Home»Régional»نص قصصي/ قدرك ياعزووووز..

نص قصصي/ قدرك ياعزووووز..

0
Shares
PinterestGoogle+

قدرك ياعزوز..

نص قصصي /عزيز باكوش

تردد صوت مبحوح خلف باب القسم،و أطل عبر نافذة القسم شبح "خديجة" العش زوجة العزاب عبد الله،وهي امرأة من عيار رجل , مشمرة الأكمام, محزومة البطن ، صاحت قائلة:

أين هو ذلك الكلب الأجرب؟

دخلت القسم من بابه الواسع، ومسحت فضاء القسم بعينها الواسعتين, مجرجرة فستانها المتهدل بين الصفوف.ثم صرخت ملء صدرها: مخاطبة ابنها عمر

:قم ،واذهب الى الولجة،وأحضر الكلأ للعجل،

وواصلت بنبرة قاسية:

بسرعة ،وإلا نزلت على قفاك, إن شاء الله تأخذك مصيبة.

غامت الدنيا أمامي ،وصرت كثور هائج لا أقوى على السير دون أن أرتطم بشيء ,

يا الهي ماذا يحدث هنا و الآن ؟

مسحت الفضاء بعينين كابيتين, وخاطبت نفسي بصوت مسموع

لا باس..يحدث هذا وأكثر..إنها البداية..

أما خديجة ، فقد نبهت عمر في ثقة زائدة

: لا تنس إحضار حزمة نعناع للأستاذ ..من البحيرة الجانبية.

قلت محدثا نفسي

:لم ….؟ فالشاي المنعنع الأخضر هنا و الآن , يرتق الخاطر, ويشد الروح.

كان الخميس يوما مشمسا تماما،و نهر سبو العظيم , يعزف خريره الأبدي ,عندما أحضر إدريس فتى " لغريفة" المدلل, سمكا مقليا ,و قليلا من اللبن الطري كوجبة غداء

"أمي أرسلت إليك الغداء ياأستاذ..

هذه عادة هذه العائلة الطيبة , عائلة ميلود الفراعي , منذ أن وطأت قدماي عزبتهم كأول مدرس في المنطقة منذ فجر الاستقلال , كرم ولا شيء غير الكرم .

كانت الساعة الخامسة إلا دقيقتين من زوال خميس ديسمبري طويل , حين أشرت الى تلاميذ الفوج بالانصراف , شعرت بلسعة خفيفة بين السبابة و الإبهام، دعكتها بلذة, و أنا أقول

:لا بأس حبيبات عرق ضالة تتلاشى مع عدم الاهتمام .. و يزول الأثر.

لكن, و عكس توقعاتي، فقد ظلت الحبيبات مع مرور الوقت، تتكاثر، تنتفخ, و تتورم.وباتت الحبيبات الشبيهة بفاكهة كرز لم تنضج بعد ،تتعانق واحدة بالأخرى, في فوضى عارمة ,مخلفة بثورا و تجلطات صديدية تبعت القرف.

و كان علي أن أطلق عنان سذاجتي زمنا طويلا ,قبل أن أقتنع بحلول ضيف ثقيل , مقرف يدعى "الجرب " او الجربة" أو الحكة كما يدعوها العامة هنا . و الأدهى من ذلك أن المدعو مصطفى اخو عمر, هو صاحب هذه الدعوة غير اللطيفة .والملعونة بصدق.

لم تعبئ الفقاعات الدموية بأمواج السائل الأصفر "اسكابيول" المضاد لها أول وهلة , بل ظلت تتابع انتشارها الهادئ في أماكن لم تكن تحت سيطرتها من قبل , بدء من الذراع , الى التفاف الساعد ,مرورا بنقرة القفا, ثم ما بين, وبين أماكن حساسة في الجسد.

والحقيقة أن خجلي كان يتعاظم كلما صافحت صديقا, ليس لآن وباء"الجرب" رديف للجهل والأمية وشروط تنشئة سليمة فحسب, بل لأنه أيضا ,سوء الحظ ,الذي طوح بي كمعلم بئيس في فضاء موغل في العزلة, وبعيدا عن كل ما هو حضري.

كنت امشي بين حقول القمح الناضج وحيدا , وأقول بصوت مسموع

"انه قدرك ياعزوز…وعليك أن تتعامل مع الظرف بواقعية"

لكن, أي واقعية؟..هل اطرد القسم الجربان الكحيان كله , واقعد وحيدا هنا في هذا الفراغ الذي لا عمق له؟

أم انتظر نهاية الشهر, حتى اقتني حاجزا زجاجيا يفصل بيني وبين هؤلاء الشياطين الجرب الصفر ؟

وبدا لي في النهاية أن السلاح الوحيد هو السذاجة,

لدي إحساس بأنني استطيع أن أكون ساذجا, وذو نية, …وماذا بعد اللي ليها ليها..

وتساءلت:

أليس المعتوه وحده يصدق أن داء الجرب, أو لعنة القرع, ينتقلان عبر الأغلفة الخاصة بدفاتر التمارين الكتابية..؟

هههاها وتابعت في كسل:

"السيدا" ومرض فقدان المناعة المكتسبة اخطر مرض في العالم, لا ينتقل عبر اليد ,أو باستعمال الفوطة, أوتناول الكتاب ’ فلماذا الياس إذن..؟..سأصافح التلاميذ أثناء الدخول واحدا واحد…سأهمس لهم في أذانهم , إنني معلمهم ..عملي الذي يضمن لي حياة وخبزا وأملا..أحبهم رغم كل العاهات , والخواءات التي يمتلئ بها مدشرهم…في النهاية الذنب ليس ذنبهم…

استسلمت لقدري بكل ما أوتيت من نباهة وعدم اكتراث, وسارت الأمور على هذا النحو, الى أن لاحظت السيدة ذات زوال كئيب , منطقة صغيرة منزوعة الشعر في مؤخرة راسي..هتفت بسخريتها المعهودة

"أشرفتي ياعزوز"…

وبعد أن تفحصت الموقع بعين شوافة, تابعت قائلة: ما علينا ..شفرة حلاقة..مع قليل من حبيبات تبغ الطابا..تفليحات ..مسيلات دماء خفيفة..وينتهي الأمر..

ليس مشكلا..فعندما يتسخ المحيط لا بد أن نشرب نصيبنا من واقع تعفنه..

قلت لنفسي:

انه قدرك ياعزوز..تعايش معه..كل سنة تضاف نقطتين الى القائمة…وبعد 12 سنة سيأتي الفرج..وتنتقل الى مدرسة بالمدينة.بفاس العالمة…هذا سيحصل بالتأكيد , مادام الأمر يتعلق بالنقط…لكن..

اثبت الأسبوع الأول من العلاج,باستعمال وصفة "رشيدة" المضادة للتو نيا, تقدما ملحوظا حسب تقديرها.أما بالنسبة لي و تبعا لملاحظاتي فقد صار الجزء الصغير امس , رقعة منزوعة الشعر اليوم , تتسع بؤرها شيئا فشيئا..

والحقيقة أن جزءا كبيرا من اهتماماتي ومشاغلي, ظل حتى عهد قريب , منصبا على مراقبة دقيقة, ومزعجة لتطورات الوضع على الجبهتين, جبهة الجرب , والجبهة التونية..تنظيف وتطهيرمتواصلين , لعبت فيهما المرآة العاكسة, دور البطولة..

ومع كل ذلك الحرص وعدم الاكتراث, بات قطر الرقعة يتسع بنشاط مطرد .وحبيبات الجربة تنتشر دونما مقاومة..

ذات مساء كئيب سماؤه سوداء لا تسخو بقطرة ماء صرخت ملء صوتي وأنا امسك عمر من إذنيه:

" ماذا يجني المرء من وراء نسلكم..هيه..؟

ثم دمدمت مصعوقا موجها كلامي ناحية مصطفى:

"راسي علاه الشيب, وجسدي أحكمت فيالق الجرب السيطرة على كل معابره وتخومه؟؟؟؟؟….أما الانتقال …فبعد عمر طوييييييييييل.

عزيز باكوش

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

  1. عبد العزيز قريش
    07/09/2006 at 21:16

    تحية لأستاذي الجليل عزيز باكوش مع الدعاء له بوافر الصحة والعافية وطول الصبر على جربه وتونيته. فيا أخي تذكرني بخوالي أيامي يوم كنت معلما بإقليم بولمان وكنت أرى الانتقال كما تراه حلما لا واقعا، ومصطلحا يداعب آمالي. ومازلت أراه الآن كما كنت أراه في بولمان؛ حيث حركتنا استثنائية بعدما بح صوت الهيئة وبعد نضال طويل ومرير، وما هي بحركة! وإنما إعادة انتشار. يستفز الأسئلة للظهور. فكذلك حركة هيئة التدريس؛ كل سنة نغمة من المذكرات التي يظل الحظ سيدها لا المنطق ولا الأداء ولا الجودة ولا الجد ولا…
    أخي الكريم عندما يكون المجتمع مجتمع مؤسسات بمعنى سيادة القانون والمصلحة العامة وتكافؤ الفرص و… ، وعندما تكون لنا نقابات في مستوى النقابات الجادة التي تستهدف حماية مصالح منخريطها من عبثية الوجود المنبثقة من الصدأ الفكري؛ حينها يصبح الحلم حقيقة. أعانك الله على المعاناة، خاصة معاناة الفكر… وصبر جميل في ظل دم قميص يوسف عليه السلام.

  2. عزيز باكوش
    12/09/2006 at 21:27

    الاستاذ الجليل عبد العزيز قريش
    تحية ابداعية خارج الانتماءات
    مقالاتك تطالعني ايها الرائع اينما حللت وارتحلت في ربوع النت
    واصل القك وتوهجد
    انتصر للكونية وانت في ضيافة الهيئة
    لدي ثقة كبيرة بانك من الطينة نفسها
    وددت لو عرفتك بنفسي في هذه الورقة وعبر وجدة سيتي « المتفردة » في سياقها وتجاوبها الفوري مع معظم كتاباتنا بشكل لا نراه احيانا حتى في جرائدنا الوطنية..
    تحية لطاقم وجدة سيتي المميز والمتفرد

    عزيز باكوش/العزيز عبد العزيز قريش
    لقراءة بقية المقالة ارجو النقر على الرابط التالي:

    أن اعجبك المقال فنرجوا اعادةارسال هذا الايميل الى معارفك ان وددت
    مقالات اخرى للكاتب:
    link to rezgar.com
    ان استلمت هذا الايميل بشكل غير مباشر, او خطأ, دون طلب منك, واردت استلام مثله بشكل منتظم فيرجى ارسال ايميل بذلك الى:
    azziz_bakouch@yahoo.fr
    في حالة الرغبة بالتوقف عن استلام ايميلات الاعلان عن مقالاتي يرجى ارسال ايميل بذلك ايضا
    مع التقدير
    عزيز باكوش
    إذا وصلتك هذه النشرة دون طلب منك فأرجو قبول اعتذارنا

  3. عزيز باكوش
    12/09/2006 at 21:28

    الى العزيز عبد العزيز
    ورقة تعريفية
    عزوز/عزيز باكوش
    مدرس اساسي/مدرسة سيبويه التابعة لنيابة فاس المدينة
    ناشط سياسي في صفوف الاتحاد الاشتراكي منذ79
    ناشط في الفدرالية الدمقراطية للشغل
    مراسل صحافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي/معتمد
    مراسل جريدة صوت الناس/معتمد
    مراسل وعضو تحرير جردة صدى فاس
    مراصل جريدة « بصراحة »
    متعاون مع جرائد الكترونية عربية وعالمية/ على راسها وجدة سيتي/ دروب/الحوار المتمدن/ الجريدة/ الصحيفة..
    في سبيل الختم
    اقرا كل ما تبدعه انامل اخي عبد العزيز واثمن مشواره النضالي الرائع

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *