نقابة مفتشي التعليم ومبادئها حقيقة الحقيقة
نقابة مفتشي التعليم ومبادئها
لقد جعلنا من مبادئنا في نقابة مفتشي التعليم الدفاع عن الحق، وإحقاق الحق من كل النواحي والجوانب، دون تمييز بين كل موظفي الدولة، والذي نراه أساس إصلاح المنظومة التربوية، ومن خلالها المجتمع. وعليه لا بد من توضيح مجموعة من الأمور التي هي عمق تفكيرنا وتدبيرنا، والمتعلقة بـ : الاستقلالية الوظيفية، تسمية « مفتش »، التعويضات.
الاستقلالية الوظيفية :
لقد أعطتنا تجربتنا الميدانية، وما نعيشه ونعايشه من تدمر وإحباطات لدى الأسرة التعليمية بكل فئاتها، نتيجة فقدانها الثقة في مصداقية الإدارة وخطابها؛ أن منبع الاختلالات التي تشوب المنظومة التربوية، ليست أصلا في الأطر التي تشتغل في الميدان من أساتذة ومديرين ومفتشين كما تطرح التقارير الرسمية، وأن الاختلالات الملاحظة ميدانيا عند كل هذه الفئات؛ هي نتائج التدبير السيء للإدارة على مستوى الموارد المالية والبشرية. حيث ينعدم العدل و الإنصاف، وينعدم احترام كل النصوص التشريعية والتنظيمية دون تمييز في تطبيق هذا وترك ذاك، أو تطبيق هذا هنا وتركه هناك. وإذا كان « راعيها عاميها » كما يقول المثل فكيف لمن يأتي بعده « لا يعمي لها العين الأخرى ». من هذا المنطلق ولمعايشتنا الدائمة لقبر التقارير التي يرفعها المفتشون في مجالات متعددة مرتبطة بالمنظومة التربوية (غير تقارير الزيارات أو التفتيش المعروفة لدى رجال التعليم)، كان أساس مطلب الاستقلالية الوظيفية لجهاز التفتيش بالمنظومة التربوية، والذي أقر بها الميثاق الوطني للتربية والتكوين. فما ضر المسؤولين الذين يعزفون على وترة الشفافية والتدبير التشاركيي، ووو… – كنائب وجدة انجاد- مثلا من الاستقلالية الوظيفية وتفعيلها بلجن مكونة من المفتشين يسمح لها بالاطلاع على جميع الوثائق و الملفات، ما دامت هي ملك للملك العام، و لا ضرر لأحد في شيوعها. وهنا أستحضر كلاما لأرسطو يقول فيه : » من أجل حماية الخزينة من السلب عن طريق الاحتيال، ينبغي صرف الأموال العامة جهارا أو تحت سمع وبصر المدينة بأكملها. كما ينبغي إيداع نسخ من الحسابات في أماكن الحفظ المختلفة » (كتاب السياسة)
تسمية « مفتش »
كثيرا ما نجد تعليقات هنا أو هناك عن تسمية « مفتش » بالنسبة لهيأة التأطير والمراقبة التربوية من طرف رجال التعليم بمن فيهم مفتشون، وبقدر ما هي تحمل من حسن نية، فهي تبين عن عدم معرفة بالنظام الوظيفي بالمغرب. بصف عامة فالخلفية التي تؤطر هذا التصور المناهض لتسمية « مفتش » ، هي إعطاءها دلالة بوليسية بمنظور سلطوي قدحي. سواء لهذا الاعتبار أو ذاك، لهذا التصرف أو ذاك من طرف شخص أو أشخاص ينتمون للإطار؛ أو حتى لجزء من الوضع الوظيفي للمهمة. وهنا يجعلنا نطرح السؤال الأهم: هل يكفي تغيير تسمية ليتغير سلوكات ؟ إذا كنت من حيث عمق الفكرة متفق مع التصور أن دور مفتش التعليم دور تربوي تأطيري علاجي، فإني أختلف معها في ما هو مرتبط بإسقاط الإسم من قطاع التعليم، وذلك للاعتبارات التالية :
1.ربط الكلمة بالمدلول البوليسي وما تحمله هذه الكلمة من دلالة قدحية لدى العامة، لابد وأن أعيد فيه النظر كرجل تعليم لا يقف عند الصور العامية. فحتى بالنسبة لمفتش الشرطة الذي يقوم بمهمته كموظف يحترم فيها القوانين والآخر في التعامل وأداء الواجب، ليس هناك من عيب أو ما يضر؛ بل وجوده ضروري للمجتمع. أما إذا ربطنا الوظيفة بسلوك بعضهم في التسلط فذاك شأن آخر، وهذا الربط خطأ في نظري. لأن التسلط غير مرتبط بهذه الوظيفية أو تلك، فكما نجد تسلط بعض مفتشي الشرطة في التعامل مع الناس، نجد تسلط بعض المفتشين التربويين على الأساتذة، وتسلط بعض المديرين على الأساتذة، وتسلط بعض الأساتذة على الطلبة والتلاميذ،وتسلط بعض الموظفين على المواطنين،الخ. إذن فالتسلط في التصرف غير مرتبط أصلا بالوظيفة أو المهمة، وإنما مرتبط بسلوك الفرد ذاته نابع عن إسقاطات سيكولوجية مصدرها أساسا إحساس بالذنب أو بالنقص، وغالبا ما تكون لا شعورية.
2.ربط الكلمة بعملية التفتيش والبحث عن « الهفوات » كما يقول البعض، يتطلب منا تحليلا أعمق وليس سطحيا يقف عند التمثل أو الضن. لن نختلف أن من مهمة المؤطر التربوي – كما يحب البعض الاصطلاح عليه – التأطير العلاجي؛ وهذا يقودنا للقول بضرورة القيام بعملية التشخيص. وعملية التشخيص سواء عند الطبيب مع المريض، أو الأستاذ مع التلميذ، أو المفتش التربوي مع الأستاذ، تقتضي البحث عن مكامن العلة لإبرازها والسعي لعلاجها. وبالتالي لايمكن النظر إليها بمنطق تصيد الهفوات. ففي اعتقادي إذا كان هناك مفتشا تربويا- ما أستبعده- دارس لبيداغوجية الخطأ بكل ما تحمله من تصور، ويحث عليها الأساتذة؛ ويعتبر أن ما يلاحظه لدى الأساتذة تصيدا للهفوات، فلا بد أن يعالج نفسه. أما إذا كان ذلك الأمر فقط تمثل لدى الأستاذ بحكم الطبيعة البشرية التي تصبو للكمال، فيبقى أن كل ما يبين للإنسان من أمر يقرأ نقصا، يجد رد فعل رافض؛ و الدافع رفض الإنسان لنقصه وضعفه، وهم تصرف نجده عند كل إنسان بغض الطرف عن التبريرات التي يعطيها لذلك.
3.ربط تسمية « مفتش » بالنظام الوظيفي المغربي: الجميع يعرف أن كل موظفي القطاع العمومي بالمغرب يخضعون لنظام وظيفي واحد تمثله الآن وزارة تحديث القطاعات العامة، بغض النظر عن الوزارة أو القطاع الذي يشتعلون فيه، باستثناء البعض الذين لهم خصوصيات كالقضاة ومن لهم ارتباط بالدفاع الوطني. وهذا النظام الوظيفي هو الذي جعل إمكانية اشتعال بعض موظفي قطاعات معينة في قطاعات أخرى؛ وهو الذي يلزم وزارتنا كباقي الوزارات الالتزام بما يصدر عن وزارة تحديث القطاعات العامة، وضرورة تأشير هذه الأخير على كل ما يصدر من الوزارات فيما يخص العاملين لديها كموظفين. وعلى سبيل المثال استصدار دليل تقييم الأداء المهني من طرف مديرية الموارد البشرية و تكوين الطر بقطاع التعليم المدرسي ، هو استجابة للمرسوم رقم 1367-05-2 بتاريخ 2دجنبر 2005 وللمنشور الذي لحقه.
هذه الديباجة التوضيحية كانت ضرورية، أولا لشرح خلفيات التشبت بالحفاظ على تسمية « مفتش » بقطاع التعليم، وثانيا لتوضيح المبدأ الذي تدافع عنه نقابة مفتشي التعليم فيما يخص التعويضات، دون اعتبار لمقدارها أو نوعها أو طريقة صرفها أو لمن هي؟
إن إسقاط تسمية « مفتش » من أنظمة قطاع التعليم، يسقط عليهم تلقائيا الحق في المطالبة بالتعويضات أو الزيادات أو المنح التي تصدرها الحكومة، يتأشير وزارة المالية ووزارة تحديث القطاعات العامة، لمفتشين في قطاعات أخرى. وهنا نكون قد أسأنا لأسرة التعليم التي من حقها أن تتساوى في الحقوق كباقي موظفي القطاع العام (مفتش الغد بالتعليم هو أستاذ اليوم). إذن فالتمسك بتسمية « مفتش » في النصوص القانونية تمسك بحق لا يهم المفتشين الحاليين وحدهم. وهذا أمر خطر يجب أن ننتبه له، فليس في تغييرإسم تغيير للطباع أو السلوكات. وليس كل من اسمه « أمين » أمين ولا « الصادق » صادق.
التعويضات : كما سبق الذكر فإن صلب الموضوع ليس هو قيمة المبالغ، وإنما بصفة عامة هو إحقاق الحق بالعدل والتساوي بين موظفي القطاع العام بصفة عامة، وبين موظفي نفس القطاع بصفة خاصة. وهذا المبدأ تجلى لدى نقابة مفتشي التعليم منذ البداية في مطالبها وتقارير منخرطيها على المستوى الرسمي في عدة نقط أذكر منها :
المطالبة بتعويض عن الإطار ليكون حافزا لكل الأطر التعليمية لولوج مركز تكوين المفتشين خاصة وأن فيهم من درجته أكبر مما سيتخرج بها. ماذا سيستفيذ من سنوات تكوين دون تعويض عن التكوين، بما يحمل ذلك من مصاريف طيلة المدة (كراء + مصاريف ذاتية وللعائلة التي سيتركها بمدينة إقامته)، أضف إليها تعيين جديد. مساندة المطالبة بتعويض للاساتذة المبرزين للاعتبارات نفسها أعلاه، أي تثمين الاجتهاد. المطالبة بتعويض عن المناطق النائية وعن العالم القروي لما نعايشه من معاناة فئة عريضة من نساء و رجال التعليم، المطالبة بالتعويض عن تصحيح أوراق امتحان السنة السادسة ابتدائي نظرا للحيف الذي كان في حق أسرة التعليم بالتعليم الابتدائي، المطالبة بالتعويض عن العمل بالأقسام المشتركة لما في ذلك من زيادة في الأعباء…
وفي هذا الصدد تدخل المطالبة بصرف المبالغ التي تبرمج كما برمجت من طرف النيابات والأكاديميات، وإلا لماذا برمجت منذ الأول في هذا السطر أو ذاك . إن مطالبة النقابة بصرف هذه التعويضات أو تلك كما برمجت، ليست مرتبطة بمقدار المبلغ كما يضن بعض محدودي التفكير، وإنما من أجل مبادئ أساها الحكامة والتدبير القبلي. ولو كان غير ذلك لما طالبت النقابة من منخرطيها التخلي عنها كيفما كان مقدارها، إذا كانت على حساب الكرامة أو إحقاق الحق أو العدل أو المساواة بين موظفي الدولة بصفة عامة. وهنا لابد أن نحيي كافة المفتشين الذين ناضلوا من أجل هذا المبدإ وهم متقاعدون أو تقاعدوا، ونترحم على من وافتهم المنية، ولم يستفيدوا من الزيادات.
وكما سبق الذكر أعلاه، في الحديث عن النظام الوظيفي بالمغرب، أذكر بأن مطالبة النقابة بإقرار بعض الحقوق لرجال التعليم بصفة عامة، ومفتشي التعليم بصفة خاصة، يدخل في إطار نظرة شمولية، لا تقتصر على البعد الفئوي الضيق الذي يجعل التفكير ساذجا متقوقعا في فئة معينة. فممثلي النقابة واعون بأن المطالبة بإحقاق الحق مبدأ لا يجوز المساومة عليه، ومطلب مفتشي اليوم كموظفين ضمن القطاع العمومي، هو من باب العدل أن يسري عليهم ما يسري على باقي موظفي القطاع العام.
وللعبرة والتوضيح أقدم المادة الأولى من هذا المرسوم الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5650 في 24 يوليو2008 ص 2294 (مع تهانينا لمفتشي الشغل بما حققوه من حق لهم) :
المادة الأولى : يمنح تعويض شهري عن الجولات لفائدة مفتشي الشغل و المفتشين المشاعدين تحدد مبالغه على النحو التالي (مقدمة في جدول) : مفتش مساعد للشغل من الدرجة الرابعة 1500 درهم، من الدرجة الثالثة 1750 ، من الدرجة الثانية ومفتش الشغل من الدرجة الثالثة 2000 درهم، مفتش مساعد للشغل من الدرجة الأولى و مفتش الشغل من الدرجة الثانية 2250 درهم، مفتش الشغل من الدرجة الأولى 2500 درهم. وهو مرسوم جاء بعد مرسوم سابق يحمل رقم 2.86.811 في سنة 1987 منح بموجبه لمفتشي الشغل عن الجولات التي يقومون بها في المدينة المقيمين بها. »تعويضا جزافيا سنويا يقدر بـ 6000 درهم »، أي 500 درهم في الشهر.
نستنتج أن صدور مرسوم في هذا الشأن هو إقرار (بناء على القانون المقارن) بضرورة تعويضات عن الجولات داخل المدن لمن تتطلب مهامهم التنقل لأماكن مختلفة بالمدينة التي يشتغلون بها (مثل مهمة التفتيش في المقاطعات)، وقد ذكرت كلمة جزافي واضحة في المرسوم رقم 2.86.811 ، ولا يطرح كيفية تبرير صرفها ،حيث يترك للإدارة المعنية ذلك. وعلى هذا الأساس جاء رفض النقابة المبدئي لاعتبار التعويضات المرصودة للتأطير والمراقبة التربوية تعويضات تنقل، تهم فقط من يخرج على المدينة. بالنسبة للنقابة هي تعويضات للجولات التي يقوم بها المفتش سواء داخل أو خارج المدينة. وإن كانت الإدارة وضعتها في سطر تعويضات التنقل لتبرير صرفها فذلك شأنها، وإن ما يتبرر به نائب نيابة وجدة واه لعدة اعتبارات :
1.لماذا أدرج النائب هذه التعويضات في مشروع النيابة المقدم للأكاديمية برسم سنة 2008 في سطر التنقل وهو يعلم أنه لا يمكن له صرفها ؟ وإن كان – باعتبار افتراضي – لم يقدمها في مشروع النيابة، فلماذا لم يراسل الأكاديمية في الشأن، ويخبر هيأة التأطير والمراقبة التربوية بذلك بعقد لقاء معها منذ البداية، أي بعد المصادقة على مشروع الميزانية بالمجلس الإداري أو حتى قبله؟
2.هل استعصى الأمر على النائب فقط في هذا الباب؟ فما مصير المبالغ المالية الأخرى المدرجة ضمن سطر التنقل المرصودة في خانات أخرى، كخانة النيابة مثلا.
3.ما مصير القانون لديه في صرف اعتمادات أخرى وطرق تبريرها كالمرتبطة بالتكوين المستمر أو المؤسسات التعليمية، وفي أسطرها المتعددة.
إن الأمور ليست كلها بالمقادير المالية كما يراها البعض، وعندما تنطلق نظرة إنسان للآخرين من هواجسه الداخلية، فإنه يرى فيهم كل ما يضمره. فكم من الأموال طالتها يد الإنسان طيلة حياته، وماذا غيرت منه كإنسان. وللعبرة هذه الأبيات الشعرية التي نقشها أصحابها على مبادئ :
أماوي إن المال غاد ورائح ويبقى من المال الأحاديث و الذكر (حاتم الطائي)
كل حي عند ميتته حظه من ماله الكفن (ابو العتاهية)
بنيونس السائح
2 Comments
الأستاذ بنيونس السائح، مرة أخرى أجد نفسي مضطرا للإجابة أمام سياسة صم الآذان. فأنت تطرح أسئلة تعرف الإجابة عنها مسبقا لكونك عضوا في النقابة. من قال لك أنني لا أستطيع صرف تعويضات التنقل ؟ الغالبية العظمى للمفتشين الذين تنقلوا فعلا توصلوا بتعويضاتهم. ما لا أستطيع فعله هو صرف تعويضات لمن لم يتنقل. وقد طرحت المشكل على الأكاديمية مرات متعددة عكس ما تظن وأخبرت هيأة التأطير والمراقبة التربوية بذلك خلال لقاء جمعني بهم منذ سنتين وكلما أثيرت هذه النقطة. ما لا أفهمه شخصيا هو ادعاؤكم أن المشكل لا علاقة له بالتعويضات ومع ذلك فأنت قد أسهبت في المقارنة بين تعويضات هيأة التأطير والمراقبة وهيآت مماثلة. أنصدقكم حين تكتبون فرادى أم نصدقكم حين تكتبون بلسان النقابة ؟ لم تطرحون اليوم نقطا لم يسبق لكم أن ناقشتموها معي ؟ على افتراض أنني أخطأت حسب زعمكم (وهو ما يجب إثباته)، فلم سكتم حتى اليوم وأنتم تدعون الإصلاح ؟ أولم يكن من واجب نصيحة المسلم لأخيه المسلم أن تنبهوا إلى التعثرات (إن وجدت) ؟ أم أنكم كنتم تتصيدون الفرص ؟ فما هكذا تكون أخلاق النقابي ؟ (ولا علاقة لكلامي هذا بالتنظيم النقابي الذي أكن له كامل الاحترام بل بمن يدفع به إلى متاهات لا تنتهي) أتمنى أن لا تخدموا من حيث لا تدروا جهات أخرى.
إن تسلطكم وعدم سماعكم للأطر التدريسية الجادة هو ما يجعلكم ذوي ميزة سلطوية فالأفعال هي التي تحدد أصحابها لا المسميات.
على فكرة كنت قد أعددت استعمال زمن و أدرجت ميزة مؤطر تربوي فماكان من المسؤول الغريب الأطوار إلا أن شطب صفة مؤطر تروبي بالأحمر وكتب بدلها مفتش، وما اخطأ فإنه مفتش بما تحمله الكلمة من معنى قدحي هتلري gestapo