Home»International»المستقبل للإسلام

المستقبل للإسلام

0
Shares
PinterestGoogle+

المستقبل للإسلام

د. عبد المجيد بنمسعود

إنه مما لا يخفى على أحد، ما تعانيه الأمة المسلمة من ضعف وتخلف، ومن ضعة وهوان، فلقد تكالب عليها أعداؤها من كل جانب، ينهشون جسدها في أبشع مشهد، يخلف في نفس كل غيور جراحا عميقة الغور، ويفجر فيها أحزانا عظيمة وآلاما مبرحة لا تنتهي، كيف لا، وكل شيء في وجود هذه الأمة قد تعرض للمساس والاختراق، فالأوطان قد اغتصبت والأعراض قد انتهكت، والقيم والمقدسات قد ديست، وابتذلت، فهل بقي بعد ذلك من معنى للحديث عن شيء اسمه الكرامة، أو شيء اسمه السيادة؟ !
إن هذا الواقع الأليم الذي تتجرع الأمة كؤوسه المرة كان قدرا مقدورا وأمرا محتوما، وهل يحصد المقصر إلا الندم، والمفرط الغافل إلا العلقم؟ لقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي لا ينطق عن الهوى، عن هذا الذي صارت إليه الأمة، بقوله: « يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير،ولكنكم كغثاء السيل، ولينزعن المهابة من صدور أعدائكم منكم، وليزرعن في قلوبكم الوهن. قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت »، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

إن هذا الحديث الشريف، قد شخص مرض الأمة في كلمات محدودة، ولكن شرحها وتحليلها قد يستغرق مجلدات، ويستدعي توظيف علوم وتخصصات، أربع كلمات فقط شخصت الداء العضال الذي أدى بالأمة إلى كل هذه الويلات، وعرضها لكل هذه المآسي والنكبات.
إن حب الدنيا، هو بمثابة السم الذي إذا سرى في عروق الجسم ومفاصله، أسكره وأورثه حالة خطيرة من العجز والشلل، ذلك أن الاستسلام لهذا الحب القاتل يدفع صاحبه الواقع تحت تأثيره ومفعوله إلى التنازل عن قيمه ومبادئه، ويؤدي إلى إضعاف همته وشل قوته، فتصبح الغاية عنده مبررة للوسيلة، ويتحطم لديه جهاز المناعة الذي يتصدى بفضله لمحاولات التذويب.
وإن من شأن هذا الانسياق مع هذا الداء العضال، أن يجعل أصحابه يفرطون في مبدإ الولاء للمؤمنين، فيستبدلون به الولاء لأعداء الإسلام والمسلمين، ما دام ذلك يضمن لهم الحفاظ على مكاسبهم الدنيوية الرخيصة ومطالبهم الضيقة الخسيسة.
إن أعظم ضحية ينال منها هذا الداء الوبيل، هو مبدأ الجهاد، الذي يولد في أصحابه حب الفداء، والاستعداد للتضحية والعطاء، واسترخاص الأموال والأنفس.
لقد تخلت الأمة في مجموعها عن مبدأ الجهاد، بفعل سريان الثقافة الليبرالية الممجدة للمتاع الدنيوي في كيانها وتمكنه من أخلاقها. فلم يكن هناك بد من أن يدخل الماء على سفينة المجتمع الإسلامي عبر الخروق والشقوق والتصدعات التي نتجت عن تجفيف منافع التدين والتخلق بأخلاق الإسلام وقيمه الرفيعة من نفوس المسلمين الذين خضعوا لعملية رهيبة من التهجين والتدجين.
لقد استهدفت الأمة المسلمة في جميع معاقلها، فلم يبق مجال إلا واخترق وجرى إغراقه وغزوه واكتساحه، لتخرج روح الدين من كيانه، ويحل محلها، ذلك الروح الخبيث الذي هو حب الدنيا وكراهية الموت الذي عبر عنه الله تعالى في قوله – في معرض وصف بني إسرائي: {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة}. لم يرد لفظ الحياة معرفا وإنما ورد منكرا، وفي ذلك دلالة على الحياة التي يتعلق بها الحرص، هي حياة وكفى كيفما اتفق.
لقد اخترقت أسرتنا وتناوشتها سهام الأباطيل، ومطارق المكر بالليل والنهار، ونالها شر مستطير، يهز كيانها وينخر بنيانها، وإن لم تتدارك بالإنقاذ، فإنها توشك أن تسقط صريعة للهجمات المسعورة والحملات الموتورة.
واخترقت منظوماتنا التعليمية التربوية، فأصبحت مساحة ملغومة وبؤرة مسمومة يغلب فيها الضار على النافع، وترجح فيها إرادة الهدم على إرادة البناء، كيف لا والغرض « الأسمى » الذي يحدو تلك المنظومات ويوجه سيرها، هو أن تصل بالناشئة والأجيال التعليمية إلى وضع يصير فيه ما يسمى بالمبادئ والقيم الكونية لحقوق الإنسان، هي الدين البديل الذي يدان له بالتقديس والولاء.
واخترق إعلامنا، فلم يعد يحمل إلى الناس في أغلب أحواله، إلا كل رخيص مبتذل من المشاهد والصور، وكل تافه منحط من الأفكار والقيم، لقد أصبح ديدن هذا الإعلام هو العزف على أوتار الغرائز والتسويق لمشاريع الأعداء الفكرية والثقافية، بما يحقق أحلام إمبراطورية الشر التي يتزعمها اليهود الصهاينة، مسخرين في ذلك كل من استحمروهم من بني جلدتنا فضلا عن أطراف الحلف الشيطاني البغيض، بقيادة زعماء الاستكبار العالمي الظلمة، المتعطشين لدماء وأموال المسلمين.
إن الأمة المسلمة تحتاج إلى علاج جذري شامل يطهرها مما تشكو منه من علل وأدواء، من أخطرها وأفتكها – كما ذكرت – حب الدنيا وكراهية الموت الذي أذهب ريح الأمة وذهب بهيبتها وجرأ عليها حثالة العالم وأوغاده.
وإن رأس هذا الدواء ليتمثل في إفراغ الأمة عبر عملية منهجية شاقة ودقيقة مما ابتلعته من سموم وتعرضت له من جراثيم وفيروسات قاتلة، ثم بعد ذلك إعادة ملئها وتشكيلها وصياغتها على أساس الإسلام الذي تتحرك معه أجهزتها من جديد في الاتجاه الذي يرضي الله عز وجل ويحقق كرامة الأمة ورفعتها وسؤددها.
يقول الله سبحانه وتعالى: {وعد الله الين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون} [النور 55-56].

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. Fouad USA
    03/02/2009 at 19:35

    merci pour l`article

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *