Home»National»التربية الإسلامية بين مؤامرةاللغو ومحاولات الإلغاء

التربية الإسلامية بين مؤامرةاللغو ومحاولات الإلغاء

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على اشرف المرسلين

التربية الإسلامية بين مؤامرة اللغو ومحاولات الإلغاء

عبدالمجيد بنمسعود

إن الراصد لتاريخ تدريس مادة التربية الإسلامية بالمغرب، بإمكانه أن يخرج باستنتاج واضح، مفاده أن هذه المادة ظلت عبر ذلك التاريخ، تعاني من محنة شديدة الوطأة ، تتمثل بعض تجلياتها في:
– التضييق و التقتير عليها من حيث الحيز الزمني المتاح لها ضمن باقي مواد المنظومة التعليمة، و الذي لم يتجاوز سقف الحصتين في أحسن الأحوال.
– الاستهانة بشأنها و سوء تقدير قيمتها، من خلال المعامل البسيط المخصص لها، والذي لم يتجاوز » معامل2 ، الذي حظيت به التخصصات الأدبية دون العلمية في بعض الأحيان.
–الاستهتار بحقها الكامل في الأستاذ المختص أسوة بأخواتها، و على الأصح جاراتها اللائي تخالفنها في التصور و العقيدة و القيم في غالب الأحيان،و إسناد تدريسها في حالات شتى لغرباء عنها، لجهلهم بأبسط مبادئها و حقائقها.
–عدم احتساب نقطها في الامتحانات المقررة لمصير التلميذ إلى عهد قريب، و حرمانها من الصفة الوطنية،و الاكتفاء بجعلها في زمرة المواد الممتحن فيها جهويا.
إن مظاهر التهميش و الإقصاء الآنفة الذكر و غيرها مما هو في حكمها، تشكل في مجموعها تجسيدا سافرا لموقف اللغو إزاء مادة التربية الإسلامية. و أقصد بمفهوم اللغو هنا بعض ما يفيده قوله تعالى: » و قال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن و الغوا فيه لعلكم تغلبون » (فصلت:26 ) .

غير أن أبلغ تعبير عن ذلك اللغو- و إن كان يخفى على الكثيرين من غير المختصين- هو إكراه هذه المادة على أن تعيش وضعية الاغتراب وسط مجموع المواد الدراسية الأخرى،بحكم مشاكسة أغلب قيم تلك المواد، لنسق القيم التي تبثها.( أي مادة التربية الإسلامية.) و إذا كان أسلوب اللغو واحدا من الأساليب المنتهجة من الباطل إزاء الحق منذ القديم، فإن صيغه قد عرفت تطورا و تنوعا من خلال استثمار التطور التقني الهائل.
و إذا كان اللغو الذي ابتليت به مادة التربية الإسلامية يشكل في حد ذاته عنصر تشويش و إزعاج في طريق تحقيق أهدافها و بلوغ مقاصدها في تمنيع الأجيال و بناء « الشاكلة الثقافية » لديهم ،فإن جهات متنفذة مشبوهة ذات صلة بأجهزة القرار في منظومة التربية و التكوين، تريد أن تتجاوز مرحلة اللغو إلى مرحلة أعنف و أشد، هي مرحلة الإلغاء.وإن من يتدبر هذه الخطوة البالغة الجراءة، و هذا السعي الممعن في الاستهتار، يدرك إلى أي حد يمكن أن يذهب الجهل بحقيقة مجتمع من المجتمعات ، في الدفع ببعض الناس إلى المساس بسيادة ذلك المجتمع و كرامته و أمنه و سلامته، و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
إننا نقول لهؤلاء بصوت مرتفع جهير، من باب النصيحة و التذكير: إن غياب مادة التربية الإسلامية أو حضورها الباهت، غياب للحد الأدنى من العنصر الضامن للأمن الروحي و التوازن النفسي في شخصيات الناشئين، باعتبار ما تبثه تلك المادة من قيم حامية للفطرة ضابطة للسلوك، من قبيل الصدق و الوفاء و التسامح و الإخاء، و التعاون على البر و التقوى و الصبر و الإيثار و حب الخير للناس، و ما تمثله من حصن منيع ضد الابتذال و السقوط و إهدار الكرامة الإنسانية.و قبل ذلك و بعده ، ما توفره من شروط ربط هؤلاء بربهم العلي القدير، برباط الخشية التي تذكي لديهم جهاز الرقابة الكفيل بضبط السلوك و تصحيح السير، و هي –أي المادة- إلى كل ذلك، سر الوحدة و الانسجام ، و صمام الأمان ضد كل ما يمكن أن يعن من نزعات الفرقة و الانقسام، و من ثمة يمكن القول بكل يقين، بأن أي دعوة إلى المساس بمادة التربية الإسلامية بحذف أو تقليص، هي عدوان سافر على وحدة الأمة و تمزيق لشملها، و إتلاف لصمام أمنها و استقرار كيانها.

