Home»National»الحرية المفترى عليها

الحرية المفترى عليها

0
Shares
PinterestGoogle+

الحرية المفترى عليها

عبدالمجيد بنمسعود

لم يسلط ظلم على قيمة من القيم الإنسانية في العصر المعاصر كما سلط على قيمة الحرية ومفهوم حقوق الإنسان. فباسم هذه ترتكب المناكر، وباسم ذاك تقترف أشنع المجازر.
إن الإرهاب الفكري الفظيع الذي مورس على مفهوم أو قيمة الحرية، هو من الشناعة بمكان. ولسنا بحاجة إلى جهد كبير أو ذكاء خارق لاستخلاص القاعدة العجيبة التي يرتكز عليها المتجردون للمرافعة عن قيمة الحرية أو قيمة حقوق الإنسان، وبينهما أواصر قوية وصلات حميمية.

فيكفي أن تقوم باستقراء لبعض الوقائع والأحداث في هذه الفترة المعاصرة التي نعايشها بأعصاب ثائرة وأفكار حائرة، لكي نضع أيدينا على تلك القاعدة التي يقول الشق الأول منها بكل وضوح، بأن من حقك أن تتمتع بحريتك كاملة، وبغير حدود ولا قيود، وأن تضرب بكلتي يديك في كل اتجاه، طالما كان ذلك مما يمزق ستارا من ستائر الدين، أو يقتحم مقدسا من مقدساته وثوابته، أو يمتهن رمزا من رموزه وشعارا من شعاراته، أو يدوس أحد شعبه ومكارمه. فما يلبث ما رق من بني جلدتنا أن ينزع ربقة الإيمان من عنقه ويتطاول على ميراث الأمة ورصيدها الحضاري، حتى يستقبل بالأحضان، وحتى تقوم قيامة الأساطيل الإعلامية ولا تقعد، تمخر عباب المشاعر والعقول، منافحة عن حقه المقدس في التعبير والتفكير. والأمثلة على ذلك من الوفرة بمكان على طول خارطة الوطن الإسلامي وعرضها. وما أمر نصر أبي زيد عنا ببعيد، فقد تطاول على حرمة القرآن الكريم، وعلى أحكام الشريعة الإسلامية، ولما قال القضاء المسلم فيه كلمته، ثارت ثائرة أنصار حرية التفكير والتعبير، ولم تهدأ. ولو التزمت بضوابط الحق والمنطق لصمتت، بل ولخجل أصحابها من أنفسهم لما اقترفوه من عظيم العسف والجور ضد قيمة الحرية نفسها، وقد زعموا الاستماتة في نصرتها والذود عن حياضها، وهم في ذلك كاذبون، أما الشق الثاني من القاعدة الملعونة، فهو الكفر بالحرية ومبادئها وطقوسها.
ومنذ عهد قريب تناهى إلى أسماعنا خبر احتجاج إحدى الدوائر الغربية المهيمنة على مراكز القرار، على عدم فسح المجال أمام إحدى النحل الضالة- وهي البهائية- لممارسة نشاطها داخل إحدى دول المغرب العربي، واعتبرت ذلك داخلا ضمن الدفاع عن حقوق الأقليات، مع العلم أن المنضوين تحت هذه النحلة لا يشكلون إلا عددا محدودا لا يكاد يذكر.
ولكي تكتمل صورة الهجمة الشرسة، والمخطط الرهيب الذي يستهدف الأمة الإسلامية في تميزها الحضاري وفي حقها في الاستقلال بنمطها العقدي الخاص، لابد أن نذكر أن ذلك المخطط يستند إلى قاعدة خلفية ممن اغتربوا عن الأمة، وانساقوا مع تيارات مضادة لمصالحها وسيادتها. فهؤلاء لم يفتأوا يمارسون عملية التفتيت في بنيان الأمة الفكري، من خلال دفاعهم عن كل ما رق يحمل معولا من معاول الهدم، أو يوجه قذيفة من قذائف الباطل إلى ذلك البنيان، عبر ما يطلقه من أباطيل وهرطقات، تتمثل في التطاول على الدين.

فالردة أصبحت تمثل عند ذلك الفصيل المتغرب، ممارسة لحرية التعبير، تكتسي كامل المشروعية، أما ما يترتب عن ذلك من إشاعة للفوضى وزرع البلبلة في أوساط الأمة التي مارسوا فيها ذلك العبث، فأمر لا يعيرونه أدنى حساب، وهذا ما يعطي البرهان الساطع على أن الغربيين، يستخدمون قيمة الحرية كسلاح مدمر ضد كياننا الحضاري. ولو تعلق الأمر بمناقشة هؤلاء بالأسلوب العلمي الهادئ الرصين، لاطلعوا- أو لذكروا على اعتبار أن الأمر من البديهيات – على الحقيقة القائلة بأن الحرية ليست إلا قيمة واحدة ضمن نسق القيم الذي يقوم عليه بنيان الحضارات ويضمن اطراده واستمراريته. فإذا تعارضت هذه القيمة مع قيمة أخرى لا تقل عنها وزنا كقيمة النظام، فينبغي أن تعطي الأولوية لقيمة النظام الذي يضمن للأمة مطلب التماسك والترابط. فحكم الإسلام الصادر في حق المرتد عن دينه بعد الاستتابة، هو قطع لدابر الفتنة، وحفاظ على الأمة في الوضع الصحيح، وضع القوة والمنعة واجتماع الشمل. ولكن الحقيقة التي أصبحت بادية لكل ذي عقل، هي أن هؤلاء الغربيين تحكمهم عقدة الصراع والعداء ضد الإسلام، فهم لا يستطيعون عنها فكاكا، وهي لذلك تعميهم حتى عن البديهيات التي يدافعون عنها بكل استماتة في كيانهم الداخلي، ولا يفرطون فيها أدنى تفريط

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *