لكريدي….ذلك الادمان
الحصول على قرض بنكي بمستحقات
لا ترهق ، يكون أداؤها بأقساط لمدة عام كامل ، بل عشرة شهور على الأرجح ،
فكرة اقتنع بها قبل شهور فقط ، واحتوت مخيلته بالكامل ، وباتت لعبة مسلية
تستهويه عند كل مأزق مادي ، رغم أنه ظل يؤدي أقساطها وجعا مضاعفا من دمه
وأعصابه طوال عقود.
» ع ف » أستاذ التعليم الابتدائي وموظف السلم
العاشر ، استنزفت الشركات المقترضة راتبه مستحقات مستحقات ، بشكل يبعث على
القلق خلال السنوات الاخيرة ، كان زواجه الأول فاشلا ، وبقدر ما شكل
الطلاق حلا سحريا لمشاكله ، كان بنفس القدر مدخلا لمشاكل من طينة أخرى ،
أدمن كافة أنواع السلف وشركاته ، سلف النفقة ، التلفزة والثلاجة ، وسلف
غرفة النوم الأولى،وسلف الدخول المدرسي، وسلف الصيف … ، ولعل ذاكرته
المتخنة بالانكسارت تحفظ 23 من أسماء وكالات السلف وسلاليمها وماتوفره من
فوائد و امتيازات ..لكنه وعلى نحو مذهل يعتبر السلف بالنسبة لموظف متهور
مثله مساعدة مقبولة ، ويرتقي به إلى الحل الأمثل ، والبديل الأكمل الذي لا
بديل له في الوقت الراهن . عندما تخاطبه والدته قائلة » لكريدي لي تادير
أولدي للعيد مزحة ثقيلة ، فضلا عن كونها مجرد لعبة مربحة بالنسبة لوكالات
السلف التي تنهش راتبك وتحرمك منه عبر وصلاتها الاشهارية الزاحفة في كل
مكان ، التي تغطي مساحات شاسعة من فضاء المدينة المترب » . يجيبها على
الفور » أيما.. أنت تتعرفي الحولي للعيد وصافي، مشي شغلك منن تتجي لفلوس
.. »
لذلك ، و قبل أن تسطع شمس عيد الأضحى بثلاثة أيام ، خطط رفقة زميل له يدعى
» ف ع » 47 سنة ، تقني بمصلحة الأشغال العمومية بفاس حتى يكونا في الموعد
، موعد تقديم الطلب وانتظار دراسته مع شركة سلف جديدة بالمدينة الجديدة.
وضع » ع ف » طلبا للحصول على سلف بقيمة 3000 ألف درهم مستغلا بروموسيون
العيد، هذا ديدنه كل عيد ، وهو الآن يتضرع سائلا الله تعالى كي تتمم
الوكالة خيرها هذا العيد ، وتوافق على الطلب دون تحفظات ، فرقبته جاهزة
سدادة ، وهي على المشنقة منذ سنوات ، وشركة السلف التي أضحى زبونا تقليديا
لها أحكمت حبل الإعدام حولها . فكان أول سلف سينتهي عندما تحل سنة 2018 .
الصادم في الأمر ،أن المستخدمة التي تبتسم على الدوام هاتفته ساعات بعد
إيداعه الطلب ، وعلى غير العادة قائلة » خويا اطلع لاجونس بغاتك »
حزر « ع ف » أن الأمر رفض ، و تمنى لو أن الحكومة حسمت في الأمر وألغت العيد
لأسباب مخدومة، ثم تساءل لنفسه » ماذا لو أن وزارة التربية خصصت لموظفيها
منحة خاصة كل عيد ،وفي مرة زاغ به الخيال ، وقال في نبرة ثقة » سأشتري
داندو » بيبي » كبير ، وانتشي بذبحه » ياك المهم هو الدم » .
عندما وطئت قدماه باب الوكالة الزجاجي اللامع استنشق هواء هو مزيج من
الشيكات والأرصدة ، وتنسم عبيرا ملتبسا ، وهو يتقدم مكتب الموظفة المسئولة
عن الصرف بعينين تتسعان وأصابع ترتجف »
– صافي أختي …
– صافي أخويا..
تنفس الصعداء ، وبالكاد ترجل وقرر لحظتها منحها 50 درهما حلاوة مكافأة لها
على الخبر الجميل السار ، كما لو كانت تقدم له هبة أو تمنحه صدقة ، وقع
بعض الأوراق من غير الرغبة في الاطلاع على مضامينها ، كان سخيا إلى حد
بعيد، فيما كانت الحسناء تسحب الورقات مثل آلة يقظة. » ساهاتفك..قريبا..ما
تكون غير على خاطرك » .
من أجل استلام شيك السلف الجديد ، الثالث من نوعه خلال شهور ، طلب رخصة من
إدارته ، واستقل سيارة أجرة مبكرا ، عسى أن يظفر بدور متقدم ، لكنه اصطدم
بطابور طويل ، العشرات من الموظفين الصغار أمثاله ينتظرون اللامر نفسه ،
ليس لأنهم من وذوي الدخل المحدود فحسب ، ولكن لأنهم أدمنوا السلف ، وبات
مخدرا يغلي في دمهم مثل النيكوتين ، أمام كل امتحان مادي مهما كانت ظرفيته.
عندما ينحر الأستاذ » ع ف » عنق أضحيته يوم العيد الجديد ، سيشرع في البحث
مباشرة عمن يفك عنقه من حبل الكريدي اللعين الذي سيستمر إلى العيد القادم
، المنظومة نفسها تتكرر لسنوات ، حتى تقزم راتبه ليصل إلى 1000درهم فقط لم
يكن السلف قدر صاحبنا ، وإنما ثقافة السلف التي أدمنها نكهتها المدوخة
،حتى التي أصبح أسيرها الدليل ، فأحكمت السيطرة على ذكائه . وكأن العيد ،
أي صيف ، لا يستقيم إلا وهو يوقع الأوراق الرسمية ويصادق عليها .
تسلم ع ف المبلغ بعد خصم تكاليف الملف ، وحلاوة المستخدمة ، واستقل سيارة أجرة وهو يغلي فرحة ، لن تدوم طويلا .
« عف » كغيره من الموظفين ، لا يستطيع الاحتفال بالعيد دون أن يطرق أبواب
وكالات السلف حتى ولو تزامن ذلك مع علاوة أو تسوية مادية مهمة.
في لحظة صفاء ذهن يقول عبد ح » عندما أحلل الأمر مع نفسي بقليل من المنطق،
أكتشف أن قضاء عيد جميل بكل طقوسه وعاداته ، لا يقتضي مني بالضرورة المرور
على وكالة سلف » ثم يستطرد قائلا » . هناك عمال بسطاء، لا تتجاوز رواتبهم
الشهرية الحد الأدنى للأجور ، ورغم ذلك ، يعيلون أسرا بأفراد كثيرين ، ومع
ذلك يستطيعون شراء الأضحية ، وكل مستلزمات العيد دون أن يأخذوا قرضا بنكيا
»
وفي مقابل هؤلاء، يستحضر ع ف موظفين تعساء أمثاله ، كانوا يتقاضون رواتب
لا بأس بها ، وما أن تقترب مناسبة ما حتى يوجهوا أقدامهم صوب وكالات
القروض ، لوفير ما يكفيهم من المال كي تمر المناسبة بسلام ، وهو واحد من
هؤلاء .
« كثير من الناس لا يعرفون كيف يتعاملون مع شؤون الحياة بشكل جيد » يقول
زميل آخر » يمكنك أن تجد في نفس الإدارة موظفين يشتغلان بنفس الراتب ،
ويوجدان على نفس السلم ، ويعيشان ظروفا اجتماعية متشابهة ، لكنهما لا
يقضيان العيد بشكل متشابه ، فقط لأن أحدهما يلجأ في كل عيد إلى ، بينما
الثاني لا يفعل ذلك » . لماذا يحصل هذا بالتحديد؟
ويرى صديق من قدماء « السلفيين » هناك أشخاص كثيرون لا يعرفون كيف يتصرفون
في الرواتب التي يتلقونها على رأس كل شهر ، بمجرد أن تقع النقود في أيديهم
حتى يبذرونها دون تفكير ، وفي أشياء تافهة يمكن الاستغناء عنها . ولعل
زميلنا « ع ف » واحد منهم . عزيز باكوش
2 Comments
اه لوتعش ضيق ذات اليدتفعل اكثر
و الله لذكرني بنفس الحالة التي أ