إن أي قارئ لمراسلة مديرية المناهج الخاصة بإعادة النظر في حصص المواد الدراسية في جميع الشعب و الأقطاب، لا يحتاج إلى كبير فطنة أو تفكير، للكشف عن كونها تحمل لغما و تبيت شرا يستهدف حضور مادة التربية الإسلامية في منظومة التربية و التكوين في المجتمع المغربي. فبمجرد قراءة تلك المراسلة، يطالعك فيها منطقها الإقصائي الذي لا يبغي برأس التربية الإسلامية بديلا.
فمن مكونات ذلك المنطق الغريب، أن هناك مواد تشكل قاسما مشتركا بالنسبة لجميع المسالك و الاختيارات التي تضمها منظومة التربية و التكوين، و لكن لا وجود لمادة التربية الإسلامية من بين تلك المواد . و مما لا ريب فيه أن كل عاقل حصيف، يدرك بأننا لو خيرنا بين الاستغناء عن بعض المواد المعتبرة قاسما مشتركا( كالفلسفة و المعلوميات و الرياضيات) و بين الاستغناء عن مادة التربية الإسلامية، لاقتضى الرشد منا أن نتنازل عن بعض تلك المواد، مقابل التمسك بمادة التربية الإسلامية، لأن ما يترتب عن التخلي عنها و التفريط فيها من مفسدة، لا يقاس عليه البتة ما ينجم عن التخلي عن تلك المواد من مثالب و عيوب. و هل يصح في الأذهان أن تسوى مفسدة محتملة بمفسدة محققة؟ إنه لا يضير خريج المدرسة المغربية- على مستوى الوجود و المصير- أن لا يكون متقنا لفن التفلسف و أساليب الحجاج، و لكن يضيره أيما ضرر ، على وجه الحتم و اليقين، أن يكون جاهلا بأصول التعامل مع الحق و مع الخلق ، مما لا يتأتى له تحصيله إلا عبر مادة التربية الإسلامية. و إذا تحدثنا بلغة المقاصد عند الشاطبي رحمه الله ، قلنا عن مادة التربية الإسلامية ترتبط بأعلى الضروريات أو الكليات الخمس، و هي كلية الدين التي قد يضحى في سبيل الحفاظ عليها ببعض باقي الكليات ، كالنفس و المال، بينما ترتبط الفلسفة- على ما لها من قدر في شحذ ملكة التفكير المنهجي لدى المتعلمين- بأمر يندرج تحت ما هو من قبيل الحاجي في أبعد الحدود.

نسوق هذه الحجة حتى على افتراض أن الفلسفة تملك ما لا تملكه مادة التربية الإسلامية، و على افتراض أن تتوفر من حيث مبناها النظري و من حيث قوامها المنهجي و الديداكتيكي، على ما يؤهلها لتحقيق المقصد المذكور. أما و أن الواقع ينفي الافتراض الأول في أغلب الأحوال، و ينفي الثاني على وجه الإطلاق، فإن منحى الموازنة و تقدير حجم المصلحة و حجم المفسدة، يقتضي استحضار معايير أخرى و محاذير أخرى على حد سواء. ذلك بأن مادة التربية الإسلامية، إذا ما أحسن توفير عدتها المنهاجية و الديداكتيكية ، من جهة، و أزيحت من طريقها المنغصات و العقبات، قادرة –بإذن الله- على بناء العقل و الوجدان ، و تأسيس  » الشاكلة الثقافية » و السلوكية لأجيال المتعلمين، لأن من سمات الدين الذي تعبر عنه التربية الإسلامية، الربانية و الشمول، فمنهج التربية الإسلامية يستهدف بالبناء كل جوانب الإنسان، ،من روح و جسم و عقل و وجدان ، و يرسخ موقع ابن آدم في هذا الكون و يتغلغل به في جميع الاتجاهات البانية على أساس الفاعلية و الإيجابية و التوازن و الواقعية، في مسار يحفظ وحدة الإنسان، و يدرأ عنها كل عوامل التفتت و الانقسام، و يهيئ لها كل شروط التفتح و النماء و الازدهار.
•حذف التربية الإسلامية أو تقليص حصصها تناقض صارخ و عدوان سافر:
إن حذف مادة التربية الإسلامية أو تقليص حصصها، يمثل من جهة، تناقضا صارخا مع مقتضيات المرتكز الأول » للميثاق الوطني للتربية و التكوين » و مقررات « الكتاب الأبيض ».
فالمرتكز الأول للميثاق، ينص على ترسيخ العقيدة الإسلامية في المتعلمين، و الكتاب الأبيض أقر لمادة التربية الإسلامية بحصص تشكل الحد الأدنى الذي لا يمكن النزول أو التنازل عنه، إذا أريد لمنظومة التربية و التكوين أن تنقذ ماء وجهها أمام شعب مسلم، تتغلغل الثقافة الإسلامية في عمقه التاريخي و الحضاري.

أما الوفاء لمطلب الترسيخ الذي وشح به صدر الميثاق ن فيظل من قبيل المحال في ظل الحصص الشحيحة للمادة ، و في ظل مناخ اللغو الذي يكتنفها و يحاصرها ، و يعمل على التقليل من ثمراتها و الحيلولة دون مقاصدها. ويكمن التناقض الصارخ في هذا السلوك الغريب و التحرك المريب، في أن المفروض بمقتضى سنن البناء الحضاري و التدافع بين الحق و الباطل، أن يتجه تطوير المنظومة التربوية ، لا إلى الحذف و التقليص من مادة التربية الإسلامية، و إنما إلى الزيادة فيها و تحسين أدائها و مردودها، و – أكثر من ذلك- إلى إنهاء مؤامرة اللغو المهيمنة، بإرساء دائم منهاج التربية الإسلامية في بعده الشامل. و آنئذ فقط، نكون أمام انعتاق فعلي لمنظومتنا التربوية، و ميلاد جديد لأمتنا، يجدد نسيجها، ويطلق طاقاتها من عقالها، و يحررها من عقدها.
و يمثل حذف مادة التربية الإسلامية أو التقليص من غلافها الزمني، من جهة أخرى، عدوانا
سافرا على حق الأجيال في تعلم مبادئ دينها و الخضوع لصياغة إسلامية ، تمكنها من
أن تشكل حلقة متينة و محكمة في الصيرورة الحضارية للأمة، كما يمثل ذلك الحذف
أو التقليص، عدوانا سافرا على الأمة ، لأنه يزج بها في أتون فتنة عمياء، و يقذف بها في
خضم متلاطم يبتلع طاقاتها الخلاقة المتمثلة في أجيال الشباب الذين تتنازعهم تيارات التفسخ و الانحراف ، أو يسقطون صرعى للفهوم الخاطئة الناتجة عن التعامل الفج مع الدين، لما يعوزه من مؤهلات الفهم و آليات الاستنباط و التنزيل، أو يقعون ضحايا لمحاولات الاستقطاب الممارسة من قبل جهات مجهولة الأصول مشبوهة الأهداف ، تشكل خطرا عل وحدة العقيدة و المذهب ، و صفاء الفهم للإسلام، و هي مكاسب يعتز بها المغاربة على مر العصور، و نعمة سابغة تفتقدها كثير من الشعوب، حتى في نطاق الدائرة الإسلامية.
إن ريح العولمة العقيم،لن يثبت في مهبها الضعفاء و المهزومون نفسيا و حضاريا، و إنما القادرون على الثبات و البقاء، بفضل ما يمتلكون من مقومات الممانعة و الصمود، التي لن تتأتى إلا بالبناء التربوي المتوازن الرصين، القائم على تشبع الأجيال الناشئة بقيم الإسلام الخالدة، و رؤيته العميقة للكون و الإنسان و الحياة.

إن الذين يتولون كبر فتنة الشعب بهذه الدعوات المشينة إلى إلغاء مادة التربية الإسلامية، قد لا يدور بخلدهم أنهم بصنيعهم ذلك، يعرضونه إما لإبادة حضارية، و إما إلى لحرب هوجاء، تستنزف الطاقات و تأتي على الأخضر و اليابس. و إنه لمن حق حراس الشعب و حماة ميراثه الحضاري، و من واجبهم المقدس في الآن نفسه، أن يضعوا حدا لهذا التلاعب و هذا العبث بمقدرات الأمة و مصيرها، بزحزحة هؤلاء المتلاعبين عن مواقع صناعة القرار، أو تهيئ شروطه و مقدماته. و إنه ما لم يحدث ذلك على وجه الاستعجال، و بالحزم و الصرامة اللازمين، ستظل منظومتنا التربوية رهينة المناوشات و المزايدات الرخيصة التي تلهي الشعب عن اختياراته الاستراتيجية و رهاناته الحيوية الكبرى.
إنه لمن الظلم الفظيع أن تتلقى مادة التربية الإسلامية الضربات و توضع في قفص الاتهام، تحت ذرائع مصطنعة و حجج ملفقة، توحي بها و تنفثها نفوس شريرة تمحضت للدفاع عن الباطل و منازعة الحق. و إنه من الظلم الفظيع أن لا تصان التربية الإسلامية عن العبث في أمة لم يقم لها كيان صلب، و لم تعرف وحدتها و مجدها إلا في ظل الإسلام. و إنه من تبلد الإحساس و انعدام الحياء، أن تقع الدعوة إلى حذف التربية الإسلامية أو تقليص حصصها في وقت يتعرض فيه المصحف الشريف إلى جريمة التدنيس و الامتهان من قبل القوى الشريرة و الهمجية في هذا العالم. لقد كان الأولى- كرد بليغ على هذا الاستهتار، و كتعبير عن الوفاء لحرمة المصحف و رسالة القرآن الكريم – أن تتحرك في الأمة الحمية و الغيرة، و أن تعانق ذلك الكتاب بحب و شغف، و تجعله جوهرا و مدارا، و محركا و منارا، لا لمنظومة التربية و التكوين في بلادنا فحسب، و لكن لنظام حياتنا الشامل، آنئذ و آنئذ فقط ، يمكنها الخروج من التيه، و أن تعود إلى ريادتها و شهودها كخير أمة أخرجت للناس.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. karim
    13/03/2009 at 14:05

    en tant ke prof de frçs t etais plus interessant mon cher prof

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *