التعليم الخصوصي… كل يغني على ليلاه
بعيدا عن لغة الأرقام التي تحاول أن تجمل وجه قطاع التعليم الخصوصي والتي تفيد ان هذا النوع من التعليم يسير بخطى ثابتة لاكتساح القطاع ككل وكأن الامر يتعلق بمعركة بينه وبين المدرسة العمومية، بعيدا عن ذلك فإن هذا النوع من التعليم مازال أسير اختلالات ومعضلات يتطلب إيجاد حلول لها زمنا طويلا، وما يعقد من تلك الحلول كون التعليم الخصوصي يعاني من الأزمة في بنيته. من هذا المنطلق سنقارب في هذا الملف بعضا من تلك الاختلالات.
استثمار يغيب المشروع البيداغوجي
المشروع البيداغوجي يرتبط في تفاصيله بصاحب المشروع، والحال أن الاستثمار في التعليم الخصوصي يرتبط بمستثمرين لاعلاقة لهم بالتربية والتعليم، ما يؤثر فعلا على العملية التعليمية، فاللهث من أجل الربح المادي بالنسبة للبعض يثير أسئلة كبرى حول طبيعة المدرسة الخصوصية التي أضحت مجال جذب في المجال الاستثماري بمنطق قانون الربح السريع الذي أدخلها عمليا في تصورات مشابهة لما يجري في العقار وغيره. وبالتالي وانطلاقا من هذا التصور ما زالت حبسية قانون تنبذه المشاريع البيداغوجية التي تتأسس على أهداف وغايات تربوية نبيلة مرتكزة على موارد بشرية قادرة على ربط الجسوربالدقة اللازمة بين المبدأ الأصلي والمنتهى. لكن الإشكالية الكبرى هنا ليست مطروحة على صاحب المشروع ، بل تطرح على وزارة التربية الوطنية التي أكد وزيرها أحمد اخشيشن في معرض جوابه على سؤال شفهي في البرلمان ، أن البرنامج الاستعجالي يتضمن مخططا يروم الإرتقاء بالتعليم المدرسي الخصوصي من خلال محاور أساسية من بينها تجاوز النظرة الحالية للقطاع والمؤسسة الخصوصية واعتبار مشروع الاستثمار في هذا المجال مشروعا بيداغوجيا يؤطره دفتر تحملات خاصة بكل مشروع يحقق تنوع العرض مع الحفاظ على تكافؤ الفرص والتلاحم الاجتماعي. ونتساءل هنا على ماهية الآليات المعتمدة لتجاوز هذه النظرة وهذا التصور، مادام صاحب المشروع يهدف فقط الى استقطاب عدد كبير من التلاميذ ويحسب كل شهرالعائدات المادية.
أسعارملتهبة وموارد بشرية راكدة
تتفاوت أسعارالمؤسسات التعليمية الخاصة، وهو معطى غير مفهوم في الشأن التعليمي، خاصة أن تلك التفاوتات، تعطي انطباعا على أن أصحاب المشاريع ينسجون أرقاما دون معاييرتربوية، وعلى هذا الخط تسير المنافسة التي تبدو هي الأخرى عشوائية تماما، وتحاول أن تستغل تحرير الأسعار الذي أصبح موضة العصر لكن وفق منظومة لا تقرأ فيها القوانين المتعامل بها في تفاصيل ذلك التحرير. ورغم ذلك فكثير من الآباء يعتقدون أن المدرسة الخصوصية التي تطلب مقابلا عاليا هي الأحسن من الناحية البيداغوجية ، لكن الحقيقة أن الأمر سواء في هذا المكان أو المؤسسات التي تطلب مقابلا ماديا متوسطا لا يختلفان في المشاكل والاختلالات، ومن بينها المواد البشرية أي المدرسين والمدرسات الذين يعانون من مشكل التأهيل ليس على مستوى الشهادات الموجودة في سيرهم الذاتية ، وإنما أيضا على مستوى التكوين، إذ أنهم لم يخضعوا لتكوين أساسي، ورغم ادماج بعضهم في التكوين المستمر فإنهم غير متمكنين من مسايرة المستجدات التي تعرفها الساحة التربوية من كفايات وغيرها. والأكثر من ذلك أن كثيرا منهم لا يصل راتبه الشهري إلى الحد الأدنى للأجور، ما يجعلهم عرضة للتنقل من مدرسة الى أخرى، وأحيانا يتم ذلك خلال الموسم الدراسي وما لذلك من تأثير سلبي على التلاميذ باعتبارهم مستهدفين من العملية التعليمية التعلمية، ويتعمق هذ الاختلال في علاقة الموارد البشرية بالبرامج التي تعرف هي الأخرى اختلافات كبيرة خاصة في مجال اللغات الأجنية التي يعتقد القطاع الخاص أنها نقطة قوته بالمقارنة مع المدرسة العمومية ، إذ يلتجئ إلى الاعتماد على برامج أجنبية وهذا إشكال آخر.
الكفايات في الفيلات
لا داعي للغوص في موضوع أهمية الفضاء والبناية ككل في العملية التعليمية، مادامت النظريات التربوية تؤسس نجاح جزء كبير من تلك العملية على الفضاء، وعكس المنطق، وإذا كان القطاع الخاص يذرعلى أصحاب المشاريع أرباحا طائلة أحيانا، فإن الاهتمام بالبنايات مهمش في أجندة مشاريعهم، وهذا يعكس في العمق غياب المشروع البيداغوجي، ومع بعض الاستئناءات ، فإن تلك البنايات لا تمتلك مواصفات المؤسسة التعليمية، فكثير منها عبارة على منازل معدة للسكن في الأصل لكنها تحولت في الوظيفة إلى مدرسة تمارس فيها العملية العملية التعليمية داخل غرف زينت بالطاولات حتى أن التلاميذ لا يشعرون وهم جالسون على مقاعدهم أنهم أمام مؤسسة أخرى للتنشئة الاجتماعية خارج مآوي أسرهم ما يقتل في التلميذ روح المبادرة والفعل التربويين، بل إن تلك البنايات التي سميت قسرا مدرسة تخضع أذهان التلاميذ إلى روتين لا يفهم كل تفاصيله سوى التلميذ الذي يعيش على إيقاعه. ونفس الشيء يقال عن الفيلات التي غيرت العلامة الموضوعة على بابها والتي كانت تفيد اسم ساكنها ، لكنها أضحت مدرسة خصوصية يلتئم فيها التلاميذ الراغبين في هذا النوع من التعليم. وفي كلتا الحالتين تغيب الساحة وملاعب التربية البدنية، ويبقى السؤال حول ما إذا كانت قدرات التلاميذ قابلة للصقل والتطور بالمنازل والفيلات، إنه السؤال المهمة الصعبة التي تختبر المسؤولين على الشأن العام التعليمي الذين أكدوا على ضرورة تقوية دور الوزارة في مجال الضبط والتقنين وذلك عبر التحكم في كل مستوى من مستويات صيرورة المشروع الاستثماري التربوي، ووضع ترسانة قانونية وتنظيمية ومؤسساتية من شأنها تجاوز كل الاختلالات.
1 Comment
ان التعليم الخصوصي هو ضرب للمدرسة العمومية. وبالتالي يجب ان نتعبأ جميعا لمواجهة هذا الاخطبوط