانون الجديد 05|14 والمنظم لمؤسّسات الرعاية الاجتماعية هو الذي فرض خلق جوّ من الضبط لم يكن مألوفا بعموم التسيّب المسجّل في أوقات سابقة، وأنّ ثلّة من القرارات الجديدة والمنظمة لمواعيد الالتحاق والمغادرة قد أرّقت بعض النزلاء، مؤكّدا أنّ فضاءات المؤسّسة هي من بين أرقى الفضاءات الخيرية بالمغرب، وألاّ وجود لأي تعنيف أو تنكيل، وأنّ المراقد في حال جيّد شأنها في ذلك شأن المرافق الصحّية رغم ما تعانيه من تخريب من طرف النزلاء، وانّ برنامج التغذية هو راق وصحّي مختوم من لدن كافة المشرفين على الفضاء والذين من بينهم طبيب مختصّ في التغذية.
« عَايْنْ.. بَايْنْ.. »
تلبية للرغبة في القيام بجولة ضمن مرافق دار الأطفال، وافق السيد الرئيس باصطحابنا، حيث رافقتنا أعين النزلاء منذ أن غادرنا قاعة المطالعة، فكان المطعم أول من صادفنا ووفود النزلاء تغادره بعد أن تناولت عشاءها من حريرة وبيض مسلوق وخبز، قبل أن ينحو بنا مرشدنا صوب المطبخ ويقودنا صوب برنامج التغذية المعلّق والذي يعود إلى موسم مضى ونُسِي تحيينه بأن بقي بتاريخ نونبر 2007 بخواتم مسؤولين منهم من لم يعد بالإدارات الإقليمية، مع تسجيل غياب المُحَلِّـيات عن وجبة العشاء بشهادة برنامج التغذية.
« شُوفْ المْسَاخِيطْ آشْ دَارُو.. »
هكذا تحدّث إلينا السيد ميمون البالي وهو يشير إلى إحدى الفتيات وهي تقوم بغسل الصحون وسط مطبخ المؤسّسة، « شُوفُو.. رَاهَا حَامْلَة.. »، قبل أن يؤكّد القيام بكافة المساطر القانونية المتّخذة في هذه الحالات، ومنها إشعار وجّه لوكيل جلالة الملك بابتدائية الناظور، وقد كان النظر إلى تلك الفتاة النزيلة وهي تقوم بغسل الصحون وبطنها المنتفخة تسبقها كفيلا بتهييج المشاعر وجعل السّخط يطغى على الأحاسيس، وخلق إحساس بسيطرة جوّ « السّيبة ».
« الضّو كَايْنْ.. غِيرْ هُومَا لّي هْرْسُو البُولاتْ.. »
صراحة لم يكن مرافقنا يوَدّ اصطحابنا إلى أجنحة النّوم الخّاصّة بالذكور، بأن أطنب في الحديث عن جناح الفتيات الذي بني حديثا في إطار برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وقد استساغ على مضض توجهنا صوب مراقد الذكور، حيث أنّ إطلالة أوّلية أثبتت وجود عدد كبير من قاعات النوم بزجاج مكسور وإظلام تامّ دفع مرافقنا إلى رمي اللوم على النزلاء بنزع المصابيح، لكن دون تقديم توضيحات حول طريقة النزع والمصابيح تقع على ارتفاع أربع أمتار كاملة من أرضية الحجرات.
« غِيرْ الكْدَّابَة.. وْمَالْهُمْ هْرْبُوا..؟ »
مَا إن ولجنا حجرات النّوم حتّى تحَلّق عشرات النزلاء، كُلٌّ يحاول التحدّث في إجماع على ازدراء الوضع، وذلك وسط حجرات تسودها رائحة العفن، ويتقاسمها أفراد يتراوح عددهم بين الستّ والتّسع، مع وجود معلومَات مستقاة تفيد بوجود أربع وعشرين نزيلا يقتسمون أرضية قاعة الأنشطة، وأنّ ظروف العيش لا تحتمل من قبل النزلاء الرسميين أو الوافدين على المؤسّسة من أجل اتخاذها كمقام أثناء فترات التمدرس.. ومَا أثار الانتباه هو احتجَاج النزلاء على انسحاب مرافقينَا، وهو مَا اعتبر عدم قدرة على المواجهة أمَام المُشاهَد البصري والمنطوق المُتلفّظ به.
« وَاشْ هَادَا فِيسِي..؟ »
المرافق الصحّية أثارتنا، وأنستنا وضعية المراقد، بأن غَطّت بعفنها على عفن الغرف، وأزكمت مَا تبقّى من حسّ شمّي لأنوفنا، حيث أدّت جولة قصيرة لاكتشاف صنبورين لا غير بقيا دون غيرهما يكبّان الماء لأزيد من مئتي نزيل يتوافدون على هذه المرافق لمرات متعدّدة في اليوم الواحد، في حين خرجت عن الخدمة رشّاشات الاستحمام لتحرم القاطنين من النظافة البدنية وتدفع بلجوئهم إلى قصد حمّامات خارجية لمن استطاع لذلك سبيلا.
« إيوَا هَا نْتُومَا شْفْتُوا.. »
ونحن على وشك المغادرة، أصرّ السيد رئيس الجمعية الخيرية الإسلامية المرفوق بأحد نوابه والمُتابع من طرف السيد المندوب الإقليمي للتعاون الوطني الذي كان بفضاء دار الأطفال طيلة زيارتنا، أن يثني على فتحه الأبواب أمامنا وتمكيننا من افتحاص مجريات الأمور بأمّ أعيننا، مشيرا إلى أنّ التغيير قد هبّ على خيرية الناظور لتنال أرقى المراتب وتكون مضرب مثل على كلّ الأصعدة
1 Comment
لا حول و لا قوة الا بالله
هذا هو واقع بعض الجمعيات المغربية التي ليس لديها ضمير ديني و خلقي و لا حس وطني
يجب تبديل اطر هذه الجمعية الخيرية