موسم النفاق الكبير
الحمد لله وحده
موسم النفاق الكبير
في زخم توالي فصول الهجمة الشرسة علي إخواننا في غزة، وفي غمرة احتفالات وطقوس عرس الدم الذي أقامته العصابة الصهيونية على شرف الأمة العربية ، لا شك وأن الواحد منا التفت إلى شاشتنا الوطنية ليرى مدى تفاعل التلفزة الوطنية مع الحدث. ولكن للأسف، سيخيب ظنه مرة أخرى، حينما يجد نفسه وجها لوجه أمام كشكول من أفلام وبرامج مجمدة تتخللها وصلات إشهارية بائسة، يخيل لك أنها موجهة ألى جمهور الناشئة،وهي إنما تتعلق في الأصل كما تعلمون بالدعاية للإنتخابات الجماعية . فلم يعد يفصلنا عن هذه الإنتخابات إلا بضعة أشهر،بضعة أشهرإذن ويحل بين ظهرانينا كرنفال سياسي بألوان مثيرة ومغرية وبرموز موحية ومتباينة المقاصد، سنكون على موعد مع السبع والحصان و النحلة والحمامة والخجر والمفتاح، إلى غير ذلك من الرموز والأيقونات الطائرة والزاحفة والمتخيلة حتى. باختصارسنكون أمام فرجة غير مسبوقة في مجال الإستعراض والإغواء،لكن حتما لن تنزاح هذه الفرجة عن منطق البهرجة الدعائية المعهودة، والموضة المناسباتية المكرورة، إلا إذا حدثت معجزة.
وإذا كان من المتعارف عليه في الأعراف السياسية أن تتعبأ الأحزاب الحديثة النشأة لتدشين حملة دعاية ،تمهيدا لأنتخابات مقررة، إذهناك ما يكفي من الدواعي والمبررات التي تشفع لها في هذه المبادرة، للتعريف بتوجهاتها وبسط برامجها الغائبة افتراضا عن مجال رؤية الرأي العام الوطني ، فإن انخراط الأحزاب القديمة والتاريخية في مسلسل الدعاية هذا هو غير ذي جدوى،ما دامت هذه الأحزاب قد استنفذت مخزونها النضالي وقدرتها التأطيرية في محطات سابقة . وقبلت بموازين تكتلات كانت وبالا صريحا على تمثلات المواطنين السياسية ،وتقلبت في مزاجها السياسي على أكثر من صعيد،دون أن يكون لها الفضل في تخليق الحياة السياسية حتى لا نتكلم عن الإنجازات المفروض أن تؤطرها ممارساتها السياسية.
والإختلاف لم يعد في عرف هذه الأحزاب مظهرا من مظاهر الحرية في الإختيار،بل شكلا من أشكال العقوق السياسي قد تمليه دواعي ذاتية أونوازع مذهبية مغرضة. وحتى إذا قبل هذا الإختلاف، تلبية لمطالب المرحلة والسياق الدولي العام ،فإن أساسه وقاعدته غير سليمين. إنه اختلاف في جبة الميوعة، لامجال فيه للإستقطاب والتجاذب الحقيقي للبرامج والتوجهات .إنه بكلمة أخرى اختلاف الواجهة والديكور،اختلاف الكيد والتحيز وليس اختلاف الإبداع والتميز.
إن التجارب والمعاينة الميدانية مٌدتنا بحقائق تؤكد أن الزعامات هي التي تقرر،وما على القواعد إلا أن ترهن مصيرها لأرادة الكبار تحت طائلة التشرذم والتمزق في أحزاب فسيفسائية التمظهر،عنقودية التشكل. كاريزمية الزعيم الذي قد يكون خالدا،هي القاعدة والملاذ.وجهوزية الحزب للتأثير في مجرى الحياة الإجتماعية والإقتصادية لفئات الشعب هي النتوءات والنشاز. كيف ستستقيم إذن حياة هذا المواطن وقد استحال شأن السياسة عنده إلى مجد كتلة عجين رخوة يفبرك بها السياسيون، المهرة منهم والمغمورون، أشكالاوأحجاما من الكيانات الحزبية الهلامية،والتي قد تختلف في كل شيء إلافي إصرارها على تفادي وضع الأصبع على موضع الداء،والتحلي بالواقعية والمصداقية التي تعني ببساطة أن نفعل مانقول ولانقول إلا ما نحن قادرون على فعله.
ولا شك أن مجتمع القطيع الذي طالما راهنت عليه بعض الأحزاب لن تحلم به مرة أخرى ، ولتطمئن تماما لعدم تكرار التجارب الماضية. فالجماهير الشعبية هي بصدد إحكام الطوق على أساليبها المغرضة والماكرة أحيانا. ولن يعود بمقدورها توزيع وعودها العرقوبية ف أسواق الجماعات القروية الفقيرةفي المغرب العميق. ولتعتبرمن الآن أن فرص وإمكانيات بث سماسرتها في هذه الأسواق،استجداءا أو استرقاقا لناخبين مفترضين قد تضاءلت،وهي إلى زوال بحول الله . فالوعي واليقظة ما فتيء حضورهما يتأكد بفعل تواتر التجارب الخائبة ووصول الفار عند باب الغار.
ويبدو أن الإنتخاب الطبيعي وليس السياسي، هو الذي سيتولى أمر هذه الرؤوس التي شاخت على رأس محمياتها الحزبية، حينما يختارهم الله تعالى إلى جواره . أما حديثوالعهد بمجال الزعامة فمن يضمن أنهم لن يسيروا على خطى سابقيهم،ونحن نعلم أن الأمر إنما يقوم على مبدإ الخلافة المهيئة سلفا حتى وإن تم تغليفها بمسوحات تنافسية؟ ومع ذلك سنركب إن شاء الله سفينة هذا الوطن الموثوقة بأحبال الولاءات والتجاذبات النفعية ولن يثنينا عن ركوبها يأس المحبطين ولا دسائس المغرضين .
لن نترك ساحة اللعب شبه فارغة حتى يتم،في غفلة منا، تسجيل حصيلة لا تطابق الواقع العياني.
إن المغاربة يطمحون إلى التجديد والإبتكار،ويتبرمون من التكرار والترقيع، وما تناسل الأحزاب بهذا الشكل غير المسبوق إلا نذير شؤم على صحة الجسم السياسي الذي قد يصاب بالإنهاك فيتبدد جهده ويفقد رشاقته. لماذا فكرت الدولة في مبادرة المغادرة الطوعية لموظفيها ولم تفعل الشيء ذاته أوما يشبهه، حتى تغادر أحزاب بعينها وليس أفرادا فقط المسرح السياسي . ونوفر فجوات يستطيع هذا الجسم المتخم التنفس عبرها. إن الإنشقاقات الحزبية التي ألفناها حتى الآن وخبرنا دواعيها،ليست دليلا على التجديد والتميز،على الأقل في مستوى التوجهات الأساسية،وإنما الدافع إليها في الأغلب الأعم شخصي واعتباري، وهذا سبب آخر لنفور الكتلة الناخبةمن ممارسة حقها الدستوري لأنها لا تريد ان ترهن مصير بلد لمجرد نوازع وميولات شخصية. وهذه الكتلة بدورها، لا تنجو من حالة الإنقسام على ذاتها حين تتنازعها الأهواء والطموحات الفردية للمنتخبين ،فمن ضغط المال إلى ضغط المصالح ،وعندما تفشل هاتين الآليتين على الرغم من مفعولهما السحري،يسلم المشعل إلى قانون الولاءات العائلية والقبلية،ولا يهم أن كانت هذه الولاءات عمياء أو مبصرة .المهم هو الوفاء بالغرض وضمان مقعد وثير في إحدى الغرفتين الفسيحتين.
إن ما يجب التأكيد عليه هو أنه إذاما استمرت الولاءات المشبوهة،وبقي محترفو الإنتخابات هم سادة الميدان،فهذا تحدي كبير. إذ من الصعب تحقيق فوز كاسح على شروط التردي القائمة .ثم أنه لا يجوز أن ننتظر طويلا ريثما تجود السماء بزعيم مصلح .فالميدان ميداننا في البدء والمنتهى.
2 Comments
لم تستغل قضية لأغراض انتخابية كما استغلت قضية غزة لقد تاجر تجار الانتخابات بدماء الشهداء ومرروا ضمن شعاراتهم خلال مظاهرات التضامن مع غزة بضاعتهم الانتخابية كما تهرب المخدرات في شكل مواد غذائية . إنه الانحطاط الأخلاقي والتدين المغشوش وقد نسي هؤلاء أن الله عز وجل يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وكما عكس مراد الصهاينة فسيعكس مرادهم الانتخابي وسيعودون خائبين
للإشارة فإن ضعف المشاركة مطلب قوي للوبي المتحكم في الانتخابات، فبفضل المقاطعة يصوت فقط زبناء المرشحين التقليديين، وحين يتقدم مرشح جديد، لا زبناء له تكون النتيجة مضمونة للقدامى. للمحافظة على الوضع، يستغل السماسرة هذه اللحظات التي تتجه فيها الأنظار إلى الشرق الأوسط لتشكيل القاعدة الانتخابية التي ستتحكم في الاستحقاقات المقبلة، بينما لا يقوم الفاعلون الجدد بما يلزم. الحل: يجب مزاحمة سماسرة الانتخابات وليس شتمهم.