Home»National»إلى الوعي النقابي المغربي

إلى الوعي النقابي المغربي

0
Shares
PinterestGoogle+

إلى الوعي النقابي المغربي
تاريخ الفعل النقابي للشغيلة المغربية يحفل بالمحطات التاريخية المشرقة، التي أسس فيها الرعيل الأول أنموذجا يقتدى به في تحرير البلد من الاستعمار ومن السيطرة الخارجية على ثروات الوطن، بل ووضع الوطن على مداخل دولة الحداثة والقانون والديمقراطية، وشارك في تطوير البنى الأساسية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والتربوية للمجتمع المغربي. غير أنه في لحظة ما تحول من ذلك الأنموذج الرائع إلى أنموذج في الاتجاه المعاكس. اكتشف فيه المناضلون أن الفعل النقابي عدل عن مساره الحقيقي نحو ذاتية إيديولوجية وسياسية ومصالحية راديكالية قدسية، تؤمن بالذات حد المقدس الذي يلغي الآخر بقدسيته ومراوغاته وتحالفاته. فخلق هذا الأنموذج لنفسه قاموسا لغويا خاصا لا يعرف ألفاظه ومصطلحاته ومفاهيمه ومداخيله إلا من آمن بقدسية الموجود الجامع المانع لكل الذوات في ذاته. ومن ثمة فهم المناضلون المؤسسون أن الفعل النقابي استخدم قوة فعل من أجل تلبية مطامح سياسية ضيقة بالدرجة الأولى بدل فعل اجتماعي واقتصادي وثقافي وتربوي أسس للتغيير في المجتمع وتفاعل مع آماله وأوطاره وأهدافه. وعليه أن يبقى في موقعه كشريك فاعل في الحراك الاجتماعي يؤمن بدوره الاستراتيجي وبقيمه وأخلاقياته ومبادئه وغاياته، ويؤمن مصالح الشغيلة المغربية ويراكمها ويطورها بل يجددها! حتى صار هؤلاء أنفسهم يسكتون ويبررون بل ويدافعون عن مواقع الآخر دفاع التابع للمتبوع لا دفاع المحامي عن المتهم.

مما صعب وضعيتهم أمام الرأي العام، فأدى ببعضهم إلى العزوف عن العمل النقابي، والانزواء حسرة على ما آل إليه تحت أنظارهم وسمعهم. ومنهم من كابر وعاند حتى جاءه المآل المحتوم بانقلاب أبيض أو بضغينة حاسدة أو بطموح جامح أو بكواليس كثيرة سكاكينها، طعنت في جسده مضغة الحياة، فأردته ذكرى بعد حين! وشهرت به بعد عطاء سنين!…

وما كان للعمل النقابي أن يؤول إلى هذا المنزلق الخطير لولا التبعية لهذا أو ذاك، ولولا التخندق هنا أو هناك، ولولا التوظيف المجاني في قضايا لا تمت لقضايا الشغيلة المغربية في شيء، كتحويل بعض مناضلي الأمس إلى أرباب الرأسمالية الجدد اليوم! أو تحويل التأميم والتعميم إلى الخوصصة والتخصيص! أو تحويل فقراء الأمس إلى أغنياء اليوم على حساب قضايا الشغيلة التي زادت استفحالا وتجذرا مع وجود الفعل النقابي.!؟ أو تبخيس مثقفي البارحة بمثقفي المقاعد الأمامية اليوم! وتحجيم دور الثقافة في صنع الأجيال وبناء الأوطان. فغدت مسامير الكراسي تؤذي كل جالس متحسس لمكان الجلوس!؟ فأصبح معه التساؤل عن جدوى الفعل النقابي مشروعا ومسوغا. إذا لم يقم بدوره الرئيس في رفع المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والتنموي للعباد والبلاد ؟ فما أهميته؟ وما أهمية فعل نقابي تزداد الحالة المعيشية معه غلاء وتدهورا والحقوق هضما وانتهاكا؟ فصار دوره إلى منظمات المجتمع المدني وتخلى عن واجباته! وصار من كان يدافع عن الحقوق البارحة ينتهكها اليوم؟
وبناء على هذا الواقع المعيش المتردي؛ وبحكم المنطق وقانون الوجود، يجب أن يكون الفعل النقابي فعلا فاعلا أو لا يكون. وأما نصف الوجود ونصف الفعل فغير مقبول على الإطلاق في علم الموجودات والأفعال الحقة. نعم نصف الوجود موجود في قسم الإنعاش بالمستشفيات، وتلك حالات ندعو الله تعالى أن يشفي أهلها ويعافيهم بقدرته ورحمته لأنهم لا يد لهم في حالتهم كما هي يد الفعل النقابي اليوم في صنع الامتيازات والفوارق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية،إلى أن بتنا أمام فعل نقابي يكرس فكر المنحة والعطاء والاستعطاف بين قمته وقاعدته!؟ ويستجلب كل ماسحي الأحذية للتلميع والنفاق الاجتماعي؟!
والمتمعن في هذا الوضع، المنخرط فيه قراءة أو مقاربة أو تصحيحا أو مشاركة أو تبريرا أو مصلحة، لا يمكنه الاستمرار في موضعه دون أن يستفزه المشهد البئيس، ويحرك فيه الدواخل الناطقة بجملة تساؤلات حول الماهية والفعل وجدوى الفعل؟ وفي أبسط الأجوبة عنها، يمكن الرد بسؤال عميق في الطرح، لا يهتم به عابر سبيل بالفعل النقابي أو صاحب مصلحة آنية بل يغور في أعماق صاحب قضية. من يحمل هم التغيير المجتمعي من خلال حمل هم الفعل النقابي! وما أثقل حمل هذا الهم في ظل تقلب قيمه وأهدافه ووسائله وطرقه بل تغير مرجعياته ومواقعه. وهو سؤال موقع المناضل أو المنخرط في الفعل النقابي؟. سؤال شرعي يطرح نفسه بإلحاح ضمن سيرورة فعل نقابي بات اليوم يقف ضد مبادئه و أبجدياته وقيمه، حتى أصبح مطية شطحات فلكلورية تفيد بأنه ضرب لمصالح الشغيلة ومصالح الطبقة العاملة ومضيعة لحقوق البلاد والعباد في انقلاب مكشوف على ذاته مع تواطؤ بينه وبين السياسي ضد نفسه ! وأنه مبتغى راحة أو مزايدة على نفسه من خلال نفسه؟! وأمسى الجميع يلمس لون التبرير من خلال لون التدبير، ولو كانت الشمس محرقة في كبد السماء، والغربال عاجز عن حجب لفح أشعتها لأجساد المكتوين بقرارات التسيير! وأمسى الساكت البارحة ثرثار اليوم، يثير ما كان ساكتا عليه أيام كان لونه سائدا على الألوان متحكما في مزجها وتوظيفها.

وبقدرة قادر تحول إلى الضفة الأخرى بدرجة 180 مدافعا منافحا عن مصالح الشغيلة تاركا مكانه للون الجديد يلعب لعبة الأمس، وكأني به لم يكن يوما ما في قلب سلطة القرار؟! وهو هنا يصدق بكل خواتمه المفتوحة والمغلقة على إثارة سؤال موقع ودور المناضل النقابي أو المنخرط المتحمس في الفعل النقابي؟ والجواب عن هذا السؤال يحيل على أسئلة فرعية لامحالة أنها تسائل:
ـ ما النقابة؟ هل هي أنا أم الآخر أم المؤسسة؟
ـ ما موقعي فيها ومنها؟
ـ ما دوري فيها؟
ـ هل تعبر عني كموجود فعلي من مكوناتها؟ أم تعبر عن الآخر من خلالي؟
ـ هل تعبر عن ذاتها كمؤسسة أو كشخص وأشخاص؟
ـ ما مدى حضور أبجديات الوجود من مرجعية وماهية وذات ووظيفة؟ وإلى أي حد تلتزم بأبجديات الديمقراطية والشفافية والشمول والتوازن والأخلاق؟ وإلى أي حد تحترم نظامها وقوانينها المنظمة لها؟ وإلى أي حد تحترم المصالح العامة لمكوناتها في إطار من التوازنات الداخلية، التي تقلص من الفوارق الطبقية؟
ـ في حالة اختلالها ما دوري في تصحيحها ؟ وكيف أصحح؟ وما إضافتي النوعية فيها من خلال أجهزتها التدبيرية؟
ـ كيف أقومها وكيف أحاسبها؟ وأغيرها من الداخل؟ أو أتخلى عنها حينما تطغى رذائلها على قوة فعلي وتحبط تدخلات تصحيحي؟
ـ ….
أسئلة تنبئ عن وعي الفرد بنقابته بل تفصح عن وعي الشغيلة المغربية بالعمل النقابي ودورها فيه. فإذا وجدت الاختلال يتكرر المليون مرة ويعاد إنتاجه؛ فاعلم أن الوعي مازال لم يع بعد ماهية الوعي أو أنه وعي يلامس السطح كالضرير. وهو وعي لا يرقى إلى إحداث التغيير في الفعل النقابي وفي المجتمع، ولا يرقى حتى إلى استجلاب مصالح الشغيلة وفق المبتغى والمأمول.

فهو عاجز عن ذلك يبرر فشله بتحقيق الحد الأدنى من المصالح في الحالة القصوى مع سوق تبريرات طفولية تسطح المعنى وتقتل الموضوعية وتشتت الدلالة بل تضبب الرؤية،. بل تراه يرفع شعارات أكبر منه مغلفة بهمرجة تلقي السحاب الداكن حول تحقيقها وكسب رهاناتها! وتراه يسخر الأبواق الاحتفالية التي تشهد العالم على غباوة تياراتها الهوائية القاذفة بالقذى في عيون الآخرين وأسماعهم. فتحدث ارتجاجات في طبل الأذن وبؤبؤ العين لينتقلا إلى مرحلة التطبيب من علل العمل النقابي. والتطبيب أولا يتطلب تشخيص المرض ثم وصف الدواء ثم العلاج به والختام بالنقاهة.
والتشخيص يفيد التساؤل:
ـ عن ماهية الفعل النقابي؟ أهو فعل مؤسساتي أم شخصاني؟ إذا وجدته يكولس ويتقولب داخليا على حساب النظام المؤسس والداخلي للمنظمة، وعلى حساب الكفاءة والمهنية والاحترافية؛ فاعلم أنك خادم من خدام المكولس والمقولب له، وأنك الموكلس والمقولب عليه. دائما في عرف هذا النوع من العمل النقابي موقعك التصويت للآخر وخدمته والتقرب منه في رداء مجاملة اجتماعية مفادها  » النعمس » إذا أردت تحقيق ذاتك في نقابتك! فضلا عن كونك بوق يوظف متى شاء الآخر باسم التنظيم النقابي…
ـ عن الحكامة الداخلية؟ أهي جماعية أم فردية وفق النظام والقوانين والتشريعات الخاصة بالعمل النقابي والأسس المتعارف عليها من ديمقراطية وشفافية ووضوح وتصويت وحوار … ؟ وضمن الأطر والمرجعيات الأساسية للتنظيم المتفق عليها في المؤتمر التأسيسي أم خارجها؟ فإذا وجدت القائد مسيطرا محكما رأيه ورؤيته، ضاربا بكل الأنظمة والقوانين والتشريعات عرض الحائط، مفعلا لذاته ولزبانيته وحاشيته وكولسته وقولبته، لاغيا من لا يتحرك في فلكه؛ فاسأل ما قيمة وجودك في هذا التنظيم النقابي؟ وأنه، سيظل وجودك يساوي صفرا عنده.
ـ عن كيفية اتخاذ القرارات الحاسمة والمصيرية؟ إذا وجدت القرارات الحاسمة والمصيرية تبنى بطريقة أفقية بمعنى من القاعدة إلى القمة، بما يفيد أن القاعدة هي سيدة اتخاذ هذه القرارات، فاعلم أنك موجود في تنظيمك النقابي.

أما إذا كانت القمة تقرر بدل القاعدة! فاسأل عن مدى أهمية وجود القاعدة وعن دورها في التنظيم؟ أهي قوة اقتراحية ذات سلطة في اتخاذ هذه النوعية من القرارات أم هي كم مهمل يفيد فقط في أداء ثمن البطاقات النقابية أي مورد مالي للتنظيم النقابي ومورد صوتي في الانتخابات وجلب المصالح الخاصة! فأنت إذن بقرة حلوب كل سنة، وبقرة حلوب موسمية، تحتاط بالبطاقة من دوائر الزمن ومن لسعات الإدارة التي تنتمي إليها. وهو احتياط سلبي لن يزيد الفعل النقابي إلا إفلاسا وضعفا!…
ـ عن حضور المصالح العامة للمناضلين والمنخرطين؟ أهي فوق أية مصلحة شخصية لهذا أو ذاك أم هي الضحية والمستفيد مصلحة هذا أو ذاك؟ فإذا وجدت مصالح العباد فوق مصالح المدبرين والمسيرين والحكاميين، فاعلم أنك في قلب المصلحة العامة. أما إذا وجدت كل المصالح الفردية والشخصية قائمة في التنظيم النقابي، والغائب عنه وفيه المصلحة العامة ، فاعلم أنك في لب المنفعة الشخصية القحة النقية الصافية، لن تخدمك إلا بعد خدمة نفسها من خلال خدمتك، فأنت مخدوم وخادم في نفس الوقت، فأنت مخدوم من خلال خدمتك لخدمتها! وخادم لأنك خدمت خدمتها بانتمائك لهكذا تنظيم نقابي! فبك تتقوى لخدمة خدمتها! ولكن أقر بأنها تشي لك بأنها تخدمك كلما اقتربت انتخابات اللجان الثنائية، فتثير فيك الحمية النقابية بقيادك نحو ملفات تسكت عنها طويلا لتخرجها أوراقا انتخابية في حينها، وتشحنك بالشعارات والوعود والمواقف لتشارك في لحظة احتفالية تحمل مزمارا أو طبلا أو نايا أو آلة طرب، لتعزف معها سيمفونية النضال والاستماتة في النضال من أجل الحقوق. وهي عاقة لحقوقك منذ زمن بعيد! فتجد نفسك من المدافعين على المصالح الشخصية دون أن تعي دورك في تأجيج المنفعة الذاتية في تنظيمك النقابي!

وكثيرا ما وجدنا الفعل النقابي يطبل ويهلل للإدارة ويبجلها إلى حد ضرب العمل النقابي في مقتل، ثم يأتي نفس العمل النقابي ويستنكر ويشجب نفس الإدارة المهلل لها والمبجل بها؟! أهي المصلحة الخاصة أو العامة تتكلم حينها؟ أم زاي ونون ودال وتاء مربوطة تتكلم!؟ فكيف يبقى للعمل النقابي في هذه الحالة من قيمة تداولية تذكر؟ هنا السؤال يلح عليك: ما موقعك في هذه الاحتفالية؟ وما الواجب عليك فعله؟
ـ عن وعيي بوجودي وفعلي في العمل النقابي؟ إذا وجدت نفسي أشارك في تدبير شؤون تنظيمي النقابي وأستشار فيما يهمني، فإني، يمكن أن أقول أنا موجود وفاعل في تنظيمي النقابي بينما إذا وجدت نفسي على الهامش كما هو إطار التفتيش في نقابات لا تشير ولا تتبنى قضايا التفتيش رغم وجود مفتشين فيها، ولا تشير إليها ولو عرضا في بياناتها ولا تدافع عنها، فأعلم أني غير موجود وغير فاعل في تنظيمي النقابي، مما يطلب مراجعة ذاتي وقناعاتي بذلك التنظيم النقابي، من خلال طرح جملة أسئلة منها على سبيل المثال:
ـ ما قيمة وجودي في هذا التنظيم وأنا على هامشه؟
ـ أليس من السخرية أن ألغي ذاتي بالانتماء إلى هكذا تنظيم؟
ـ ما عسى هذا التنظيم أن يضيفه إلى إطاري وأنا على الهامش؟
ـ ألا أشكل ظاهرة غباوة وبلادة بانتمائي إلى هذا التنظيم الذي أحالني على الإهمال؟
ـ ألا يستفزني هذا الانتماء من حيث إحراج إطاري الذي أنتمي إليه باعتباري ورقة تصديق على تنظيم نقابي لا أهمه؛ بل يهمه أن يكون المفتش بينه للتأثيث فقط؟
ـ ألا يتبادر إلى ذهني، كيف ينظر لي الآخر الذي أأثث مشهده بي؟
أسئلة الوجود هذه، تشرع لكثير من المهملين لحقوق هيئة التفتيش ولإطاره أن يصفوها بأبشع الأوصاف. وبعضها يلهث وراءهم كأن إطاره لا يملك نقابته المستقلة، التنظيم الذي يجب أن نجعله تاجا فوقا رؤوسنا لما أسداه ويسديه لإطارنا من خدمات جليلة لقضايانا؟ وما يعرف هذه الحقيقة إلا فطاحل الرجال والنساء المتمرسين في العمل النقابي!
ـ من أجل تحصين انتمائي النقابي؟
المناضل النقابي ومعه قواعده هو الذي يحصن انتماءه النقابي بجملة مداخل ليس التفصيل فيها واردا هنا، وإنما لبها هو سؤال موقع وجوده في التنظيم؟ وسؤال مأسسة تنظيمه النقابي دون كولسة ولا قولبة؟ وسؤال حضور قضاياه في فكر وجدول أعمال تنظيمه النقابي؟ فإذا كان الجواب بالنفي، فعليه مراجعة نفسه، وإلا فليبحث عن نفسه وذاته بين ركام من المهملات!
والتحصين القوي، بعد تلك الأسئلة يكون بالحضور الفاعل أيا كان موقع وجوده. داخل الأجهزة التدبيرية أم خارجها. وبالإيمان بالمرجعية النقابية لتنظيمه والدفاع عنها، و الدفاع عن مأسسة تنظيمه النقابي وتصحيح الأخطاء والجهر بها، بل الذهاب إلى محاسبة كل من يخالف المأسسة ويضر بمصداقية التنظيم وسمعته ويشوهه…
ـ من أجل مراجعة وتصحيح العمل النقابي؟
لم يعد خاف عن أحد نكصان العمل النقابي المغربي، وضبابية واقعه الذي أحالنا في كثير من المحطات إلى فقدان الثقة في مصداقيته وفي أدائه. فوجدنا قضايا محقة وحقيقية وموضوعية يختلف العمل النقابي من حولها وعليها! وكأنها قضايا نظرية أو إيديولوجية أو فكرية خلافية لا مشاكل حقيقية موضوعية ومعيشة! وهذا الواقع الذي نعيشه مع العمل النقابي يحيلنا في سياق انتخابات اللجن الثنائية أن نحاسبه إن كانا نقابيين وقواعد تؤمن بتنظيماتها النقابية وبقضاياها وبشرف وأخلاق ومأسسة العمل النقابي. وأن تقطع مع أمراضه وعلله وسرطانه، لأن المحاسبة من خلال تقويم وتقييم التنظيم النقابي كمؤسسة أولا ثم كأفراد وقيادات ثانيا لا تترك مجالا مستقبلا لإنعاش الأمراض وإيجاد منابت لها.
والمحاسبة تكون بالتصويت على المؤسسة النقابية المسئولة والجادة والمؤمنة بقضايا أطرها المنتمية إليها وبعمالها وشغيلتها لا بقضايا خاصتها من مدبرين وأصحاب وغيرهم. والتي تصحح الوضع الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والفكري والتربوي والسياسي للمجتمع وتساهم بجانب باقي المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في رفع قاطرة التنمية في هذا البلد. والمحاسبة تقتضي البحث عن التنظيمات ذات المواصفات المؤسساتية الجيدة التي يمكن أن تصغي لمكوناتها على قدم المساواة دون قبول التمييز بينهم. حتى وجدنا فيما وجدناه الآن؛ الإطار الواحد فيه أصناف لا تعد ولا تحصى من التمايزات والتمييزات رغم أنه إطار يمارس نفس المهمة والعمل! ووجدنا التنظيمات النقابية تصادق على منطق تفتيت وحدة العمل النقابي من داخله بتصديق النقابات على امتيازات فئوية لصالح فئة دون أخرى. ولنا أمثلة في ذلك عديدة؛ تجعل إطارا في رتبة دونية في مقابل آخر وتتكرم على الإطار السيد وتجحف الإطار الدوني، ورغم ذلك تبرر كل هذه المأساة بالمكتسب؟ وتدافع عنه؟! وتتعامل مع قواعدها وكأن عقلها الجماعي في ثلاجة؟
وبكل صراحة يجب الآن وقبل أي وقت مضى أن تحاسب الشغيلة تنظيماتها النقابية لأجل التصحيح ورد الاعتبار للعمل النقابي، ومصداقية تداوله. وإلا فإن العمل النقابي ستزيد معضلته استفحالا وأعراضه عمقا، ويصل إلى حافة الإفلاس. وما دمنا ننشد التقدم الحضاري والإنساني مدعما بكل قيم الحداثة والمواطنة والوطنية وقدسية العمل ومأسسة التنظيمات على اختلافها لابد من مراجعة للفعل النقابي مؤسسة ووظيفة وأداء.

إذا أردنا فعلا أن نكون قدر المسئوليات الملقاة على عاتق الشغيلة في إحداث التغيير المجتمعي المنشود.
ـ من واقع مأساة العمل النقابي؟
هي مأساة الفعل النقابي كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يجري في الساحة مع هيئة التفتيش، حيث التنظيمات النقابية لا تعيره أي اهتمام ولا تتعاطى مع قضاياه ولا تطرحها على جداول أعمالها إلا بمناسبة ما أو لغرض تريد قضاءه. وبذلك نسجل وبكل صراحة أن عزوفا عن تبني قضايا هذه الهيئة واقع في الفعل النقابي خلا نقابة مفتشي التعليم بطبيعة فئويتها وبطبيعة تخصصها التي تدافع عن قضايا هذا الإطار، في حين لم تخل التنظيمات النقابية الأخرى من إخوة مفتشين ينتمون إليها. ورغم ذلك لا تتعاطى مع قضاياهم كإطار وهيئة، وإنما تتعاطى معها كحالات وفي حدود ضيقة وتحت الطلب الملح! مما يوجب على أولئك الزملاء محاسبة تنظيماتهم على تفريطها في قضايا هيئة التفتيش. وهنا أشير عليهم بقراءة بيانات نقاباتهم هل فيها حتى رائحة كلمة مفتش؟ إن لم تكن بيانات احتجاج على ظاهرة هنا أو هناك؟
ومن منطلق آخر، كيف لتنظيم نقابي يحترم نفسه، وهولا يتبنى قضايا هيئة التفتيش أن يسعى إلى استقطاب زبائن من المفتشين في حيل من الدعاية الرخيصة ومن التوهيم بالتنسيق مع نقابة مفتشي التعليم؟ وكيف لبعضنا يسمح للآخر وهو لا يتبنى قضاياه أن يؤثث به لوائحه الانتخابية؟ وفي الواقع لا أجد إلا وعي هيئة التفتيش وما يفترض فيها من ثقافة عالية ومن ذكاء فطن، ومن لياقة أخلاقية ومن تقدير للمصلحة العامة بدل بعض الحسابات الضيقة … أخاطبه بالحذر من حبائل المكر النقابي المتداول هذه الأيام. وهنا أشير من باب الدعابة الحقيقية أني كنت في يوم دراسي، فإذا بأخ مفتش نزع عنه رداء المفتش ليتكلم برداء نقابته ـ التي لو كنت مكانه لن أنخرط فيها ولا يشرفني ذلك البتة، وهي التي تسقط المفتش من جداول أعمالها. وأتحداه أن يدلي ببيان يتبنى تنظيمه النقابي قضايا هيئته ـ للاحتجاج على ترتيب نقابته فيها ويهدد بتغيير نمط المعاملة مع الجهة المنظمة لليوم الدراسي، رغم أن تلك الجهة أنصفته في الترتيب وفق المقاعد المحصل عليها في اللجن الثنائية. لكن أقول نعم رداؤه الذي لم يمكنه هو من تمثيل نقابته وأوكل ذلك لغيره لأن الغير هو السائد فيها دونه.

ولقد بوأه تنظيمه النقابي الموقع الذي يستحق، لأن الوعي ثروة لا تقدر بثمن، من بلغه لن ينخرط في التصويت على المرشحين دون مساءلة واقع الفعل النقابي ومساءلة التنظيمات النقابية: ماذا فعلت؟ وكيف فعلت؟ ولماذا فعلت؟ وما الوجود؟ وما نوعيته؟ وما قيمته؟ وما دوره؟
وأعتقد، بأن ألفية المعرفة تتطلب المعرفة الحقة، لكي يكون الموجود موجودا، وأن زمن الكولسة والقولبة ولى، ليحل محله زمن الكفاءة والمأسسة والأداء الصادق والحر والمستقل عن الحسابات الضيقة والمساءلة والمحاسبة. وأعتقد بأن وعي الشغيلة عامة وهيئة التفتيش خاصة أوعى بأن يكون صوته شهادة حق على الكفاءة لا صوت تكريس للأمراض والعلل التي يحاربها العمل النقابي الشريف، الذي ضحى بالنفس من أجل بناء ذات سليمة معافاة من السقم. فهل نكون بقدر أولئك التيجان واللآلئ التي علت رؤوسنا وشرفتنا بأدائها ونضالها، أم تبق رؤوسنا تحت طرابيش مهلهلة متقادمة وربما تعلوها الرقع والأوساخ . إما عمل نقابي باني للمغرب، مشارك في تطويره وتقدمه وإما محاسبة تعيده فعلنا النقابي إلى وعيه ورشده. أما واقعنا الحالي فإنه يطلب العلاج حتى يكون هو ذاته قبل أن نكون معه وفيه. فإلى وعي الشغيلة أرفع مشرطا ودواء للتطبيب من عللي وسقمي لأنه هو الطبيب الحقيقي. فهل من طبيب يداوي هذا الجرح الغائر في جسدي؟ … بكل مودة وإخلاص للعمل النقابي المغربي الناقد لذاته قبل تطبيب الطبيب.
عبد العزيز قريش

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. عبد الحميد الرياحي
    14/04/2009 at 23:42

    ـحية إلى الأخ قريش:
    لقد بدأت الأمور تنجلي، والوعود تتبخر، والممارسات السابقة موضوعة في الميزان…
    ومن يدري: فقد يغلب وعي المسحوقين من موظفين وعمال ما يحاك حولهم من مغالطات.
    وإلى فرصة قريبة إن شاء الله.

  2. رشيد نجيب
    17/04/2009 at 14:50

    تحية طيبة لأستاذنا الكريم عبد العزيز قريش الذي عودنا في مجمل كتاباته الوقوف عند مختلف الإشكاليات التي تحد من تطور مجتمعنا وتطوره نحو الأفضل.
    لقد صدقتم بخصوص تحليلكم لوضع العمل النقابي بوطننا العزيز،وللأسف الشديد فإن ما ينطبق على العمل النقابي ينطبق على العمل السياسي، على العمل الجمعوي…وعلى…إلا من رحم ربك. فتضيع بذلك مصالح الأغلبية من المواطنين المسحوقين والمهمشين الذين يلعب معظمهم دور المريد بين هذا وذاك. والسبب في كل هذا يعود إلى عملية الضبط التي يخضع لها كل من العملين النقابي والسياسي وجعلهما مطية للوصول إلى هذا المنصب العالي أو ذاك:. لدرجة أصبح كل شيء مميعا بعدأن سقط القناع عن القناع، وسقط القناع…

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *